كتبت بولا أسطيح في صحيفة “الشرق الأوسط”:
لم ينجح رئيس الحكومة سعد الحريري في البقاء على الحياد في الاشتباك المتصاعد بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي اندلع على خلفية مرسوم «أقدمية» ضباط دورة 1994، الذي يصر بري على عدم دستوريته لغياب توقيع وزير المال. فبخلاف «حزب الله» الذي آثر الصمت في التعامل مع الأزمة، رافضاً اتخاذ موقف علني بخصوصها يجعله طرفاً في الصراع بين حليفيه، اضطر الحريري للاصطفاف إلى جانب عون بعد توقيعه على المرسوم، ما أدّى لتوتر العلاقة بينه وبين بري.
ورغم مرور أكثر من شهر على اندلاع أزمة المرسوم، وعدم نجاح الفرقاء في إيجاد مخرج مناسب يرضي طرفي الصراع، فإن الوقت على ما يبدو لم يكن كفيلاً بإعادة المياه إلى مجاريها بين عين التينة (مقر بري) وبيت الوسط (مقر الحريري)، علماً بأن علاقة من الانسجام التام، وهي علاقة كانت أقرب إلى الحلف السياسي، لطالما جمعت الزعيمين. وبحسب مصادر مطلعة قريبة من بري، فإن «رئيس المجلس النيابي لا يزال عاتباً على رئيس الحكومة الذي كان قد سبق أن وعده بعدم توقيع المرسوم، فإذا به يجاري الرئيس عون بوقت لاحق موافقاً على الإمضاء عليه». وتضيف المصادر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «أصلاً لو التزم الحريري بوعده لما وصلت الأزمة بين بري وعون إلى ما وصلت إليه، وبالتالي ما دام أنه لا حل لإشكالية المرسوم حتى الساعة، فإن ذلك سيبقى يؤثر سلباً على علاقة بري – الحريري». ولا ينفي النائب علي خريس، عضو كتلة «التنمية والتحرير»، التي يرأسها بري، وجود «نوع من العتب» على الرئيس الحريري، معتبراً أن «هذا العتب قد يكون على قدر المحبة».
وهو إذ يصف العلاقة بين رئيسي البرلمان والحكومة بالعادية، يشدد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أن «الملف الذي نحن بصدده مرتبط بالدستور واحترام مواده وتطبيقها، ولا يرتبط بعلاقات شخصية بين الزعماء». ويضيف خريس: «أما كل حديث عن أن الرئيس الحريري طلب موعداً من الرئيس بري، وهو لم يعطه موعداً، فهو كلام غير صحيح على الإطلاق»، ويؤكد أن حركة «أمل» ورئيسها «يسعيان لعلاقات جيدة ومتينة مع كل الفرقاء دون استثناء، بما فيه مصلحة لبنان واللبنانيين، لكن حين يتعلق الموضوع بأمور جوهرية، كمسألة المرسوم أو السعي لإدخال تعديلات إلى القانون الانتخابي قبل أشهر معدودة من موعد الانتخابات، ما يهدد القانون والاستحقاق، فذلك لا يمكن السكوت عنه»، متوجهاً لـ«التيار الوطني الحر»، دون أن يسميه، قائلاً: «من يريد دولة مدنية لا يضرب عرض الحائط بنتائج مجلس الخدمة المدنية، ولا يعتمد خطاباً طائفياً ومذهبياً، ويتجاوز أحكام الدستور».
بالمقابل، يفضل القيادي في تيار «المستقبل»، النائب السابق مصطفى علوش، الفصل بين ما هي عليه علاقة «المستقبل» – حركة «أمل»، وما هي عليه علاقة الرئيسين بري والحريري، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «رئيس المجلس النيابي قد يكون عاتباً، أو حتى مستاء، على خلفية ما حصل بموضوع المرسوم، لكن الرئيس الحريري كان واضحاً منذ البداية لجهة سعيه لإنجاح العهد الجديد، ونسج أفضل العلاقات مع رئيس الجمهورية، ولا شك أن التركيبة اللبنانية تجعل أي مسؤول سياسي يصطدم بعراقيل كثيرة، إذا ما حاول أن يكون على الحياد».
ومن المرجح أن ينعكس توتر العلاقة بين بري والحريري على تحالفاتهما الانتخابية، ما يمهد لانفصال تام بينهما، خصوصاً أن «أمل» أعلنت صراحة خوضها الاستحقاق النيابي، كتفاً إلى جانب كتف مع «حزب الله»، مقابل إعلان «المستقبل» تحالفه مع «التيار الوطني الحر»، ورفضه التعاون الانتخابي مع «حزب الله».
وبحسب خريس، فإن التحالف الذي يجمع «أمل» بـ«حزب الله» هو «تحالف مصيري على كل المستويات، وسيشمل كل المناطق دون استثناء»، لافتاً إلى أنّه سيكون للثنائي الشيعي مرشحوه في كل الدوائر «وهو لا شك سيكون إلى جانب حلفائه». ويتكئ علوش على قرار الثنائي هذا للتأكيد أنّه «سواء كانت العلاقة بين الرئيسين بري والحريري جيدة أو متوترة. ففي الحالتين، تيار (المستقبل) لن يستفيد من أصوات حركة (أمل» لتحالفها مع (حزب الله)».
ويضيف علوش: «هناك أكثر من منطقة تماس بيننا وبين (أمل)، سواء في بيروت أو في الجنوب أو في البقاع، لكننا لا نرى أن العلاقة الحالية مع الرئيس بري ستؤثر على التحالفات أو نتائج الانتخابات، لأن ما يعيق أي تعاون معه هو قراره خوض الانتخابات على مستوى لبنان ككل، إلى جانب (حزب الله)».