كتبت رلى إبراهيم في صحيفة “الأخبار”:
سحب النائب السابق غسان الأشقر ترشّحه كممثل للحزب السوري القومي الاجتماعي عن أحد المقاعد المارونية في المتن الشمالي، تاركاً الساحة للطامحين إلى تجربة حظهم. للأشقر دوافعه، وأهمها عدم رغبته في الجلوس مع «الزعران»، فيما بلدته ديك المحدي تبتلع حزنها بانتظار جوجلة الأسماء النهائية.
في بلدة ديك المحدي المتنية، الغصة أقوى من أيّ كلام ومن أي تعليق على طيّ النائب السابق غسان الأشقر لمسيرته السياسية بعزوفه عن الترشح إلى الانتخابات النيابية في أيار المقبل. يصعب تقبّل الأمر، يقول شاب ينتظر منقوشته داخل أحد الأفران، «لم أعرف غيره مرشحاً ولعائلة الأشقر معزة كبيرة في قلوبنا».
فيما تترحم سيدة ستينية على رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي السابق أسد الأشقر الذي «رفع رأس بلدته ودخل التاريخ بثقافته ومنهجيته»؛ لتعبِّر بعدها عن حزنها لسماع خبر عدم ترشح ابن الرئيس أسد، «الأمين غسان». ولكن رغم ذلك، الكل يحترم قرار الأشقر ويشيد بتواضعه وعدم دخوله موجة جشع بعض السياسيين الذين يطمحون إلى أخذ النيابة معهم إلى القبر. فبعد 26 عاماً، 14 منها كنائب عن أحد المقاعد المارونية في المتن الشمالي، و12 عاماً كمرشح عنه، قرر الأشقر ترك الساحة لغيره من المرشحين الطامحين، إذ كان من المستحيل فعلياً تبني الحزب القومي لشخص غيره إن كان يريد الاستمرار بترشّحه. وذلك يعود إلى ثلاثة أسباب رئيسية: أولها أن لغسان الأشقر معزة خاصة في قلوب القوميين واحتراماً كبيراً لمسيرته الحزبية النظيفة وتواضعه، ثانيها أن الأشقر يتحدر من عائلة مناضلين. فوالده أسد الأشقر هو أحد القادة التاريخيين للحزب، وكان لهم تأثير سياسي ومعنوي في أبناء أنطون سعادة. وبالتالي ترشيح ابنه، الأمين غسان، له قيمة معنوية قبل أي شيء آخر. وثالثها لأن عائلة الأشقر هي إحدى أكبر العائلات، وتتوحد دائماً حول مرشح واحد وتشكل إضافة إلى أصوات الحزب بنحو 1500 صوت، كذلك إن ثلاثة من أبنائها يرأسون ثلاثة مجالس بلدية في المتن الشمالي (ديك المحدي وبيت شباب وضبية).
يتشارك قوميو المتن وأبناء ديك المحدي الأسف نفسه على قرار «الأمين»، غير أن الأخير سعيد برمي فرصة الدخول إلى البرلمان النيابي. يقول الأشقر لـ«الأخبار» إن 14 سنة من النيابة أكثر من كافية، «عيّطنا لنبحّينا وما طلع شي من هالبلد اللي حاكمو جماعة منافقين». فبرأيه، الانتخابات النيابية مجرد خزعبلات وتخفي وراءها «كل هالزبالة لي بالطريق وبالحكم… ما إلي نفس أقعد معن». من جهة أخرى، حان الوقت وفقاً للأشقر الذي فاز بثلاث دورات، إتاحة الفرصة لغيره من المرشحين.
