مرّ سنتين على التفجير الإرهابي الكبير الّذي هزّ منطقتي عين السكة وبرج البراجنة، والذي سرعان ما أعلن “داعش” مسؤوليته عنه. وقد تمكّنت دورية لفرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي في التاريخ نفسه من توقيف اللبناني ابراهيم فيصل الجمل، الذي عثر معه على حزام ناسف من نفس نوع الأحزمة التي استخدمها الإنتحاريين في تفجير البرج المزدوج.
قد فتحت “العسكرية” برئاسة العميد حسين عبدالله هذا الملف واستجوبت ابراهيم الجمل (الإنتحاري الثالث) الذي اعترف أنه أوقف قبل العملية بساعات في شارع ابن سينا في طرابلس أثناء مرور دورة أمنية اشتبهت به حيث كان على متن دراجته النارية.
يعترف الشاب العشريني أنّ إلقاء القبض عليه جاء بعد أن وضع عبوة في جبل محسن (حي الأمركان) بطلب من المتهم حمزة البقار (موقوف) حيث عُثر بحوزته على حزام ناسف وقنبلتين ومسدس. يفصّل المستجوب رحلة ذهابه إلى الرقّة حيث مقرّ “داعش”، مروراً بإقناعه بالقيام بتفجير انتحاري في لبنان، وصولاً إلى القاء القبض عليه من قبل المعلومات قبل أن ينجح بمهمّته:
“تعاطفت مع الثورة السوريّة منذ بدايتها فتوجهت إلى الرقّة بالتنسيق مع حمزة البقّار، هناك وضعوني في غرفة لحين حضور “أبو براء العراقي” وهو قيادي أمني لدى “داعش” وهو من طلب مني القيام بعمل ما في لبنان”.
وقع خيار “أبو البراء” على الجمل كونه لبناني بالدرجة الأولى. وبدأت مرحلة التدريب. إلى نفس الغرفة حضر “أبو الوليد” (الإنتحاري الأوّل وهو خبير متفجّرات) فراح يعطي “ابراهيم” دروساً في كيفية استخدام السلاح كما لازمهما مساعد “أبو البراء” المدعو عبادة ديبو.
طلب “عبادة” من “ابراهيم” تنفيذ عملية انتحارية في لبنان لمناهضة الظلم ونصرة المظلوم. بعد أسبوعين توجّه “ابراهيم” إلى المقرّ الشرعي حيث خضع لدروس دينيّة إلى أن اتّخد القرار بتنفيذ العملية في الضاحية.
كانت الخطّة تقتضي، وفق إفادة “الإنتحاري الثالث” ، بالدخول إلى لبنان بشكل سريّ من دون إعلام أحد بعودته، واستئجار شقّة على أن يقيم بداخلها عدد من الشبّان ريثما تحين ساعة الصفر.
فور عودة “ابراهيم” إلى لبنان ومروره في منطقة طرابلس لمح والده الذي يعمل سائق أجرة. طلب من السائق الذي ساعده في الدخول بطريقة التهريب أن “يغمز” بضوء السيارة لوالده كي يتوقف وما إن فعل حتّى نزل “ابراهيم” مسرعا من سيارة المُهرّب واستقل سيارة والده وعاد إلى منزله حيث اختبأ فيه لمدة شهر أو أكثر. لكنّ الوالد قرّر أن يُسلّم ابنه بعد أن اشتبه بتصرفاته ما أجبر الأخير إلى الهرب ومعاودة التواصل مع “داعش” بشخص “عبادة ديبو”.
كانت وسيلة الإتصال بين الطرفين الـ “تلغرام” وقد أُعلم “ابراهيم” أنّ حمزة سيستأجر شقّة للإقامة بها . اصطحب الأخير “مشروع الإنتحاري” (الجمل) مع “الشباب الإنتحاريين” إلى منزله لفترة وجيزة ومنها الى الشقة التي تمّ فيها التحضير للعملية.
بداخلها راح الإنتحاري “أبو الوليد” يحضر الأحزمة الناسفة وبلغ عددها سبعة وكان يطلب من مُشغّليه تأمين كلّ ما يلزمه فكان له ما أراد تعلّم “ابراهيم” تحضير حزامه بنفسه.
في الحادي عشر من تشرين الثاني أتى الأمر بتنفيذ العملية. كان من المفترض أن يكون التنفيذ صباحاً في ساعة الذروة التي يتوجه فيها الطلاب إلى مدارسهم والموظفين إلى عملهم، لكنّ القرار رسى على أن يكون عقب صلاة المغرب أي قرابة الساعة السادسة مساءً. كلّ شيء بات جاهزاً المتفجرات والأحزمة والإنتحاريين.
ما كشفه “الإنتحاري الثالث المفترض” أمام “العسكرية”، أنّه كان من المقرّر أن يقع انفجار منطقة جبل محسن في الوقت عينه الذي يتم فيه إنفجار الضاحية المزدوج، وهو لهذه الغاية عمد إلى وضع عبوة ناسفة في دلو بويا داخل كرتونة معدّة لتوضيب البطاطا مع جهاز توقيت وجهاز استقبال إشارة، وبعد أن وضعها في المكان الهدف وقبل عودته إلى بيروت للمشاركة في تفجير البرج ألقي القبض عليه واعترف بوضعه عبوة في جبل محسن سارعت الأجهزة المختصة إلى تفكيكها. وقع الإنفجار المزدوج في اليوم التالي دون أن يدلي المتهم بأي معلومة عنه إلّا بعد تطابق الأحزمة الناسفة المستخدمة في انفجار الضاحية مع الحزام الناسف المضبوط بحوزته، عندها جاءت اعترافاته بالوقائع التي ذكرها اليوم، وبتحليل تقني للإتصالات تمّ توقيف أفراد الشبكة واحدا تلو الآخر وتبعاً لإعترافاتهم على بعضهم البعض.
انتهى استجواب المستجوب الأوّل في هذه الشبكة، أرجئت الجلسة إلى الثامن من آذار المقبل لمتابعة الإستجواب، مع الإشارة إلى أنّ إفادة الموقوف الجمل الأولّية عُرضت مع صورته وصور باقي المشتبه بهم على شاشة كبيرة ثبّت في قاعة المحكمة .