كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: تتهيأ بيروت لشهرٍ تزدحم روزنامته الداخلية والخارجية برزمةٍ محطات بارزة ذات صلة بـ «أولويّاته» السياسية والاقتصادية التي ينطلق نحوها على وقع «كرٍّ وفرٍّ» محلّي حيال أزمات متوارَثة ومستجدة، ومعاينةٍ دوليّة تتكئ في جانبٍ منها على كون لبنان جزءاً من «البازل» الذي يجري تركيبه في المنطقة «على الساخن» وسيفضي الى تكريس «مناطق نفوذ» للاعبين الاقليميين والدوليين.
فالشهر الأقصر في السنة هو الأكثر دينامية على صعيد ترسيخ الخطوات في اتجاه الانتخابات النيابية العامة في 6 مايو المقبل، ترشيحات ولوائح وتحالفات، كما إطلاق مسار المؤتمرات الدولية لدعم لبنان التي سيكون «أوّل الغيث» فيها مؤتمر «روما -2» لدعم الجيش نهاية فبراير، على أن يتبعه في باريس مؤتمر «سيدر 1» لتشجيع الاستثمار (في لبنان) أوائل ابريل ثم مؤتمر بروكسيل نهاية الشهر نفسه لمساعدة «بلاد الأرز» على تعزيز قدرتها على تَحمُّل أعباء النزوح السوري.
ويطلّ فبراير «مشْحوناً» بالأجواء «المُكَهْربة» التي حملتْها الأسابيع الماضية، لا سيما على صعيد أزمة مرسوم منْح سنة أقدمية لضباط دورة 1994 في الجيش والتي وضعتْ علاقة «الكيمياء المفقودة» بين رئيسيْ الجمهورية العماد ميشال عون والبرلمان نبيه بري على خط «التوتر العالي»، لتطفو على سطحها إشكاليات كبرى ذات صلة باتفاق الطائف والصلاحيات الرئاسية والتوازنات الطائفية، وسط خشية من جعْل نظام الطائف عنواناً لأزمةٍ تستجرّ نفسها في لحظة تَبدُّل موازين القوى في المنطقة واشتداد المساعي لـ «تركيب» أنظمة جديدة.
وفيما ستكون «حرب الرئاستيْن» حاضرةً في خلفية الانتخابات النيابية بعدما باتتْ في نظر الكثيرين من عُدّة استقطاب الناخبين ناهيك عن إمكان «استفادة» أكثر من فريق منها في لعبة «مناوراتٍ» لإمرار التحالفات أو «تمويه» نتائج الانتخابات، فإن هذه الحرب لن تكون لها تأثيرات على أجندة الدعم الدولي للبنان بعدما نجحتْ الأطراف الرئيسية في إبقاء الحكومة بمنأى عن تشظياتها لتمكينها من الذهاب الى المؤتمرات الثلاث بجدول أعمال واضح وعلمي وصلب، وإعطاء إشارة الى الخارج بأن «شبكة الأمان» الداخلية ما زالت قائمة بما يضمن استمرار عمل المؤسسات وصولاً الى «تجديدها» من خلال الانتخابات النيابية.
على أن هذه الانتخابات وُضعت منذ الآن «تحت المجهر» الدولي والاقليمي في ظلّ ربْط ضمني لترجمة الدعم الذي سيوضع في «محفظة» المؤتمرات الثلاث بنتائج استحقاق 6 مايو وما إذا كان سيفضي الى فوز «حزب الله» وحلفائه بالغالبية، وأيضاً في ظل إشارات متصاعدة خارجية الى ان الضغوط على الحزب ستشتدّ تحت عنوان محاربة تمويله وهو ما عبّرت عنه واشنطن التي تتهيّأ لتكثيف عمليات «التحري» والتعقّب والمعاقبة لأي كيانات او أفراد او دول تساهم في توفير «ملاذات مالية» له، وأيضاً تحت عنوان التصدي لنشاطاته الخارجية كذراع رئيسية لإيران في المنطقة، وهو ما عاد الى الواجهة عبر دعوة الرياض مجلس الأمن الدولي إلى «التعامل بجدّية مع(حزب الله) لوقف تسلّطه في المنطقة، وكشفِ عملياته الإرهابية في سورية ولبنان وأنحاء أخرى من العالم».
وفي حين يتوجّه الرئيس سعد الحريري في الساعات المقبلة الى تركيا حيث يلتقي كبار المسؤولين في سياق التحضيرات لمؤتمرات الدعم للبنان وأيضاً شكر أنقرة على سرعة تعاونها في تسليم أحد المشتبه بهم في محاولة اغتيال قيادي أمني في حركة «حماس» في مدينة صيدا الجنوبية، بدأتْ الأنظار تشخص على يوم 14 فبراير، الذكرى 13 لاغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري وسط توقعات بأن يعلن السقف السياسي الذي سيخوض تياره (المستقبل) الانتخابات النيابية على أساسه وعلى الأرجح التحالفات التي يُنتظر أن يكون علامتها الفارقة التحالف مع «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس عون) كامتداد للشراكة في السلطة التي عبّر عنها الدور الحاسم للحريري في وصول عون الى رئاسة الجمهورية.
وفي موازاة ذلك، بقيتْ بيروت أمس تحت تأثير «حرب المنابر» التي اشتعلتْ أول من امس بين عون وبري عبر رئيس «التيار الحر» وزير الخارجية جبران باسيل ووزير المال علي حسن خليل، وسط انطباعٍ بأن هذه «الجبهة» قد تكون مقبلة على «استراحة» ولو مرحلية بعدما أفضت جولة الأسابيع الماضية الى وضْع كل من الفريقيْن «فوزاً» في «جيْبه» سواء في أزمة المرسوم التي كسِبها حتى الآن رئيس الجمهورية او في معركة تمديد مهلة تسجيل المغتربين وإدخال تعديلات (لضمان السير بإصلاحاتٍ) على قانون الانتخاب التي رَبِحها رئيس البرلمان بعدم السماح بإمرارها.
وكان كلام الوزير باسيل الذي ردّ فيه ضمناً على بري وفريقه (يتّهم رئيس الجمهورية و«التيار الحر» بالسعي للانقلاب على الطائف) رافضاً منطق تكريس وزارات لطوائف وداعياً الى «إلغاء المذهبية السياسية (في الوظائف) للمحافظة على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين»، استدعى مواقف من «العيار الثقيل» من الوزير علي حسن خليل الذي وصل الى حد وصْف باسيل ووزير العدل سليم جريصاتي من دون تسميتهما بأنهما من «المفتين الجدد»، مطالباً رئيس الجمهورية بتوجيه رسالة إلى مجلس النواب لتطبيق المادة 95 من الدستور القاضية بإلغاء الطائفية السياسية.
وكان لافتاً ردّ الوزير جريصاتي لاحقاً على ردّ حسن خليل، فغرّد عبر «تويتر»: «المفتي الجديد لا يورّط، أما المفتن القديم والجديد فيتورط ويوّرط. آمل أن نكون جميعاً من جماعة المفتين الجدد».