اعتبرت مصادر لبنانية مراقبة في حديث لصحيفة “العرب” اللندنية أن وزارة الداخلية اللبنانية وجهاز الأمن العام اللبناني يسعيان للتقليل من أهمية الكشف الذي تحدث عن قيام وحدة داخل الجهاز الأخير بالتجسس على الآلاف من الأشخاص داخل لبنان وفي أكثر من عشرين دولة.
وذكرت المعلومات حول هذا الكشف أن بيانات بحجم هائل مقدر بالمئات من الغيغابايت سرقت من الآلاف من الضحايا من محامين وناشطين وإعلاميين في 21 بلدا.
وكانت منظمات حقوقية وإعلامية قد حثت، الأربعاء، السلطات اللبنانية على التحقيق في تقارير أكدت قيام جهاز الأمن العام في لبنان بعملية تجسس إلكترونية واسعة النطاق طالت الآلاف من الأشخاص في أكثر من عشرين دولة.
وتساءلت مراجع لبنانية عما إذا كان من مهمة الأجهزة اللبنانية التجسس على أشخاص في دول العالم وعما إذا كانت متطلبات الأمن اللبناني تتطلب جهودا من هذا النوع.
وقال مصدر خليجي لـ”العرب” بأن أكثر ما يثير التساؤل في الكشف هو علاقة حزب الله المحتملة وقدرة جهاز الاستخبارات التابع له على الاستفادة من المكالمات والنصوص المتبادلة بين الآلاف من الأشخاص في المنطقة.
واعتبرت ثماني منظمات حقوقية وإعلامية في بيان مشترك أنه “على النيابة العامة في لبنان التحقيق في التقارير التي تشير إلى وجود عملية تجسس سرية واسعة النطاق مرتبطة بالمديرية العامة للأمن العام اللبناني”.
ومن بين المنظمات الموقعة إلى جانب “هيومن رايتس ووتش”، مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية “سكايز” ومنظمة سمكس والمركز اللبناني لحقوق الإنسان.
وحذر خبراء في أمن المعلوماتية الأسبوع الماضي من شبكة للتجسس على بيانات الهواتف الذكية تتسلل إلى الأجهزة المحمولة عن طريق تحميل تطبيقات مزيفة تحاكي برمجيات للمحادثة الفورية بينها “واتسآب”.
وأكد معدو دراسة من مجموعة “إلكترونيك فرونتير فاونديشن” وشركة “لوك أوت” أنهم اكتشفوا “بنية تحتية” واسعة النطاق مخصصة لأنشطة القرصنة المعلوماتية في العالم أجمع تحمل اسم “دارك كاراكال”. وأعربوا عن اعتقادهم بأن مقر هذه الشبكة يقع في مبنى تابع للمديرية العامة للأمن العام في بيروت.
ويرى خبراء في قطاع الأمن والتجسس أن هذا الكشف قد يعني أن جهاز الأمن العام اللبناني يعمل بالتنسيق مع جهات دولية من أجل القيام بعمليات تجسس لا علاقة لها بالدواعي اللبنانية المحلية. إلا أن هؤلاء استغربوا تورط لبنان في أنشطة تطال أمن دول أخرى مما قد يوتر علاقة بيروت مع هذه الدول كما يلقي شكوكا حول الدور الذي تلعبه الأجهزة اللبنانية وأجنداتها الملتبسة.
وتمت عمليات الاختراق عبر تطبيقات مزيفة، كانت تسمح بمجرد تحميلها من قبل المستخدم بالوصول إلى الكاميرا والميكروفون في الهاتف الذكي. ويمكن عندها للبرمجية التجسسية الاستيلاء على البيانات الشخصية المخزنة.
وشملت تلك البيانات رسائل نصية وسجلات المكالمات والمواقع المتصفحة والتسجيلات الصوتية.
وقالت نائب مدير قسم الشرق الأوسط في منظمة هيومن رايتس ووتش الموقعة على البيان لمى فقيه، “إذا صحّت الادعاءات فإن هذا التجسس يشكل استهزاء بحق الناس في الخصوصية ويهدد حرية التعبير والرأي”.
وأضافت “على السلطات اللبنانية أن تنهي فورا أي مراقبة مستمرة تنتهك قوانين البلاد أو حقوق الإنسان، وأن تحقق في التقارير عن الانتهاكات الجسيمة للخصوصية”.
وترك المشغلون البيانات الشخصية متاحة علنا على شبكة الإنترنت المفتوحة، ما من شأنه بحسب فقيه أن “يعرض خصوصية الناس للمزيد من المخاطر”، مضيفة “لا مبرر للمراقبة التعسفية على نطاق واسع، لكن ما يزيد الطين بلّة هو ترك بيانات الناس الخاصة مكشوفة على الإنترنت”.
ورأى مراقبون أن لبنان قد يكون محطة لأجهزة مخابرات كبرى مثل وكالة المخابرات المركزية الأميركية أو غيرها، ما يعني أن بيروت عادت لتكون إحدى عواصم التجسس الكبرى في العالم.
ولفتت مصادر لبنانية إلى أن حزب الله يخترق أجهزة المخابرات اللبنانية التي تقدم له المعلومات المطلوبة أو أن عملاء له يعملون داخل صفوف تلك الأجهزة.
وأضافت هذه المصادر أن جهاز الأمن العام اللبناني كان يديره اللواء جميل السيد الذي كان مقربا جدا من النظام السوري ومن حزب الله، وأنه مذاك يُعتبر في لبنان أنه “جهاز الشيعة” الأمني على نحو يطرح أسئلة حول ما إذا كان حزب الله متورطا في عمليات التجسس هذه.
ويقود اللواء عباس إبراهيم جهاز الأمن العام اللبناني وهو يمتلك علاقات متشعبة مع كافة الفرقاء اللبنانيين كما أن له علاقات ممتازة مع العواصم الإقليمية كما مع أجهزة الأمن الكبرى في العالم.
وترجح بعض الأوساط أن غياب ضجيج سياسي لبناني داخلي حول أمر وحدة التجسس وما كشف عن أنشطتها، قد يعود إلى أن هذه الأنشطة ترتبط باتفاقات أمنية كبرى.
ولم ينف اللواء إبراهيم مطلقا مسؤوليته عن العملية. وقال للصحافيين “نحن أقوياء لكن ليس إلى هذه الدرجة”، مؤكدا أن “التقرير مبالغ فيه للغاية ونحن لا نملك هذه القدرات”.
واعتبر وزير الداخلية نهاد المشنوق من جهته أن “هناك مبالغة كبيرة في التقرير (..) ليس لأنه غير صحيح ولكنه منفوخ للغاية”.