كتب محمد شقير في صحيفة “الحياة”:
يتوقف تظهير خريطة الطريق للتحالفات الانتخابية التي ستجرى على أساسها الانتخابات النيابية في 6 أيار (مايو) المقبل على الموقف الذي سيتخذه زعيم «تيار المستقبل» رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري الذي يحتفظ لنفسه بالإعلان عنه. وهناك من يتوقع أن تشكل الذكرى الثالثة عشرة لاغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري مناسبة يبادر فيها الحريري إلى الكشف عن بعض أوراقه الانتخابية في ضوء ما ستؤدي إليه المشاورات الجارية بين القوى السياسية الرئيسة في البلد، وتحديداً بين «المستقبل» و «التيار الوطني الحر» وحزبي «التقدمي الاشتراكي» و «القوات اللبنانية»، وإن كانت ما زالت في طور التفاوض وتبادل الرسائل، من دون تحقيق أي تقدم يذكر.
وتجرى في موازاة هذه المفاوضات مشاورات بين «حزب الله» وحليفه «التيار الحر» الذي يدخل الآن في حرب سياسية مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري. كما لم تتوقف المفاوضات داخل «قوى 8 آذار» التي يرعاها مباشرة «الثنائي الشيعي»، في مقابل انعدام الأمل بإعادة الروح إلى «قوى 14 آذار» التي تقف عاجزة أمام القيام بأي دور يمكن أن يشكل رادعاً يقلل من تداعيات عملية خلط الأوراق السياسية على عتبة الاستعداد لخوض الانتخابات.
التحالف وفيلم «ذي بوست»
وتسأل مصادر وزارية ونيابية إذا كان الخلاف بين «التيار الوطني» وحليفه «حزب الله» على عرض فيلم «بوست» سيدفع في اتجاه تهديد تحالفهما السياسي الذي هما في حاجة ماسة إليه لأهداف محلية وإقليمية وخارجية، مع أن مساعد وزير الخزانة الأميركي لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب مارشيل بيلينغسي، وإن كان ذكّر بالعقوبات الأميركية على «حزب الله»، فإنه في المقابل تجنب الإجابة عن سؤال طرحه عليه أكثر من سياسي ويتعلق بالضرر السياسي الذي يمكن أن يلحق بـ «التيار الوطني» في حال تحالف انتخابياً مع «حزب الله»، وكأنه ترك الجواب معلقاً إلى ما بعد صدور نتائج الانتخابات.
وبصرف النظر عن طبيعة الجواب الأميركي المؤجل والمتعلق بموقف واشنطن من تحالف «التيار الوطني» و «حزب الله»، فإن مصادر نيابية تستبعد إقدام أي طرف منهما على فك ارتباطه بالآخر، خصوصاً في دائرة جزين- صيدا، لأن الوزير جبران باسيل في حاجة إلى الصوت الشيعي الذي يؤمنه له الحزب ليكون في وسعه خوض معركة انتخابية متوازنة بعد أن اضطر للعودة إلى تبني ترشيح النائب زياد أسود، ولو على مضض، لأن استطلاعات الرأي لم تكن لمصلحة من سينافسه على المقعد الماروني.
«حزب الله» وجزين
وبكلام آخر، فإن «حزب الله» لا يستطيع أن يدير ظهره في جزين- صيدا لشريكه في «ورقة التفاهم»، نظراً إلى أن الطرفين يتبادلان تقديم الخدمات السياسية، لكنه في المقابل لم يوفق في التوصل إلى «وقف النار» بين حليفه رئيس الجمهورية ميشال عون ومن خلاله «التيار الوطني» وبين رئيس البرلمان نبيه بري.
فـ «حزب الله»، كما تقول المصادر، بات محرجاً، وما يزيد في إحراجه أن رئيس الجمهورية لا يزال يقفل الباب أمام محاولة الحزب التوصل إلى تسوية تتعلق بمرسوم الأقدمية لدورة ضباط 1994، مع أن الخلاف سرعان ما تصاعد حتى وصل إلى حدود طرح أكثر من سؤال حول مصير اتفاق الطائف في ضوء ما صدر أخيراً عن الوزير باسيل.
وتلفت المصادر إلى أن «التيار الوطني» ماض في خوض معركته السياسية ضد الرئيس بري، لأنه اعتاد منذ خوضه الانتخابات النيابية للمرة الأولى في دورة 2005 على البحث عن خصم سياسي قد يكون في حاجة إليه لإنعاش وضعه في الساحة المسيحية، مع تحضيره لهذه الانتخابات في ضوء بروز بوادر خلاف في داخله بدأت من دائرة كسروان- جبيل على خلفية التباين بين باسيل والمرشح العميد المتقاعد شامل روكز، ولأن الآخرين يعتبرون حلفاء له في شكل أو آخر.
