كتب ناصر شرارة في صحيفة “الجمهورية”:
الأكثرُ قُرباً من النائب وليد جنبلاط، يقولون إنّ سيّد المختارة يتبع مبدأً استراتيجياً لم يتبدل منذ التوصل الى «اتّفاق الطائف»، في مقاربته للانتخابات في الجبل، قوامها عدم التخلّي عن مركزية زعامته ومرجعيته السياسية في منطقة الشوف وعاليه.
والترجمة العملية لهذه الاستراتيجية تعني عدم موافقته على أن تؤدّي نتائج أيّ انتخابات نيابية في هذه المنطقة الى بروز طرف سياسي ماروني يتمكّن من أن يصبحَ ندّاً للمختارة وشريكاً لها في زعامتها.
وعليه فإنّ جنبلاط في انتخابات 2018 هو نفسه في كل الانتخابات النيابية التي عُقدت بعد «الطائف»، فهو يدعو الى تفاهماتٍ مع كل القوى المسيحية في الجبل لإنشاء لائحة موحَّدة تسفر عن حصوله على المقاعد الدرزية الثلاثة زائداً إعطاء المقعد الدرزي الرابع بالتفاهم معه، للنائب طلال أرسلان.
أما المقاعد المسيحية فيريد جنبلاط توزّعها مع كل القوى المسيحية وليس مع طرف مسيحي واحد، لأنه في حال حدث الأمر الأخير، يفقد الجبل هويته السياسية الدرزية داخل المعادلة السياسية العامة في لبنان، وتنتهي زعامة المختارة للجبل، وبدلاً من ذلك تصبح المختارة زعيمة الدروز في الجبل، في مقابل صيرورة الرئيس ميشال عون الذي يطالب اليوم باستعادة حصة النواب المسيحيين في الجبل من «الذمّية الجنبلاطية»، زعيم الموارنة والمسيحيين في الشوف وعاليه.
يجدر وضع «خط سياسي غامق» تحت مصطلح أنّ جنبلاط يريد «تفاهمات انتخابية» مع القوى السياسية غير الدرزية في الجبل، وليس في العمق «تحالفات سياسية».
فهو يدعو الى مروحة تفاهمات، ومنفتح على الجميع، ويرحّب بكلّ مَن يرغب من القوى غير الدرزية التحالف معه ضمن لائحته وضمن شروط حصته. ولكنه لا يدعو الى تحالفات، لأنّ مصطلح تحالفات يصبّ في خانة الإيحاء السياسي الذي لا يريده، وهو أنّ الجبل صار له زعيمان احدهما درزي والآخر ماروني.
ضمن توجّه حفظ زعامة المختارة السياسية للجبل، صاغ جنبلاط لانتخابات هذه السنة إستراتيجية في الشوف وعاليه تقوم على الخيارات الآتية:
الخيار الاول، وله الافضلية، تشكيل «لائحة تفاهم» تضمّ الحزب التقدمي الإشتراكي و«القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» وبقية الأطراف المسيحية وتيار «المستقبل» عن السنّة. وتفضل المختارة هذه التشكيلة لأنها تؤمّن التوازن الذي يحفظ مرجعيّتها زعيمة لمنطقة الجبل.
الخيار الثاني ومفاده أنّ عون اذا استمرّ في رفض الإنضمام الى لائحة التفاهم الجنبلاطية، فإنّ جنبلاط سيذهب الى التحالف مع «القوات اللبنانية»، وذلك تحت سقف إبقاء مسيحيّي الجبل منقسمين بين مؤيّد لعون ومؤيّد لجعجع ومؤيّد لغيرهما من الزعامات المسيحية، وهكذا تبقى مظلّة الزعامة الجنبلاطية هي السائدة. وحالياً يُمسك جنبلاط بـ»القوات» حتى لا تذهب الى التحالف مع عون، فينشأ حينها خطر بروز ثنائية حزبية مارونية تُنافس زعامته الدرزية الوطنية والسياسية وليس فقط الإنتخابية على الجبل.
ثمّة إرث من علاقة جنبلاط الإنتخابية الجيدة بـ«القوات». فخلال نهاية مرحلة الوجود السوري في لبنان، رغب جنبلاط بجذب «القوات» الى لائحته حتى يحصل على غطاء مسيحي لمعارضته للسوريين، خصوصاً أنّ بكركي كانت تغطي «القوات» معنوياً، أما اليوم فما يبحث عنه جنبلاط مع «القوات» فهو إفساد طموح عون الى كسر معادلة احتكار المختارة لزعامة الجبل. أضف أنّ جنبلاط لا يزال يعتبر أنّ «القوات» تمثّل إمتداداً لمصالحة الجبل التي أبرمها مع بكركي.
