كتب حسن يحيى في “الحياة”: منذ أكثر من سنتين، بدأت المشاكل المرتبطة بوسائل التواصل الاجتماعي بالظهور إلى العلن، خصوصاً تلك المرتبطة بالسياسية والديموقراطية وحرية التعبير.
وبعد الانتخابات الأميركية في 2016، والتي أسفرت عن فوز الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتدخل الروسي الذي يتكشف يوماً بعد يوم ودوره في تأليب الرأي العام الأميركي، وصلت هذه المشاكل إلى نقطة أللاعودة، إذ لم يعد من الممكن غض البصر عنها مطلقاً.
وتركزت هذه المشاكل في نقاط عدة على رأسها شراء الإعلانات السياسية والمحرضة اجتماعياً، إضافة إلى الأخبار الكاذبة التي لا يزال الموقع يعاني في محاولة إيجاد حلول «منطقية» لها، إضافة إلى مشكلة أساسية تتمثل في «دوائر الصدى».
وتضاف هذه المشاكل إلى جملة من المشاكل السابقة التي لم تستطع وسائل التواصل الاجتماعي الوصول إلى حلول لها مثل الإباحية والعنف والترويج عليه، إضافة إلى «التنمّر».
وأطلق موقع «فايسبوك» جلسات نقاش لتقويم المشاكل الطارئة، على رغم فشله إلى حد ما في حل المشاكل السابقة. وحاول ساميد تشاكراباتي وهو أحد مديري «فايسبوك» التفكير بحلول من شأنها المساعدة في التخفيف من حدة هذه الأزمات.
واعتبر تشاكراباتي أن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دوراً بارزاً في تعزيز الديموقراطية من خلال إيصال أصوات الناس، وحضتهم على الانخراط في القضايا السياسية، وهو ما كان ظاهراً في تونس مع انطلاق «الربيع العربي».
ولكن بعد الانتخابات الأميركية، بدأت المشاكل بالظهور، إذ بات التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية مثبتاً، كما أن الأخبار الكاذبة تنتشر كالنار في الهشيم على منصات التواصل الاجتماعي، ناهيك عن أزمة «دوائر الصدى» التي تعتبر من أكثر الأزمات الراهنة تحدياً. وفرضت هذه الأزمات أثراً واضحاً على مفاهيم الديموقراطية وتأثير هذه الوسائل على صلب الديموقراطية.
وفي معرض اقتراحه للحلول، أفصح تشاكراباتي عن بعض الخطوات التي نُفذت أخيراً، والتي ستنفذ مستقبلاً بهدف مكافحة هذه المشاكل.
واعتبر أن التدخل الروسي عمل من خلال الترويج لصفحات زائفة، لذا فإننا نعمل على تمكين المستخدم من الوصول إلى مدير الحساب الذي يبث الإعلان، ورؤية الإعلانات التي يبثها. كما سنلزم المؤسسات التي تبث إعلانات مرتبطة بالانتخابات على تأكيد هويتها، كما سيتم حفظ ملفات الإعلانات الانتخابية والسماح للمستخدم بالبحث عنها.
أما حل أزمة الأخبار الكاذبة يتمثل في «تسهيل» عملية الإبلاغ عنها، وتعاونت الشركة مع أطراف ثالثة تعمل على تقويم الأخبار والتثبت من صحتها. وتمكن الموقع من خفض نسب الانطباعات والتعليقات على المنشورات التي تصنف بأنها «أخبار كاذبة» بنسبة 80 في المئة بعد تصنيفها.
كما يعمل الموقع على إلغاء الحافز الأساس الذي يدفع المستخدم إلى بث أخبار كاذبة، إذ سيمنع من يبث الأخبار الكاذبة من الحصول على مقابل مادي لقاء نشره لهذه الأخبار.
وأما التحدي الأبرز يتمثل في «دوائر الصدى»، وهي عمل وسائل التواصل على إظهار المنشورات من وجهة نظر واحدة ومشابهة لآراء المستخدم، وهو ما يثير انتقادات حادة.
إلا أن تشاكراباتي دحض هذه الأقوال مستعيناً ببحث من معهد «رويترز» للأخبار الإلكترونية يفيد بأن: 44 في المئة من الأشخاص الذين يستخدمون وسائل التواصل للحصول على الأخبار في الولايات المتحدة، تمكنوا من رؤية منشورات من الطرفين. ولكن الأزمة الحقيقية تتمثل في كيفية تفاعل المستخدمين مع هذه المنشورات.
واعتبر تشاكراباتي أن العقل البشري يميل إلى البحث عن معلومات تؤكد المعتقدات التي لديه، وهو ما يعرف علمياً باسم «تأكيد التحيز». وقد وجد العلماء العام الماضي أن المستخدمين على وسائل التواصل يميلون إلى المعلومات التي تقوي وجهة نظرهم، ويرفضون المعلومات التي تخالفها. وهذا يزيد من تعقيد الحل، خصوصاً أن من الصعب دفع الأشخاص عكس الغريزة الطبيعية لهم.
