كتبت بروفسور غريتا صعب في صحيفة “الجمهورية”:
قد تكون دافوس اخطأت في حساباتها السنة الماضية، سيما عندما تجاهلت تغريدات دونالد ترامب معتقدة انه وحين يصبح رئيسًا فعليًا سوف يتصرف اكثر كرئيس عادي وسوف يخفف من تغريداته حسب الكثير من الرؤساء التنفيذيين الذين اجتمعوا في المدينة السويسرية لحضور المنتدى الاقتصادي العالمي.
لا بد من القول ان ترامب سوف يكون محط الاهتمام في دافوس في الايام المقبل، سيما وانها المرة الأولى ومنذ عقدين التي يحضر فيها رئيس اميركي الى المنتدى. يأتي ترامب ومعه اجندة عمل حمائية ليعرضها على النخبة الاممية مما يعني ان المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس هذا العام سيكون مختلفًا عن السنوات الماضية.
وقد يكون العامل الاهم في حضور ترامب المنتدى ان نجم العام الماضي لدافوس كان الرئيس الصيني والذي أظهر الصين كبطل للتجارة الحرة، قائلًا ان الحمائية هي كأن يضع الانسان نفسه في حجرة مظلمة، بينما اجندة ترامب مقتصرة فعلًا على كلمة «اميركا اولًا» مما يعني انه مستعد لكل شيء من اجل المصلحة الاميركية العليا. لذلك وان استطاع ترامب اقناع الجمهور في دافوس بحسن نواياه، يكون قد نجح لكن ميله الى المواجهة الكلامية قد تغيّر من آراء الجمهور فيه وفي نواياه.
وتأتي زيارة ترامب ايضًا في ظل ظروف عالمية متوترة للغاية سيما خطر المواجهات السياسية والاقتصادية بين الدول الكبرى والمخاطر البيئية والفوارق الاقتصادية والهجمات الالكترونية، قد تكون ابرزها زيادة المخاوف الجيوبوليتكية بعد عام من الحرب الكلامية المتصاعدة بين الرئيس الاميركي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ والذي جعل العالم اقرب الى حرب نووية مما كان عليه منذ عقود.
وهناك دراسة من قبل ١٠٠٠ خبير من الحكومات ورجال الاعمال والاكاديميين والمنظمات غير الحكومية توقعت تفاقم المواجهات السياسية والاقتصادية بين الدول الكبرى في عام ٢٠١٨، بما في ذلك ٤٠ بالمائة منهم يعتقدون ان هذه المخاطر قد زادت بدرجة كبيرة.
حسب كلاوس شواب، المؤسس والرئيس التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي والذي ارسل تحذيرًا مبطنًا الى ترامب قائلًا «ان المشاكل لا يمكن ان تحل من جانب واحد فقط، وقال ان العالم قد بلغ نقطة انعطاف حيث ان هناك خطا حقيقيا من انهيار النظم العالمية.
وكما يتبيّن للعيان ان تجمع زعماء العالم في دافوس هو الجزء السهل من العملية بينما اجماعهم على حلول المشاكل العالمية الاكثر الحاحًا مثل تغيّر المناخ والتنمية الصناعية المستدامة والتفاوت العالمي بالثروات أصعب بكثير.
والاكيد ان اجتماع دافوس هذه السنة سيكون مفصليًا سيما مع وجود ترامب واستعداده للالتزام مع المؤسسات الدولية مع العلم انه رئيس اميركا فقط وليس رئيس العالم اجمع مما يعني ان قراراته والتزاماته لا تُلزم لا أوروبا ولا الصين ولا غيرهما من الدول الصناعية، وقد يكون من غير الواضح ما اذا كان ترامب سوف يطمئن العالم الموجود في دافوس الى نيته السليمة ام انه سوف يسعى وكالعادة الى استفزاز العالم بآرائه وافكاره، لذلك من غير المؤكد ما سوف يتكلم عنه في دافوس مما يعني انه قد يخلق تحالفا يواجه الولايات المتحدة الاميركية في امور مصيرية اصبح العالم مقتنعا بايجابيتها وبعيدًا كل البعد من النظريات المختلفة عنها. لذلك قد يكون مجيء ترامب وخطابه اشارة قوية حول ما اذا كان عهد دافوس قد انتهى ام انه على وشك الانتهاء.
هذه المشاكل مع ما تشكله عناوين دافوس اليوم تعني فيما تعنيه ان الامور يمكن ان تبقى على ما هي عليه. ترامب وحده مشكلة في حد ذاتها وخطابه في دافوس قد يكون مفصليًا. اضف الى ذلك العالم الرقمي، وهو احد المواضيع الرئيسية هذا العام في المنتدى الاقتصادي العالمي، والتحول الرقمي بات حديث الساعة في عالمنا هذا مع ما تقدمه الشركات العالمية من ابتكارات باتت حديث الساعة.
لذلك الكثير من الاثارة وعلامات الاستفهام تسيطر على مناقشة المستقبل الرقمي في دافوس والمئات من المباحثات في شأن هذا الموضوع مرتقبة على المنابر وبين المديرين التنفيذيين والسياسيين.
هذا الامر مهم للغاية سيما وان بيئة العمل سوف تتغير تغيرًا جذريًا مع قوى عاملة جديدة وفي عالم اصبح فيه المستهلك مسؤولا عن كل شيء سواء اكان التسوق او اي شيء اخر ومع عملاء بحاجة للتدريب ودورات مكثفة ليقوموا بفرض هذا التطور الرقمي.
ويبقى السؤال الذي يحتاج الى تفسير هو التالي : لماذا يأتي ترامب الى هذه القمة وايديولوجيًا ما يحدث في دافوس هو نقيض ترامب والنظرة الاميركية له وما يطالب باقامته من حواجز بين البلدان وكان يود تحقيقه من انسحابات من النظام الاميركي.
ويقول المحللون ان ليس هناك من تفسير ممكن لحضوره سوى انه يريد مواجهة المسؤولين الذين يرفضون مواقفه، سيما وان المغزى الحقيقي من حضور هذه النخبة في دافوس تحقيق عالم اكثر تكاملا اقتصاديًا. ويقول المحللون ايضًا ان حضوره يكون مناسبة له للتباهي امام جمهور من المشككين لاسلوب قيادته ومفاخرة بانجازاته لغاية الآن.
عنوان دافوس واضح، «مستقبل مشترك في عالم مجتزأ « – وحسب Monica de Bolle الباحثة في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي انه وبالاضافة الى شغف ترامب للاضواء سوف تكون دافوس فرصة كبرى ليعلن رأيه في شأن قضايا يعتبرها ذات اهمية كبرى لا سيما صفقات التجارة الثنائية.
لذلك تبدو الامور غير واضحة تمامًا والشعارات التي اطلقتها دافوس هذه السنة قد تعطي مجالًا لتبادل الاراء في امور باتت واقعا على الارض، وفي ظل تطور سريع في عالم التكنولوجيا الامر الذي سوف يشكل ضغوطًا كبيرة على فرص العمل. اضف الى ذلك انهم لا يعرفون كيف ستنتهي الامور اليه مع ترامب.
واذا جاءت، وحسب العديد منهم استعراضية كما يودها ترامب، وحتى اذا لم يحضر فإن وجوده وافكاره ستلقي بظلالها على المؤتمرين في دافوس.