كتبت ليا القزي في صحيفة “الكويت:
من البوابة الكويتية، عاد لبنان إلى الساحة الخليجية. البلد «الصغير»، الواقع على «بركان» حدودي بين العراق والسعودية، فتح أمس أبوابه أمام الرئيس ميشال عون. احتفالٌ حاشد نُظم للرئيس اللبناني في زيارته الرسمية المؤجلة منذ الخامس من تشرين الثاني الماضي، نتيجة إجبار الرياض رئيس الحكومة سعد الحريري على الاستقالة.
في الحالات العادية، كان يُمكن زيارة أمس أن تكون مُشابهة لأيّ استقبال آخر بين دولتين. إلا أنّ الأمر بين لبنان والكويت يكتسب أهمية خاصة، لأسباب عدّة. فهناك ملفّ خلية العبدلي، الذي «كان» عالقاً؛ الضغوط التي تُمارسها السعودية على الكويت؛ رفض تسلم أوراق اعتماد السفير اللبناني الجديد المُعين لدى الكويت ريان سعيد، لا لشيء سوى انتمائه إلى الطائفة الشيعية. توترت العلاقة بين البلدين، ما انعكس تراجعاً في الوجود الاقتصادي الكويتي في لبنان. زيارة عون أتت لتضع حدّاً لهذا المسار الانحداري، من خلال الاتفاق على تعزيز التعاون الاقتصادي، وطيّ صفحة خلية العبدلي. الثغرة الوحيدة كانت عدم بتّ مصير سعيد، لأنّ «الأمر لم يُبحث بين الطرفين»، بحسب مصادر في الوفد الرئاسي.
أما لماذا قرّرت الكويت الانفتاح على القيادة اللبنانية، واستقبال عون المعروف بتحالفاته السياسية، والذي كانت له مواقف قاسية بحق المملكة السعودية خلال أزمة الحريري، فبالنسبة إلى الوفد اللبناني «هناك العلاقة الشخصية التي تجمع عون مع أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح. وفهمُ السياسيين الكويتيين لظروفنا الداخلية، كما نفهم وضعهم ولماذا تصرفوا بتلك الطريقة في ملف العبدلي أو غيره.
العلاقة مع الكويت لم تكن يوماً سيئة». أما من وجهة نظر أطراف «معارضة» في الكويت، فالأمير «يُحاول أن يلعب دوراً معتدلاً وتوافقياً بين الدول العربية». وتكشف المصادر أنّه «خلال جلسات مُغلقة للأمير مع مجموعات سياسية ومناطقية، قال صراحةً إنّه يريد تحييد الكويت حتى لا تكون قطر الثانية». الظروف الإقليمية، ولعبة التوازنات، «دفعت الكويت إلى هذا الموقع، لذلك كان من الطبيعي أن يكون هناك انعكاس لذلك على الوضع اللبناني»، فضلاً عن أنّ الكويت «ساهمت خلال الحرب الأهلية في دعم لبنان، ولا يوجد موقف عدائي تجاهه». يجب الانتباه إلى نقطة، بحسب المصادر الكويتية، أنّ «تويتر لدينا هو من يصنع الرأي العام. هناك أطراف سياسية لها ارتباطات مع جيراننا، تقوم كلّ فترة بحملة ما، وتضغط على الشارع لتبني وجهة نظر». ما عُرف باسم خلية العبدلي، «كان إحدى هذه الحملات، ساعد في تضخم الموضوع تفجير تنظيم داعش لأحد المساجد، وضبط أسلحة مع الموقوفين، واستحضار تاريخ بعض المطلوبين السياسي». ولكن حالياً، «يُطبخ على نار هادئة، طيّ صفحة خلية العبدلي». لماذا؟ تجيب المصادر الكويتية أنّ الأمير «يريد إعادة رصّ الصفوف داخلياً، وتعزيز الجبهة الكويتية في مواجهة التحديات، عبر القيام بمجموعة من المصالحات وإنهاء ملفات قضائية». تنتشر في الشارع الكويتي أخبارٌ كثيرة عن وجود اتجاه «لإصدار عفو عام. نعتقد أنّها لا تزال خطوة في إطار جسّ نبض الناس ومدى تجاوبهم مع ذلك». إلا أنّ ذلك لا يلغي «أنّ وضع الموقوفين بتهمة الانتماء إلى خلية العبدلي جيّد جداً في السجن، وهم يحصلون على كامل التسهيلات». يتوافق ذلك مع ما لمسه الوفد اللبناني من المحادثات الرسمية مع الكويتيين، «نحن الاثنين حريصان على التوازن والاستقرار في البلدين. هناك اتجاه إلى إنهاء ملف خلية العبدلي». ولهذه الغاية، عقد المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، بعيداً عن الإعلام، اجتماعات مع مسؤولين في وزارة الداخلية الكويتية وأمنيين، من أجل التوصل إلى حلول.
لقاءات عدّة عقدها عون في اليوم الأول من زيارته للكويت، مع مطران بغداد والكويت غطاس هزيم، رئيس مجلس الوزراء الكويتي الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح، في حين أنّ اللقاءين مع رئيس مجلس الأمة ووزير الخارجية الكويتي، تأجلا بسبب انشغالهما بجلسة برلمانية. استهل عون اجتماعاته بلقاء موسع وخلوة مع الصباح، في قصر المؤتمرات. لم يغب «الهمّ العربي» عن المحادثات، فأُدين قرار الاعتراف بالقدس عاصمة للعدّو الإسرائيلي، ودعا عون إلى «إعادة النظر» بهيكلية الأمم المتحدة «كي تصبح أكثر حرية في اتخاذ القرارات». وتمنّى على الجانب الكويتي المساعدة في إعادة النازحين السوريين إلى بلادهم. ودعا الرئيس المستثمرين الكويتيين، «إلى توظيف أموالهم في لبنان، والمساهمة في تحسين البنى التحتية». فردّ المُضيف بدعم بلاده «المُطلق للبنان في المحافل الاقليمية والدولية»، مشدداً «على دور الصندوق الكويتي للتنمية الذي سيُعاود نشاطه في لبنان». المحادثات الاقتصادية كانت هي الغالبة على لقاءات الجانبين. مع مدير الصندوق العربي عبد اللطيف يوسف الحمد، جرى الحديث «بشكل عام عن أنّ الكويت مستعدة لتمويل ما يحتاجه لبنان من مشاريع»، بحسب المصادر.
تعتبر مصادر الوفد اللبناني أنّ «كلّ الأمور على جدول الأعمال نوقشت وحقّقت غايتها. يكفي أن يُنظم هكذا استقبال لعون في دولة خليجية، وتعود الكويت إلى لبنان من خلال المشاريع الاقتصادية. تتحدث المصادر بفخر، متناسية أنّ لبنان لم يُفاتح الجانب الكويتي بملفّ السفير اللبناني. تُبرّر المصادر ذلك، بأنّ «الأمر لم يُدرج أصلاً على جدول الأعمال، بعد أن بلّغ الكويتيون الجانب اللبناني بأنهم لن يقبلوا بتعيين سعيد، وطلب الأمير عدم مفاتحته بالموضوع وإحراجه». تقول المصادر إنّ «الكرة الآن في ملعب رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي لا يزال مُصراً على أنّ الأمور ستُحل».