كتبت ناجية الحصري في صحيفة “الحياة”:
استضافت بيروت أمس، ولأول مرة منذ تشكيل «مجموعة كبار مانحي سورية»، الاجتماع الثاني عشر لها. وكان من المقرر أن يعقد في الدوحة، وفق آلية متبعة تتعلق برئاسة الاجتماع وهي حالياً لقطر بعدما كانت للكويت. ويأتي هذا الاجتماع تمهيداً لاجتماع بروكسيل الثاني للدول المانحة الذي يعقد في نيسان (أبريل) المقبل. وتقدر الحاجة إلى 8 بلايين دولار لسورية تشمل النازحين في الداخل والخارج. ولم تغب التطورات المأسوية الحاصلة في سورية عن الاجتماع، إذ أثار رئيس المجموعة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية أحمد المريخي «معاناة المدنيين في مناطق الغوطة الشرقية وإدلب وتشريد السكان ووقوع قتلى وجرحى من المدنيين، وهو ما يتناقض مع التوقعات من اجتماع آستانة الذي سيعقد قريباً». ودعا المشاركين في الاجتماع «إلى مزيد من الدعم السياسي»، معتبراً «أن المبالغ المالية وخدمات الحماية لا تحل محل الحلول السياسية».
وشارك في الاجتماع ممثلون عن كبرى الدول المانحة: كندا، الدنمارك، البعثة الأوروبية، ألمانيا، اليابان، الكويت، هولندا، النرويج، قطر، السويد، السعودية، الإمارات العربية المتحدة، بريطانيا والولايات المتحدة. وحضر جلسة الافتتاح وزيرا الشؤون الاجتماعية بيار بو عاصي، وزير الدولة لشؤون النازحين معين المرعبي.
وقال المريخي لـ «الحياة» إن «قرار نقل الاجتماع من الدوحة إلى بيروت اتخذته من أجل أن يطلع المانحون ميدانياً على أحوال النازحين وأحوال الدولة المضيفة لهم».
وكان ممثلو المجموعة جالوا عشية الاجتماع في فندق «راديسون بلو» على مخيمات ومدرسة للنازحين في بر الياس والمرج، وسمعوا من الناس شكاواهم ومعاناتهم والتقوا رؤساء بلديات. وقال المريخي: «إن الجميع قدر ويقدر للبنان ما يفعله من اجل النازحين، وقال لي أحد البقاعيين: نحن لا نعتبر هؤلاء لاجئون عندنا وهم أخوة لنا نقدم المساعدة لهم».ولفت إلى أن هذا الكلام «ترك تأثيراً وتفاعلاً من قبل ممثلي الدول المانحة».
ونفى المريخي أن تكون مساعدات الدول المانحة لسورية تراجعت أو أن هذه الدول أو بعضها لم يف بوعوده»، مؤكداً أن الجميع يساهم في المساعدة والقصد من هذا الاجتماع متابعة الوفاء بالتعهدات».
وعن سبب الكلام عن أن الدول لم تف بالتزاماتها، قال المريخي إن «التعهدات في اجتماع بروكسيل هي من اجل سورية. وفي منظمات الأمم المتحدة خطط مختلفة للاستجابة، منها الخطط العاجلة ومنها الخطط الإقليمية للاجئين وتعزيز القدرة على مواجهة الأزمات والخطة العامة لسورية، ونحن كمنظمات تابعة للأمم المتحدة نتواصل مع المانحين لتنفيذ التعهدات، لكن بعض المانحين يرغب في تنفيذ هذه التعهدات بنفسه من خلال منظمات خاصة لذلك نرى التفاوت الحاصل في الدعم، وطبعاً الفجوة لا تزال كبيرة، ونتطلع إلى المزيد من المساهمة».
ولفتت مصادر المجتمعين إلى أن الدول المانحة وبعد 8 سنوات من الدعم تركز على وجوب الانتقال من «الاستجابة الإنسانية العاجلة إلى الاستجابة الطويلة المدى، لكن لبنان يرفض هذا الأمر خشية توطين هؤلاء، وكانت جولة البقاع كي يشهدوا أن الحاجة مستمرة للمساعدة العاجلة».
