Site icon IMLebanon

رؤية لبنان 2030 الإقتصادية

كتب بروفسور جاسم عجاقة في صحيفة “الجمهورية”:

بعد تكليف شركة الإستشارات العالمية ماكينزي من قبل مجلس الوزراء بإعداد خطة إقتصادية للنهوض بلبنان، يُطرح سؤال أساسي عما يُمكن أن تحتويه هذه الخطّة من رؤية أو إجراءات قد تُغيّر مُستقبل لبنان الإقتصادي؟ وإذا ما كان هناك من بديل لبناني؟

من الغريب النظر إلى شركة الإستشارات العالمية ماكينزي بهذه الثقة خصوصًا لمن يعرف ماضيها الإستشاري. فالمعلومات الواردة من الحكومة اللبنانية تقول أن خيار ماكينزي مبني على موقعها ومصداقيتها الكبيرة التي حصلت عليها نتيجة التقارير الكثيرة التي قدمها خبراؤها لشركات ودول كثيرة.

بالطبع هدف هذا المقال ليس إنتقاد الشركة أو أدائها، بل إظهار بديل لبنان عن خيار هذه الشركة من خلال سرد واقعي وموضوعي لنجاحات وفشل الشركة مع الوقت بهدف الردّ على سؤال أساسي: ما هي الإستراتيجية أو الرؤية التي ستضعها ماكينزي في المستندات التي ستُقدّمها للحكومة اللبنانية؟ هل يُمكن أن تكون هذه الإستراتيجية جديدة لدرجة أن أحدًا من الإقتصاديين اللبنانيين لم يُفكّر بها؟

شركة ماكينزي من أعرق الشركات الإستشارية في العالم. أخذت مجدها في ستينيات القرن الماضي مع تقديم هذه الشركة الإستشارات لمُعظم الشركات الأميركية وحتى إلى الإدارة الأميركية (بطلب من الرئيس أيزنهاور). إستطاعت الشركة الولوج إلى قلب عالم الأعمال وشاركت في صنع القرار من خلال وضع إستراتيجيات توسعية للشركات كانت في مُعظمها ناجحة في ذلك الوقت.

إلا أن بدء عصر الإنترنت في تسعينيات القرن الماضي غيّر من فعّالية النصائح الإستشارية لماكينزي وأخذت تُسجّل إخفاقات كثيرة لعلّ أهمّها إفلاس إنورن (الشركة العملاقة النفطية – 15 مليار دولار أميركي) وشركة الطيران السويسرية التي عملت بحسب خطّة ماكينزي ووصلت إلى الإفلاس.

«ماكينزي» والعالم العربي

الحديث عن ماكينزي في العالم العربي أخذ مجده في الإعلام مع وضع الشركة رؤية 2030 الإقتصادية للملكة العربية السعودية والتي من المفروض أن تُغيّر وجه المملكة الإقتصادي والإجتماعي في حلول العام 2030.

الإطلاع على رؤية المملكة العربية السعودية 2030، يُظهر أنها تعتمد على ثلاثة محاور: (1) المجتمع الحيوي، (2) الإقتصاد المُزدهر، (3) الوطن الطموح. وفي خطاب الأمير محمد بن سلمان، يرى أن هذه المحاور تتكامل وتتّسق مع بعضها في سبيل تحقيق أهداف المملكة وتعظيم الاستفادة من مرتكزات هذه الرؤية.

لدى تصفّح أهداف الرؤية كما هو منصوص عليها، يُلاحظ أن أهدافها تقليدية ولا يوجد فيها ما هو خارج عن الإعتيادي. على سبيل المثال لا الحصر يُمكن ذكر: الارتقاء بجودة الحياة في المدن السعودية؛ الحفاظ على البيئة والمقدرات الطبيعية؛ المحافظة على الأمان؛ الوصول بالمملكة الى مركز ريادي عالمي في إدارة الأصول والتمويل والاستثمار؛ إيجاد بيئة جاذبة لاستقطاب الكفاءات العالمية؛ إيجاد بيئة جاذبة للمستثمرين المحليين والدوليين على حد سواء وتعزيز ثقتهم باقتصادنا؛ تحسين جودة الخدمات الصحية بشقيها الوقائي والعلاجي؛ تحقيق الترابط الفعلي إقليميا ودوليا؛ تحقيق التوازن في الميزانية؛ تطوير قطاع التعدين؛ تطوير قطاع السياحة والترفيه؛ تطوير قطاع النفط؛ تطوير قطاع تقنية المعلومات… (يمكن رؤية اللائحة الكاملة على الرابط vision2030.gov.sa).

بالطبع ومن دون أدنى شك، إن تنفيذ هذه الخطّة ستكون لها تداعيات إيجابية جدًا على الإقتصاد السعودي ومن المُحتمل أن تغيّر وجه المملكة العربية السعودية الإقتصادية.

رؤى مُتشابهة

من جهة إخرى، لا بد من الاشارة الى أن رؤى شبيهة لهذه الرؤية تمّ بيعها من قبل ماكينزي إلى العديد من الدول العربية: البحرين في العام 2008، أبو ظبي (أوقف بن زايد العمل بها)، ليبيا (على أيام مُعمر القذافي)، مصر (على أيام حسني مُبارك)، اليمن (على أيام علي عبد الله صالح). وهذا التشابه بالخطط والرؤى الإقتصادية يفرض السؤال التالي: ماذا يُمكن أن يكون في رؤية لبنان 2030؟

بإعتقادنا إن مُحتوى رؤية لبنان 2030 سيكون «لبّننة» للرؤى العربية الأخرى ولن يحوي أي فكرة جديدة مُختلفة عمّا طرحه الإقتصاديون اللبنانيون، خصوصًا أن الوقت المطلوب لتسليم هذه الرؤية هو ستة أشهر وهذا الوقت غير كاف للقيام بأي مسحّ فعلي على الأرض لمعرفة مكامن القوّة والضعفّ في الإقتصاد اللبناني وخصوصًا الشق الإجتماعي.

