كتبت ميسم رزق في صحيفة “الأخبار”:
يُقال إن هناك خطأين لا يُمكن غفرانهما عند مناصري حركة أمل: المسّ بالإمام موسى الصدر والتعرّض الشخصي للرئيس نبيه برّي. أما وقد حدث ذلك، فلم يعُد الوقت وقتاً للتساهُل، ولا إظهار فضيلة المبادرة إلى احتواء النيران القديمة – الجديدة المُشتعلة على خط بعبدا – عين التينة. ينسحِب ذلك حتى على أصحاب المراكز في دائرة الرئيس برّي الذين أطلقوا مواقف عالية السقوف قبل الرجوع إلى صاحب الشأن، ومن دون انتظار أي إشارة منه، إذ لم يرُقهم أن «يُعلّم» أحد على «مقام الرئاسة الثانية».
الأكيد أن الفيديو «المُسرَّب» بالصوت والصورة لرئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل، الذي وصف فيه بري بـ«البلطجي» وتوعّد بـ«تكسير رأسه»، ليس سوى نقطة في بحر التحفّظات التي راكمتها الأيام بينه وبين برّي. لكنها النقطة التي فاضت بها الكأس، ولم يعُد الترقيع ينفع للسيطرة على الوضع. وللمرّة الأولى منذ انطلاقة العهد، يبدو البلد على حافة أزمة كبرى تثيرها تحرّكات الشارع، لتُنذر بتفاعلات أكبر للتسريبات التي نسفت أي أمل بعلاقة جيدة بين الطرفين.
وقد تعقّدت الأمور أمس، نتيجة التصلّب المتبادل في المواقف، بين بري الذي يعتبر نفسه مُعتدىً عليه ورفع عنواناً عريضاً حدّه الأدنى «تقديم الاعتذار العلني للبنانيين»، وبين باسيل الذي لم تظهر أي بوادر لنيته الاعتذار، رغم تعبيره عن «أسفه» على صفحات «الأخبار» أمس. وزاد من تعقيدها سحب الرئاسة الأولى يدها من التطورات، ما يجعل السؤال عن مصير البلد في الأيام المقبلة يتقدّم على أي علامات استفهام أخرى.
حتى ليل أمس، كان الرئيس برّي يرفض أمام زوّاره الدخول في أي نقاش حول ما سُرب عن باسيل أخيراً. موقف الحركة معروف من دون زيادة أو نقصان، والمطلوب لإنهاء الأزمة «واضح ولا لبس فيه. الاعتذار أولاً». فالاصطدام مع رئيس المجلس بالتحريض والتعبئة والخروج عن الضوابط، لن ينفع في احتوائه وسيط من هنا، وموفد من هناك.
وأكبر دليل على ذلك، أن الحكَم بينهما، أي حزب الله، لم يتّبع أسلوب «المُصلح» خلف الأبواب المغلقة، وكان له موقف صريح وحاسم لجهة عدم القبول بالتعرض للرئيس برّي من أي طرف كان، وهو موقف اعتبره مقربون من رئيس المجلس أنه «ممتاز»، تحديداً حين اعتبر أن «اللغة التي استخدمها باسيل لا تبني دولة ولا تأتي بإصلاح». ورأى المقربون من بري أن موقف الحزب هو أكبر دليل على أن «ما صدر عن وزير الخارجية يتجاوز كل الأعراف، بشكل لا يُمكن هندسته».
رئيس التيار الوطني الحرّ لم يضع نفسه وحده في موقف حرج، بل زجّ معه رئيس الحكومة سعد الحريري. الأخير، رداً على محاولته الدخول على خطّ التهدئة، سمع كلاماً قاسياً وحازماً بأن «تداعيات ما حصل لن تنحصر بعلاقة الرئيسين وحسب»، وهو أمر تبلّغه الحريري ليل أمس. وبحسب مصادر في فريق الثامن من آذار، ومقربة من رئيس المجلس، فإن «عدم صدور اعتذار علني يعني أن لا حكومة ولا عهد». بحسب المعلومات، فُتح باب الخيارات على مصراعيه في وجه «تجاوزات أصحاب الرؤوس الحامية»، من تعطيل مجلس الوزراء إلى الخروج منه «فليس من الطبيعي بعد الآن أن يجتمع وزراء حركة أمل والتيار الوطني الحر في جلسة حكومية واحدة في ظل هذه الأجواء المتشنجة». ورأت المصادر أن «ما ظهر إلى العلن لم يكُن تسريباً غير مقصود، بل كشف حقيقة ما يفكّرون فيه وما يضمرونه، ولو كان باسيل يتحدّث أمام مجموعة صغيرة من تياره لكنّا برّرنا له. لكن تطاوله أمام حاضرين من مختلف الأحزاب والتيارات في منطقته، يبرّر لعين التينة وجمهورها ردّ فعلهما». واستغربت المصادر السبب وراء «إعادة تفجير الوضع مرّة تلو المرة بعد كل محاولة من حزب الله للتوفيق بين عين التينة وبعبدا»، متسائلة عن الجهة التي تقف وراء ذلك «فهل ثمة من يريد تطيير الانتخابات ويريد أن يدفع رئيس المجلس إلى ذلك؟ إذاً فليعلموا أن الانتخابات حاصلة في موعدها مهما كلّف الأمر»!