ويقول إن 4 قوميين تقدموا بطلب ترشيحهم من قيادة الحزب للمقعد الماروني (قيصر عبيد والوزير السابق فادي عبود والنائب السابق أنطون خليل وهشام حنا)، واثنين للمقعد الكاثوليكي (نجيب خنيصر وريشار رياشي)، والقرار الأخير بيد المجلس الأعلى. فيما التحالف مع التيار الوطني الحر لم يبحث بعد. فبحسب الأشقر، كان هناك اجتماع سيعقد يوم الجمعة للبحث في خطة عمل الحزب وتفاصيل الانتخابات النيابية والتحالفات، لكنه أُجِّل بسبب وفاة رئيس المجلس الأعلى محمود عبد الخالق. ولكن من المفترض أن «يكون التيار واحداً من حلفائنا الطبيعيين، رغم ارتكابه هفوات في المدة الأخيرة، ومنها تصريحات لا تتماشى مع النهج القومي في ما خص الصراع مع إسرائيل». الأشقر غير متحمس فعلياً للانتخابات، فلبنان «كدولة ومؤسسات سقط ولا يمكن الزعران أن ينهضوا به، وليس هناك أيضاً من قوى شعبية قادرة على أن تقوم بهذا الدور. في النتيجة، كما أنتم يولّى عليكم». أما عن الشائعات التي تتحدث عن اتفاق ضمني بينه وبين قريبه عضو تكتل التغيير والإصلاح وزير السياحة السابق فادي عبود للحلول مكانه، فينفيها الأشقر بحزم، مؤكداً أنه لا يدعم أحداً إلا بعد أن يتبناه الحزب.
يتنافس اليوم 6 مرشحين على خلافة الأشقر في المتن الشمالي، فيما تؤكد المصادر أن الأولوية لترشيح ماروني، نظراً إلى أن القاعدة القومية بغالبيتها مارونية. وتشير في هذا السياق إلى أن المعركة الحقيقية هي بين اسمين: قيصر عبيد وفادي عبود. تدرّج عبيد في العمل الحزبي من مفوض إلى مدير إلى منفذ عام إلى عميد لأكثر من 14 سنة إلى أمين. وهو كان من أوائل مهندسي العلاقة مع التيار الوطني الحر والمكلّف التنسيق مع بكركي والأحزاب المسيحية، وتسلم مسؤولية إدارة المفاوضات مع التيار. أما عبود، فدخل الحزب في السبعينيات قبل أن يترك لبنان ليعود بعد سنوات، ثم ينضم إلى تكتل التغيير والإصلاح كوزير للسياحة ويقدم ترشّحه اليوم إلى الحزب القومي. وخلق ذلك إشكالية حول مسألة ترشّحه، ولا سيما عند المرشحين الباقين. ويقول عبيد لـ«الأخبار» إنه مستمر في ترشّحه ويلتزم مؤسسات الحزب: «لن أنسحب لفادي عبود، ولا أنسحب إلا لحزبيّ ومناضل ومن تنطبق عليه الشروط الحزبية. فادي كان يطمح إلى الترشح في التيار، ولما لم يوفق قدم ترشّحه لدى الحزب القومي، وهو أمر غير مقبول إلا إذا كانت هناك وحدة بين التيار والحزب لا نعرف بها». وبالتالي لا يمكن عبود أن يغطي «حضور 40 عاماً، ولكن قد يمكنه البدء بتطبيق أحد الشروط الحزبية، وهو دفع الاشتراك».
من جانبه، يرى الوزير السابق فادي عبود، أن التنافس بين المرشحين «تنافس أخلاقي رغم عمليات فحص الدم التي يجرونها عند نفاد حججهم». ويشير إلى أن انتماءه إلى الحزب القومي انتماء إداري وفكري. ولكن ماذا إذا لم يحصل التفاهم بين الحزب القومي والتيار الوطني الحر وطلب منك الخروج من تكتل التغيير والإصلاح كشرط لترشيحك؟ «أنا عضو في التكتل، ولكن سأخرج منه إذا قرر الحزبان أن لا مصلحة لهما بالتفاهم سوياً. نحن كحزب قومي نعتبر اليوم أن لنا مصلحة مشتركة والعهد عهدنا والتعاون أولوية إلا إذا شكل الأمر حرجاً في بعض المناطق لفريق من الفريقين». وفي هذا السياق تشير مصادر التيار والحزب القومي إلى أن وفداً من القومي زار رئيس التيار جبران باسيل، منذ نحو أسبوعين، وكان الاتفاق على عقد اجتماعات تنسيقية بين الطرفين تبدأ قريباً. وعلى الأثر، كلف باسيل الوزير بيار رفول والوزير السابق الياس بو صعب تمثيله للحديث عن التحالفات في كل المناطق. الأولوية اليوم ــ بحسب الطرفين ــ للمصلحة الحزبية، إذ يهمّ التيار أن يفوز بالعدد الأكبر من النواب ويوسع تكتله، فيما يرى القومي أن الفرصة سانحة وفق القانون النسبي للخرق لا لتسجيل الأرقام وحسب كما في المرات السابقة.