Site icon IMLebanon

سوريا: أنقرة تُفاجئ واشنطن

كتب فيليب جيلي في صحيفة “لو فيغارو” الفرنسية:

فاجأ الهجوم التركي، الذي شُنَّ يومَ السبت في شمال حلب، الولايات المتحدة.

فعلى غير عادتها، افتتحت «إحاطة» البيت الأبيض اليومية، يوم الاثنين، ملف السياسة الخارجية. وقالت الناطقة الرسمية، سارة هاكابي ساندرز: «نحن نستمع ونأخذ على محمل الجد مخاوفَ تركيا على أمنها»، وذلك قبل أن تُعدّد اعتراضات واشنطن على «التشتّت» الناجم عن هجوم أنقرة في شمال غرب سوريا، وتدعو الأتراك إلى «ضبط النفس في أعمالهم العسكرية وخطاباتهم».

عملية «غصن الزيتون»، وهي هجوم عسكري لا يُظهر اسمُها حقيقتَها، والتي أطلقَتها تركيا يوم السبت في منطقة عفرين في شمال حلب، فاجأت الولايات المتحدة، على رغم أنّها قد تسبَّبت بها نوعاً ما. ذكرَ وزير الدفاع جيمس ماتيس، يوم الأحد أنّ رئيس الأركان التركي كان قد اتّصَل هاتفياً بنظرائه الأميركيين، ولكن ليس بهدف طلبِ رأيهم أو إذنِهم: «لقد كانوا صريحين، حذّرونا من أنّهم سيضربون بطيرانهم. نحن نعمل الآن معهم للبحث في ما سيحصل مستقبلاً». وما إن تبِعَ الضربات الجوّية توغّلٌ برّي، حتى أكّد البنتاغون يوم الاثنين إرسالَ الضبّاط الكبار إلى أنقرة.

وكان الجنرال جوزيف فوتيل، قائد المنطقة المركزية الوسطى، في اليوم نفسه يزور الرقة التي حُرّرت من الدولة الإسلامية (داعش) مع مساعدة جوهرية من القوات الكردية المستهدفة من تركيا.

هذه الجبهة الجديدة تخلق تعارضاً بين حليفَين للولايات المتحدة، واحد في الناتو، والآخر في التحالف المناهض لـ«داعش». سلّحَت واشنطن «قوات سوريا الديموقراطية» التي يسيطر عليها الأكراد، كما سلّحت الفرع المسلّح لـ«حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي، المرتبط بحزب العمّال الكردستاني الذي تعتبره أنقرة منظّمة إرهابية.

وأشاد الجنرال السابق ماتيس بـ«فعالية» وشجاعة المقاتلين الأكراد في سوريا، الذين سقط منهم «آلاف الضحايا»، كما قال. وأضاف: «رأيناهم، بمساعدة التحالف، يدمّرون خلافة «داعش».

وبهدفِ تهدئة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بعدما أزعجَه اللجوء الممنوح لـ«عدوّه الحميم» فتح الله غولن، إلى بنسيلفانيا، خفّضت الولايات المتحدة مساعدتها العسكرية للميليشيات الكردية. ولكنّها وضَعت قوّة تتألّف من 000,30 رجل لـ«فرض الاستقرار» على الحدود مع تركيا.

وزير الدفاع الأميركي ريكس تيلرسون، عرض الاسبوع الماضي، في خطاب في ستانفورد «استراتيجية» أميركية جديدة في سوريا، يبدو أنّها تعلن العودة إلى هذه الساحة المتروكة حصّةً لروسيا. ووَعد بالحفاظ على وجود عسكري «تمليهِ الأوضاع على الأرض، وليس الإطار الزمني».

كما وعَد بتوسيع العملية المناهضة لـ«داعش»، «لاحتواء النفوذ الايراني»، وبـ«مساعدة لتأمين استقرار» المناطق الخاضعة لسيطرة المتمرّدين، وانتخابات تحت إشرافِ الأمم المتحدة والوصول الى تسوية سياسية لدفع بشّار الأسد للتنحّي من منصبه.

وهذه خطّة قُدّمت أمس في باريس على هامش المؤتمر حول الأسلحة الكيماوية. ولاحظَت كوري شيكيه، وهي باحثة في مؤسّسة «Hoover Institution»، أنّ «الالتزام العسكري على المدى الطويل، وبناءَ الأمة، وتغييرَ النظام… كلّ ما يرفضه مبدئيّاً دونالد ترامب يرِد ضمن الخطّة».

توضيح استراتيجي

هذا المشروع، المدعوم بمبلغ متواضع وقدرُه 500 مليون دولار، بات موضعَ تساؤل الآن بعد التوغّل التركي. لم تكن أنقرة لتشنّ غارات لو لم تعطِها روسيا الضوءَ الأخضر، إذ إنّها تسيطر على المجال الجوّي في غرب الفرات، فيما تهيمن واشنطن على الشرق. وردّاً على وضعِ حرس حدود أكراد، اتّهم سيرغي لافروف، رئيس الديبلوماسية الروسية، الذي يؤيّد بلده نظام الأسد، واشنطن، «بتشجيع الانفصال في سوريا»، مبرّراً أنّ «إجراءات الولايات المتحدة الانفرادية أغضبَت تركيا».

وأضاف: «إنّ الأمر هو إمّا سوء تفاهم تامّ حول الأوضاع، وإمّا استفزاز متعمَّد حتماً». الحرب الباردة في تشرين الثاني 2015 بين موسكو وأنقرة، عندما أسقطت تركيا طائرة روسية على حدودها، بدت وكأنّها على الأميركيين.

سيتطلّب إخراج واشنطن من تهميشها في سوريا أكثر من 2000 جندي على الأرض ونشرِ الموظفين المعنيين بإعادة البناء. وأضاف نيقولا هيراس من «Center for a New American Security»: «لقد دخلنا مرحلة استقرار حيث سيطلب المتبرّعون الدوليون التأكّد مِن أنّه بإمكانهم الاعتماد على وجود الأميركيين على المدى البعيد، ولن يكونوا بحاجة للتعامل مع بشّار الأسد». وأمام خطرِ حصول صراع مباشر بين عضوَين من الناتو، من المرجّح أن يتحمّل المتمرّدون الأكراد عبءَ التوضيح الاستراتيجي الذي سيتمّ فرضُه.