Site icon IMLebanon

تناتش… تحت سقف “حزب الله” (بقلم رولا حداد)

تنشغل الساحة السياسية في لبنان منذ أسابيع بـ”المواجهة” السياسية والإعلامية بين رئيس الجمهورية ومن خلفه رئيس “التيار الوطني الحر” وزير الخارجية جبران باسيل، وبين رئيس مجلس النواب رئيس حركة “أمل” نبيه بري.

بدأ الخلاف حول مرسوم الأقدمية لضباط دورة 1994، وانتقل إلى مجموعة ملفات وطروحات مثل تعديل مواد في قانون الانتخابات وصولاً إلى طروحات دستورية طرحها باسيل كطرح إلغاء المذهبية السياسية مرحلياً. وعلى ضوء الاستعراضات والعراضات الإعلامية بدأت حملات شد العصب والتجييش المتبادل بين “أبناء الصف الواحد”.

ما يجري اليوم أعاد بنا الذاكرة إلى صراعات “أبناء الصف الواحد” الدائرين في فلك الاحتلال السوري بين العامي 1992 و2004، حين كان نظام الوصاية يراقب بعين الرضا ما يجري بين مؤيديه، انطلاقاً من ضرورة الحفاظ على “شكل ديمقراطي” في النظام اللبناني، وانطلاقاً أيضاً من ضرورة توازن “الأوركسترا” السياسية الداخلية، فلا يقوى طرف على طرف ولا تتم تزكية طرف على طرف آخر.

هكذا يقود “حزب الله” هذه الأوركسترا خدمة لمشروعه الاستراتيجي، وتبقى كل الخلافات تحت هذا السقف الاستراتيجي: تأييد مشروع “حزب الله” وحماية سلاحه.

أما في التفاصيل، فبارع هو الوزير باسيل في البحث في أوتار طائفية لشد عصب تياره انتخابياً عشية الانتخابات، ككل انتخابات. ففي انتخابات الـ2005 والـ2009 خاض “التيار الوطني الحر” انتخاباته النيابية بشعارات ضد السًنّة ممثلين بتيار المستقبل والرئيس سعد الحريري والحريرية السياسية، وضد الدروز ممثلين بالحزب التقدمي الاشتراكي والنائب وليد جنبلاط. أما اليوم فالحريرية السياسية باتت حليفة العهد الأولى وشريكة الوزير باسيل، ما اضطره إلى وضع كتاب “الإبراء المستحيل” في أدراج النسيان كذلك تناسى شعارات “ألوان داعش الحقيقية” وغيرها من الشعارات البرتقالية التي لم ينسها اللبنانيون بعد. وكذلك العلاقة مع زعيم المختارة باتت ضرورية اليوم بانتظار بلورة التحالفات، فغضّ “التيار الوطني الحر” النظر عن “أجراس كنائس الجبل” كرمى احتمالات التحالف مع الاشتراكي!

إذا ثمة حاجة لشد عصب مسيحي، ولا أفضل من اللعبة الطائفية في لبنان، ولم يبقَ غير مواجهة الشيعة، لكنّ العقبة تكمن في الحليف الأول “حزب الله”. هكذا يصبح الرئيس نبيه بري “الخاصرة الرخوة” التي يمكن مهاجمتها.

في المقابل فإن بري يحتاج أيضاً إلى شد عصب انتخابي، ويشكل الهجوم على باسيل عنصراً مثالياً في شدّ العصب الحزبي لحركة “أمل” بفعل شخصية باسيل “المثيرة للاستفزاز” كما يقرّ كثيرون.

وبالتالي فإن المصلحة الانتخابية المتبادلة لـ”التيار” و”الحركة” تكمن في افتعال المواجهات السياسية والإعلامية من أجل تأمين أكبر قدر من التجييش في ظل قانون لا يلزم الحلفاء في أن يكونوا على لوائح واحدة. كما أن مصلحة “حزب الله” تكمن في أن يسعى حلفاؤه إلى أكبر قدر من التجييش لحصد أكبر عدد من المقاعد، شرط أن يبقى الخطاب ضمن السقف الاستراتيجي للحزب، وهي القاعدة التي لم ينتهكها أي من الطرفين. ولذلك يقف الحزب متفرجاً وراضياً عن “المناغشات” أو “التناتش” بين أقرب حلفائه، طالما أن هذه المواجهات المضبوطة تخدم الهدف السامي للحزب في الانتخابات المقبلة، وهو أن يؤمّن مع حلفائه أكثرية مريحة في المجلس النيابي الجديد!