لذا ستكتفي الشركة بالتنظير وأخذ المعلومات من قواعد البيانات العالمية (صندوق النقد الدولي، البنك الدولي…) وبناء رؤيتها على محاور عامّة شبيهة بتلك التي وضعتها في الرؤى العربية الأخرى.

الرؤية الإقتصادية

إن الرؤية الإقتصادية التي يمكن ان تكون مفيدة تتمحور حول دعم شامل للإقتصاد اللبناني بكل قطاعاته، مع تركيز كبير على القطاعات الواعدة. يشكّل العلم والتكنولوجيا في هذه الرؤية المحور لأي تطوّر إقتصادي يُترجم بقطاع صناعي قوي يستفيد منه القطاعان الزراعي والخدماتي.

هذه الرؤية تُطبّق من خلال عدّة خطوات:

أولًا – تحفيز كبير لمناخ الأعمال والإستثمارات عبر سنّ القوانين والسياسات الضريبية حيث يتمّ إستبدال السلع الأكثر إستيرادًا بمنتجات محلّية مما يعني إستثمارات في القطاع الصناعي ولاحقًا البدء بتصدير البضائع ليتحوّل الميزان التجاري من عجز بقيمة 14 مليار دولار إلى فائض ترتبط قيمته بحجم الإستثمارات.

ثانيًا – دعم مالي وضريبي للقطاعات التكنولوجية حيث يُمكن للبنان أن يُصبح منصّة إقليمية للمنتوجات التكنولوجية خصوصًا على صعيد البرمجة. وهذا الأمر يمرّ عبر دعم الأبحاث والشركات الصغيرة والمُتوسطّة الحجم.

ثالثًا – وضع خطّة واضحة ومبرمجة لمشاريع البنى التحتية من طرقات وسكك حديدية واتصالات وإنتاج الطاقة وتصديرها وإستهلاكها. هذه المشاريع التي تدخلّ في نطاق خطة رئيس الوزراء سعد الحريري في ظلّ مؤتمر باريس 4 والتي تبلغ قيمتها 16 مليار دولار ستكون لها فوائد ضخمة على الإقتصاد اللبناني إذا ما واكبتها إصلاحات في الإقتصاد اللبناني.

رابعًا – دعم قطاع الصناعات البيتروكيماوية تمهيدًا للبدء في إستخراج النفط والغاز اللبناني. على هذا الصعيد نرى أن هذا القطاع قد يُصبح محورا أساسيا مع القطاع التكنولوجي نظرًا للفرص الثمينة التي يُمكن حصدها وولوج لبنان إلى نادي دول الصناعات الثقيلة. هذا الأمر سيُغيّر نموذج الإقتصاد اللبناني من نموذج الإكتفاء إلى نموذج الإستهلاك الكثيف بحسب نظرية Rostow.

خامسًا – دعم قطاع الخدمات من خلال تأمين مناخ سياسي وضريبي وقانوني يسمح لهذه المؤسسات بزيادة أعمالها وبالتالي دعم الناتج المحلّي الإجمالي حيث يُساهم هذا القطاع حاليًا بأكثر من 75%.

سادسًا – إصلاحات في المالية العامّة تبدأ بخطّة للجم العجز الذي يرفع من الدين العام ويأكل من قدرة الدوّلة على الإستثمار. هذه الإصلاحات يجب أن تواكب بإصلاحات في الإدارة العامة إذ تتوجّب السيطرة على كتلة الأجور عبر تقوية القطاع الخاص. بالطبع هذه الإصلاحات يجب مواكبتها بقوانين لمحاربة التهرّب الضريبي الذي له كلفة عالية على خزينة الدوّلة.

سابعًا – إن إنشاء الصندوق السيادي للدولة اللبنانية سيسمح لها بإستثمارات عالمية تُنوّع فيها مداخيلها وهذا ما يُسمّى بـ «النمو المُستورد». وبالتالي وبإدارة حكيمة لهذا الصندوق يُمكن للدوّلة اللبنانية إستثمار أي فائض في خزينتها في هذا الصندوق ورفع مستوى العائدات.

ثامنًا – إن قدرة القطاع المصرفي عالية جدًا، وبفضل الثقة الكبيرة التي يوليها المُستثمرون لهذا القطاع إرتفعت موجوداته إلى أرقام قياسية. لذا يُمكن القول أن ما يحتاجه المُستثمرون من مودعين ومن مصارف قوانين تزيد من ثقة المُستثمر وتحرّره من الخوف. على هذا الصعيد، بدأنا بدراسة إمكانية إعتماد تقنية البلوكتشين التي في إستنتاجاتنا الأوّلية ستكون لها فوائد على التجارة وأمان المعلومات ومكافحة التهرّب الضريبي.

هذه الخطّة هي أكثر من كافية لمعرفة هوية لبنان الإقتصادية ونوع الإقتصاد الذي نُريده. وما تحتاجه الحكومة هو ترجمة هذه الخطّة إلى أهداف في كل وزارة والبدء بتنفيذها دون إنتظار الإنتخابات النيابية أو دراسة أجنبية.