ويوجد اليوم عامل ثالث استراتيجي أضافه جنبلاط على استراتيجيّته الانتخابية لهذه السنة، وهو عامل لم يكن ضمن حساب ثوابته الانتخابية الماضية، ويتمثّل في تأمين حصول نجله تيمور على أعلى عدد من الأصوات التفضيلية للناخبين الدروز.
يأخذ جنبلاط في حسبانه أنّ انتخابات هذه السنة هي الأولى التي يتمّ عقدُها في مرحلة تقدّم مسار تحضير ابنه تيمور لتسلّم زعامة المختارة مكانه و«على حياة عينه». وعليه فإنّ تيمور ليس مرشحاً فقط عن مقعد تأكيد زعامة المختارة للجبل الدرزي والمسيحي، بل إنه مرشح ايضاً عن مقعد إنتقال زعامة والده اليه.
هناك واقعة في هذا المجال يتحوط جنبلاط من إمكانية تكرارها، وفحواها ما حصل في آخر انتخابات نيابية مع الوزير مروان حمادة الذي حصل على عدد أصوات خلالها تفوق ما حصل عليه زعيمه ورئيس اللائحة «وليد بك» نفسه.
خشي حمادة آنذاك من تحسّس سيّد المختارة منه، فأعلن للصحافة «أنّ الفارق في الأصوات لمصلحته على حساب جنبلاط، والذي يُعدّ بالمئات فقط، هي حجمه الإنتخابي، فيما بقية الأصوات التي إنتخبته، وهي بالآلاف، فهي حجم وليد جنبلاط». كان هذا التبرير مقنعاً للمواطنين الدروز في الجبل الذين لا يساور أحدهم شكّ في أنّ شعبية وليد بك تفوق شعبية حمادة.
ولكن في هذه الانتخابات ستكون مغامرة أن يسمح جنبلاط بأن تتكرّر مع نجله تيمور حالة تفوّق حمادة أو غيره بالأصوات عليه، كون هذه الإنتخابات تشكل في جانبٍ مِن نتائجها الأساسية، استفتاءً على مدى التأييد الدرزي لوراثته زعامة أبيه.
قرار جنبلاط نقل زعامته الى نجله على حياة عينه، متّخَذ منذ سنوات، ولكنّ تنفيذه واجه عثرات، كان أبرزها ما شاع في مدن الجبل وقراه من أنّ تيمور نفسَه لم يكن متقبّلاً فكرة العمل في الشأن العام. وأضرّ هذا الانطباع بصورته، خصوصاً بين القرويّين الدروز، ونسبتُهم عالية بين سكان الجبل، حيث فسّر هؤلاء عزوفَ تيمور عن الشأن العام، ما معناه أنّ تيمور لا يحب الناس ولا يريد التعامل معهم ويكره رهنَ حياته بهم وبمشكلاتهم… نجح جنبلاط خلال الفترة الماضية في تبديد هذا الإنطباع لدى الدوزر عن تيمور، فقرّبه منهم، وجعله يستقبلهم مكانه وعلى كرسيه نفسه في دارة المختارة، حيث يقف الى جانبه مساعد له يسجّل على دفتر صغير مطالب اصحاب الحاجات من المواطنين الذين يزورونه.
ومنذ فترة تمّ تخصيص كل يوم ثلثاء موعداً لتيمور مع المواطنين لكي يوافوه الى دارة وليد بك في محلة كليمنصو في بيروت، حيث يستقبلهم ويحاورهم ويستمع الى آراء نخب بينهم يخوضون معه نقاشاً يتّسم بأنه سياسي وأبعد ممّا هو مطلبي ومعيشي. وبحسب مراقبين، فقد أرتفعت مقبولية تيمور اليوم بين جمهور الدروز الذين يلاحظون أنه يبدي سلوكاً أكثرَ سلاسة في علاقته بالناس من والده. كما أنّ نُخباً درزية ترى فيه شاباً جديداً ومتعلّماً.
يقول الرئيس حسين الحسيني إنّ «المختارة هي آخر إقطاعية في لبنان»، وفي هذه الانتخابات يعمل جنبلاط لاستمرار معادلة المختارة إقطاعية تتوارث معادلة موقعها في الجبل، وأيضاً يرث فيها الحفيد الجنبلاطي الشاب زعامة وصلت اليه من الجدّ.