وبيّنت بعض الأبحاث أن إظهار بعض الآراء المختلفة، قد يدفع الأشخاص إلى البحث أكثر عن المعلومات، وهو ما بدأنا بتنفيذه من خلال قسم «المقالات المرتبطة» التي تعرض أكثر من وجهة نظر عن الموضوع ذاته.
ولكن القصة لا تقف عند هذا الحد، إذ أن البحث الذي أعدته «رويترز» يتناول وسائل التواصل بمختلف أطيافها، ما يعني أن أقل من نصف الأميركيين الذين يستقون أخبارهم من كل وسائل التواصل الاجتماعي على مختلف مشاربها، رأوا منشورات من الديموقراطيين والجمهوريين.
والحال أن الأزمة لا تقف عند بحث المستخدمين على المعلومات أو في طرق مشاهدتهم للإعلانات السياسية، بل إن «دوائر الصدى» امتدت لتصبح طريقة تعامل خاصة بمستخدم «فايسبوك» بشكل عام. وبات المستخدم يقترب أكثر وأكثر من تكوين مجموعات الأصدقاء بما يشبه «الطوائف المغلقة»، إذ يعمد إلى حذف كل الحسابات التي تبث آراءً تخالف رأيه، أو في أفضل الأحوال إخفاء ظهورها.
وبات من الصعب في يومنا هذا إيجاد مستخدم على «فايسبوك» لم يمارس نظاماً «قمعياً» في حق مستخدم آخر موجود على حسابه لأسباب ترتبط أساساً بالرأي وحرية إبدائه على هذه المنصة.
والحال، أن هذه الممارسات القمعية التي يقوم بها المستخدم بشكل فردي، تنشئ مجتمعات صغيرة مترابطة تتشارك الرأي الواحد، ليصبح المستخدم عضواً في جماعة محددة تدعمه في آرائه وتدافع عنه ضد أي عدوان خارجي من قبل مستخدمين آخرين.
ويُمكن ملاحظة هذا التكتف والمجتمعات المرتبطة عند التعامل مع أي قضية على منصات وسائل التواصل، إذ تتحول هذه المنصات إلى ساحات حرب يصول المستخدمون فيها ويجولون، وينشرون آراءهم الداعمة والمناهضة لأي قضية، ويهاجمون الآراء الأخرى. وتصبح هذه المجتمعات المنفصلة، أكثر لحمة مع وجود هيمنة للرأي الواحد ضمنها، وتعمد بشكل دائم على «طرد» الغريب وكل من تسول له نفسه الخروج على التوافق العام، إلى خارجها.
وانطلاقاً من هنا، ومع إضافة الخوارزمية «المعقدة» لـ «فايسبوك»، فإن تأليف مجتمعات منفصلة تكره بعضها بعضاً بات أكثر سهولة وقابلية للتحقق، خصوصاً أن هذه الخوارزمية تعمد إظهار الحسابات التي يتفاعل معها المستخدم بصورة أكثر من غيرها، خصوصاً بعد إضافة أنواع جديدة من التفاعلات، بحيث يستطيع «فايسبوك» تحديد كيفية تفاعل المستخدم مع الحسابات والمنشورات بدقة أكبر، ما يعني مجتمعات مصممة بصورة أكثر دقة أيضاً، وأقل تقبلاً للآخر.
إضافة إلى «تطرف» المستخدم في تعامله مع الآراء المخالفة، فإن محاولة الموقع جمع كل المعلومات التي يستطيع الحصول عليها من المستخدم بهدف التوجه إليه بإعلانات مخصصة ومصممة وفقاً لرغباته وميوله، ستؤدي إلى إلغاء ظهور الإعلانات التي تخالف آراء المستخدم وتوجهاته، خصوصاً مع ميل المستخدم «الغريزي» إلى رفض كل ما يخالف رأيه.
وفي حال أراد «فايسبوك» محاربة هذه الأزمة، فسيكون عليه التخلي عن بعض الأرباح التي يحصل عليها بعد «حصده» معلومات المستخدمين بدقة، ما سيمكنه بشكل أو بآخر من معالجة بعض نقاط الخلل.
والحال، أن «فايسبوك» نجح فعلاً في مهمة رئيسة طمح إليها مؤسسه مارك زوكربيرغ وهي بناء «مجتمع»، إلا أن المجتمع الذي بناه انقسم إلى مجتمعات ضخمة تتكاتف سوياً وفقاً لميولها وآرائها. وعلى عكس ما كان زوكربيرغ يطمح، فإن الخوارزميات التي اعتمدها وطبقها ساعدت بما لا يقبل الشك في تقسيم هذا المجتمع الضخم الذي أصبح تعداده يزيد عن بليوني مستخدم، وساهمت أيضاً في نسف الديموقراطية وإضعاف مفهومها بشكل رئيس.