ناخبو الشارع المسيحي
ولا تقدر المصادر النيابية منذ الآن مدى قدرة باسيل على تجييش الناخبين في الشارع المسيحي، كما أنها تسأل عن رد فعل «حزب الله» في ظل تمادي حليفه في حملته على رئيس البرلمان، وهل يتحمل تصاعد هذه الحملة التي بلغت ذروتها في الساعات الأخيرة، على رغم أن عضو «تكتل الإصلاح والتغيير» الوزير السابق الياس بوصعب حاول التقليل منها بذريعة أن محظة «او-تي-في» لا تعبر عن رأي «التيار الوطني» وأن لا علاقة له بهذه الحملة.
لكن أحـــداً لا يأخذ محاولة بوصــــعب لتبرئة «التيار الوطني» من الحــــملة السياسية التي تشنها هذه المحطة الناطقة باسمه على محمل الجــــد، خصوصاً أن ما صدر أخيـراً عن رئيس التيار الوزير باسيل من حملات على بري وحركة «أمل» لا يبرر الأعذار التي يتحدث عنها الوزير السابق.
فباسيل يعتقد أن لديه المقدرة على أن يستثمر حملته على بري في رفع منسوب المقترعين للوائح التيار أو من سيتحالف معه بذريعة أنه يدافع عن استرداد صلاحيات رئيس الجمهورية وأن حركة «أمل» تقف عائقاً أمام استردادها وصولاً إلى أنه لا يحق لوزير أن يقول لا لرئيس البلاد.
ويصر باسيل على أن يجمع بين عدد من التناقضات تحت سقف الحفاظ على اتفاق «الطائف»، مع أن «ورقة التفاهم» بين «حزب الله» و«التيار الوطني» تجاهلت هذا الاتفاق، وقيل في حينه إن الحزب تجاوب مع رغبة حليفه في هذه الورقة الذي ينظر إليه على أنه كان وراء إخراج العماد عون من القصر الجمهوري في بعبدا.
فهل اختار باسيل حملته على رئيس المجلس بنداً أول من ضمن البرنامج السياسي الانتخابي لـ «التيار الوطني»، وإلا لماذا أقفل الباب في وجه المحاولات الجارية من أجل تهدئة الموقف على جبهة «التيار الوطني» و «أمل»، لأن من غير الجائز الانجرار إلى تطييف الحملات الانتخابية لما ستكون لها من تداعيات سلبية تتجاوز نتائج الانتخابات إلى مستقبل وزير الخارجية؟
إلغاء الطائفية السياسية
وفي هذا السياق، تسأل المصادر النيابية عن الأسباب الكامنة وراء تجميد البحث في المادة 95 من الدستور التي تنص على اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية، وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضم إضافة إلى رئيسي البرلمان والحكومة شخصيات فكرية واجتماعية مهمتها دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية السياسية وتقديمها إلى البرلمان والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية؟
كما تسأل عن الأسباب الكامنة وراء إصرار باسيل على المناصفة في الوظائف العامة دون الفئة الأولى، بخلاف ما نصت عليه المرحلة الانتقالية، وهذا ما بدأ يعيق تعيين الموظفين في هذه الفئات، على رغم أن المناصفة بين المسلمين والمسيحيين محصورة دستورياً في الفئة الأولى؟
وتلفت المصادر النيابية والوزارية إلى أن التذرع بعدم توظيف الفائزين من دون الفئة الأولى في امتحانات مجلس الخدمة المدنية بالإخلال بالتوازن الطائفي ليس في محله، وتقول إن التوظيفات التي حصلت منذ تشكيل حكومة «استعادة الثقة»، تدل على أن «التيار الوطني» أطاح مبدأ التوازن بين الطوائف المسيحية وكأنه يمهد الطريق لحصر هذه الوظائف بطائفة واحدة، أي الموارنة، في حال عدم وجود من يدين له بالولاء المطلق من الطوائف المسيحية الأخرى.
وتؤكد أن العدد الأكبر من الوظائف العائدة للمسيحيين جاء على قياس «التيار الوطني»، وإلا لماذا صدرت الاحتجاجات من المرجعيات المسيحية الأخرى لتقول إن ما يهم باسيل أن يتحول «التيار الوطني» إلى ناطق أوحد باسم المسيحيين لعله يوظف التعيينات في حملاته الانتخابية.
وترى أن مطالبة باسيل بإلغاء المذهبية وفي تجاوز ما نصت عليه المرحلة الانتقالية تمهيداً لإلغاء الطائفية السياسية تعني أنه يريد أن يطيح الطائف أو أن يعدل في بعـــض بنـــوده التي كانت وراء إنتاج الدستور الجديد وصولاً إلى الالتفاف علـــى هـــذا الاتفاق بالممارسة، من دون أن يقترب من تعديل النصوص. وهنا تكمـــن المشكلة التي لم تعد محصورة برئيس المجلس في ضوء إحساس أطراف آخرين بأنه آن الأوان للخروج من الصمت وإعلاء الصوت احتجاجاً على «الاجتهادات» التي يطرحها باسيل والتي ستطيح الطائف تدريجاً.