كتب يوسف دياب في صحيفة “الشرق الأوسط”:
تعقد المحكمة العسكرية في لبنان، عشرات الجلسات يومياً، في قضايا جنائية وإرهابية، مخصصة لمحاكمة موقوفين ينتمون إلى تنظيمي داعش وجبهة النصرة ومجموعات أخرى متطرفة، أبرزهم المتورطون في قتال الجيش اللبناني، وقتل عدد من جنوده إبان المعارك التي شهدتها مدينة عرسال (البقاع اللبناني) في الثاني من أغسطس (آب) 2014، والتي أعقبها خطف عسكريين وتصفية بعضهم.
ويعدّ تكثيف جلسات المحاكمة أمراً طبيعياً، بالنظر للعدد الهائل للملفات والموقوفين، لكنّ التطوّر البارز في مسار هذه القضايا، يتمثّل بالأحكام المشددة التي بدأت تصدرها المحكمة العسكرية بحق المتهمين فيها، وآخرها حكم الإعدام الذي صدر منتصف ليل الجمعة – السبت، بحق الموقوف السوري علي لقيّس، الذي ينتمي إلى «جبهة النصرة»، بعد إدانته بتصفية الجندي في الجيش اللبناني محمد حميّة، عندما كان أسيراً مع 10 آخرين من رفاقه لدى «النصرة» في جرود عرسال، فيما قضت المحكمة بإنزال عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة غيابياً، بحق أمير «النصرة» في منطقة القلمون السورية جمال زينية الملقب بـ«أبو مالك التلّي» وعمر إبراهيم (سوريان)، فيما تتواصل محاكمة 95 موقوفاً في معارك عرسال والتورط بخطف الجنود اللبنانيين، بالإضافة إلى العشرات في ملفات متفرّعة عن معارك عرسال.
وكان لقيس مثل أمام المحكمة العسكرية في جلسة خامسة، بعدما أرجئت الجلسات السابقة لأسباب متعددة، وقد تُلي عليه القرار الاتهامي، الذي يتضمّن تفاصيل جريمة تصفية حميّة، وكيف أقدم على إطلاق رصاصة قاتلة على رأس الجندي الأسير، وهو مكبّل اليدين ومعصوب العينين، ولم ينفع إنكار لقّيس للتهم المنسوبة إليه، والتوسل إلى المحكمة إمهاله بضعة أيام لإثبات براءته ودحض الأدلة الموجودة في الملف، لأن رئيس المحكمة أصرّ على استجوابه، بعد تأجيل محاكمته لأربع مرات متتالية.
وما إن تلي القرار الاتهامي، وأفهم الموقوف بحقيقة الجرائم المنسوبة إليه، في حضور محامٍ عسكري عينته المحكمة للدفاع عنه، بعد رفض الموقوف المحامي الذي كلفته نقابة المحامين، وادعائه مرات عدة أنه يرغب في توكيل محامٍ خاص ولم ينفذ، وهو ما فسّرته المحكمة على أنه مماطلة ومحاولة عرقلة سير المحكمة، وتوسّل المتهم لهيئة المحكمة مجدداً إعطاءه مهلة أخيرة لثلاثة أيام إضافية لتوكيل محامٍ، وتقديم الدليل على براءته، لكن المحكمة رفضت هذا الطلب فوراً، وقررت السير بالمحاكمة، وهنا بدأ يرتجف وينزف دماً من أنفه، ثمّ سقط أرضاً، ما استدعى تدخّل عناصر الجيش المولجين حماية القاعة، الذين سارعوا إلى مساعدته، وأجلسوه حتى هدأت أعصابه واستقرّ وضعه.
وبالاستناد إلى ما ورد في القرار الاتهامي، طرح رئيس المحكمة الكثير من الأسئلة على لقيس، وطلب منه أن يشرح لها دوافع إقدامه على إعدام الجندي حمية، وهل فعل ذلك تنفيذاً لأوامر قيادة «النصرة»؟، لكنه امتنع عن الإجابة، وهنا عرض على شاشة كبيرة شريط الفيديو الذي يظهر فيه المتهم لحظة إعدام الجندي حمية بإطلاق الرصاص عليه من مسدس حربي، وجرت مواجهته به، وباعترافات كل من محمد يحي وهاني المصري اللذين أكّدا أن لقيس الماثل أمام المحكمة هو من نفّذ حكم الإعدام بحق الجندي حميّة، بالإضافة إلى الاعترافات التي أدلى بها الموقوف أمام مخابرات الجيش وقاضي التحقيق العسكري، وكانت متطابقة، لكن الأخير تمسّك بعبارة «أنا بريء… أمهلوني بعض الوقت لأثبت براءتي».
مصدر قضائي أكد لـ«الشرق الأوسط»، أن الإجراءات القانونية المعتمدة في جميع الملفات الجنائية التي ينظر فيها القضاء العسكري، تراعي معايير العدالة، وتمنح المتهم الحق الكامل في توفير وسائل الدفاع، وشدد على أن القضاء «حريص على توفير معايير العدالة، لكنه لن يسمح بأن يتخذ بعض الموقوفين من هذه المعايير وسيلة لعرقلة المحاكمات وتطيير الجلسات»، مشيراً إلى أن «لا تهاون في ملفات الإرهاب التي يشكّل كلّ منها اعتداءً على أمن الدولة»، معتبراً أن «استهداف الجيش وقتل وخطف عناصره من أخطر الجرائم التي مارسها الإرهاب في لبنان».
وكانت وزارة العدل أحالت على الحكومة مشروع مرسوم يقضي بإحالة جميع المتهمين الذين اشتركوا في خطف العسكريين اللبنانيين وتصفية عدد منهم على المجلس العدلي، والهدف من ذلك عدم شمول هؤلاء بأي قانون للعفو العام. وسبق لـ«جبهة النصرة» أن أعدمت العنصر في قوى الأمن الداخلي الأسير علي البزّال أيضاً، قبل أن تطلق سراح تسعة أسرى لديها بصفقة تبادل مع الدولة اللبنانية، أما تنظيم داعش فقد أعدم ثمانية جنود للجيش اللبناني كانوا أسرى لديه، لكنّ من قتلوا هؤلاء الجنود، خرجوا بصفقة أبرمت بين النظام السوري و«حزب الله» من جهة، وبين «داعش» من جهة أخرى، أفضت إلى ترحيل جميع مقاتلي التنظيم إلى ريف دير الزور، وقبله أبرمت صفقة خروج قادة ومقاتلي «النصرة» إلى محافظة إدلب السورية.