وفي جلسة الافتتاح قال المريخي أنه من «أصل 6 بلايين دولار أقرت في اجتماع بروكسيل 2017، تم تقديم ما يقارب 5 بلايين ونصف بليون دولار»، مؤكداً «أن الحاجة للمساعدات الإنسانية عام 2018 تتخطى الأرقام السابقة». وتوقف عند مشكلات المجتمعات المضيفة جراء النزوح، بما يفرض الالتزام بالتعهدات التي التزمنا بها تجاهها، في تركيا ولبنان والعراق ومصر». وأشار إلى «مشكلة اللغة التي يعاني منها النازحون في بعض البلدان المضيفة، إضافة إلى المشكلات النفسية والاجتماعية».
وأسف الأمين العام المساعد للشراكات الإنسانية مع الشرق الأوسط وآسيا رشيد خاليكوف، لـ «استمرار النزاع في سورية»، مشدداً على «دعم الدول المانحة للدول المضيفة». وأشار إلى «الآثار الإنسانية للنزوح ومخاطره، مثل عمالة الأطفال والزواج المبكر والدخول في نشاطات محظورة»، مؤكداً «ضرورة مساعدة النازحين وفي شكل فاعل». وأعلن «حاجة لأكثر من 5 بلايين دولار لدعم النازحين داخل سورية».
لازاريني
وقال نائب المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان فيليب لازاريني أن الأزمة أرخت بظلالها على لبنان، وقال: «الخدمات تراجعت وارتفعت نسبة الفقر لدى النازحين فوصلت إلى 76 في المئة، و91 في المئة من هذه الأسر تعاني من غياب الأمن الغذائي»، مؤكداً «تفاقم حاجات النازحين السوريين بعدما تم إخراج 200 ألف نازح مسجلين من دعم الأمم المتحدة». وتوقف عند «تزايد معاناة المجتمعات المضيفة ودعوتها إلى عودة النازحين إلى سورية، والشكوى من المنافسة في الوظائف والتوتر بين النازحين والمضيفين في لبنان»، لافتا إلى «نية دعم المنظمات غير الحكومية».
وعبر عن «قلقه من تراجع مساعدات وكالة «أونروا» للفلسطينيين، ما سيزيد الفقر والهشاشة». وشدد على «ضرورة صون الاستقرار في لبنان لحاجة الجميع إليه، وتوفير المساعدة لهذه المجتمعات والبلديات التي تقدم الخدمات لأن الاستقرار في لبنان يؤدي إلى الاستقرار في المنطقة».
تقرير دولة الإمارات
ووزع سفير الإمارات العربية لدى لبنان حمد سعيد الشامسي تقرير بلاده عن استجابتها للازمة السورية والصادر عن وزارة الخارجية والتعاون الدولي. ويشير إلى أن دولة الإمارات «قدمت أكثر من 859,134,684 مليون دولار عام 2012 حتى كانون الأول 2017»، وإلى أنها «قدمت ما يزيد عن 61 مليون دولار إلى لبنان من أجل مساعدة ودعم السوريين وكذلك المتضررين اللبنانيين والفلسطينيين في مختلف المناطق وعبر عدة مشاريع»، موضحاً أن «مساعدات المؤسسات والهيئات الخيرية الإماراتية يأتي بالتنسيق مع الحكومة اللبنانية والوزارات المعنية كما البلديات».
إلى ذلك، أطلع الوزير المرعبي من رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر في لبنان كريستوف مارتن على تصور اللجنة بشأن عودة النازحين إلى بلدهم. وقال مارتن «الوضع ليس الأفضل للعودة، نريد عودة آمنة لهؤلاء الأشخاص تضمن كرامتهم. والوزير المرعبي يشاركنا الرأي ذاته». وقال المرعبي في مؤتمر صحافي: «لبنان لم يعد يحتمل المزيد من دخول النازحين إليه»، كاشفاً عن أن الـ16 سورياً الذي ماتوا في الثلوج على الحدود كانت استغرقت رحلتهم 3 أشهر، ما يدل على مدى سوء الوضع في سورية». وقال: «نحو 230 ألف نازح خرجوا من لبنان، 60 ألفاً غادروا إلى دول أخرى ويعتقد بأن الباقي عاد إلى سورية». وتوقع أن يعود النازحون ابتداء من حزيران أو تموز المقبل، بأعداد أكبر إلى سورية.