كتب يوسف دياب في صحيفة “الشرق الأوسط”:
رغم المساعي السياسية التي تبذل على أعلى المستويات، لاحتواء تداعيات الكلام الناري الذي أطلقه رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، ووصف فيه رئيس المجلس النيابي نبيه بري بـ«البلطجي»، فإن هذا الموقف ينذر بارتدادات سلبية على التضامن الحكومي الذي أصيب بتصدعات كبيرة، وعلى الوضع الانتخابي، وما يرتّبه على صعيد تحالفات «الوطني الحرّ» مع حلفائه، وأبرزهم «حزب الله» المتضامن مع برّي إلى أبعد الحدود، لكن أيا كانت الأثمان التي قد يدفعها تيار باسيل تبقى أقلّ وطأة من تأثيرها على رصيده الشعبي في دائرة البترون التي يترشّح فيها.
ومع التسليم بأن خطاب باسيل يأتي من خارج أدبيات السياسة اللبنانية، فإن خبراء في الشأن الانتخابي استبعدوا أن تتأثر سلبا شعبية وزير الخارجية بكلامه المسرّب من لقاء جمعه مع كوادر تياره السياسي في إحدى بلدات قضاء البترون (شمال لبنان)، وهو ما لمح إليه عضو تكتل «التغيير والإصلاح» وزير العدل السابق شكيب قرطباوي، الذي أكد لـ«الشرق الأوسط»، أن باسيل «لم يطلق كلامه من أجل الاستثمار الانتخابي، وهو حريص على احتواء ما حصل، بدليل موقف رئيس الجمهورية الذي دعا الجميع إلى التسامح». ولفت قرطباوي إلى أن العاصفة التي تبعت كلام وزير الخارجية «لن تؤثر على وضعه الانتخابي في البترون ولن تفقده من شعبيته، لأن الناخب البتروني يتعاطى مع الوزير باسيل، انطلاقا من وطنيته ومسيرته السياسية وليس على أساس كلمة عابرة».
ويتنافس باسيل على أحد المقعدين المارونيين في البترون مع النائب بطرس حرب، ومرشّح حزب «القوات اللبنانية» فادي سعد، ومرشّح عن حزب «الكتائب اللبنانية» الذي لم يحسم ما إذا كان النائب سامر سعادة أو غيره، بالإضافة إلى مرشحين مستقلين، ويعتبرها معركة مصيرية لناحية إثبات حضوره السياسي، بعد خسارته في انتخابات العامين الـ2005 و2009، مقابل النائب حرب ونائب القوات اللبنانية أنطوان زهرا.
وإذا كان من المبكر رصد أصداء كلام باسيل لدى ناخبي منطقة البترون، فقد أكد عضو كتلة «الكتائب اللبنانية» النائب سامر سعادة، أن «أبناء البترون يتعاطون السياسة بكلّ رقي، ولديهم طريقتهم في التعبير عن اعتراضهم على بعض السياسات، مع الحفاظ على مستوى معيّن من الأدبيات». وأمل في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، في ألا «تتحول الخلافات السياسية إلى شدّ عصب انتخابي، وإلى خلافات طائفية من أجل استقطاب غرائز مسيحية هنا، وحزبية هناك». وقال سعادة وهو ابن منطقة البترون: «نحن في حزب (الكتائب) لدينا اعتراضات على الأداء المعتمد في البلد، ولكن نمارس اعتراضنا ضمن الحفاظ على المصلحة الوطنية العليا والعيش المشترك، الذي يسمو فوق كل المصالح والحسابات».
غير أن المعنيين بالشأن الانتخابي وباستطلاعات الرأي، رجحوا أن ترتفع شعبية وزير الخارجية على خلفية التشنّج الأخير، وقال الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين، إن «القراءة الأولية تفيد بأن ما حصل رفع من شعبية باسيل، بعد ردّة فعل مناصري الرئيس نبيه بري، بوصولهم إلى منطقة مسيحية، واعتبارها بمثابة هجوم على ما يعرف بـ(المنطقة الشرقية) (المسيحية)، والاستياء الكبير الذي ولّده في الأوساط السياسية المسيحية حتى المتضامنة مع بري».
وأكد شمس الدين، وهو خبير في الشأن الانتخابي، أن «طريقة تعاطي الرأي العام مع دخول مناصري حركة (أمل) إلى بيروت الشرقية، أثار عصبية الطرف الآخر إلى حدّ كبير». ورأى أنها «أشبه بدخول عناصر من حزب (القوات اللبنانية) إلى منطقة الخندق الغميق (أحد معاقل حركة «أمل» في بيروت)، وهذا ما جعل بعض السياسيين محرجين في الردّ على هذه التحركات»، مشددا على أن «الاستمرار في استخدام الشارع، سيواجه بفورة شعبية مقابلة، تصبّ في رصيد باسيل الانتخابي في منطقة البترون».