Site icon IMLebanon

“حزب الله” يعمل على تطويق “خطة باسيل”

كتبت صحيفة “الأنباء” الكويتية:

إذا كانت العلاقة بين الرئيس ميشال عون ورئيس المجلس نبيه بري سلكت طريق التهدئة والتطبيع ابتداء من اجتماع اليوم المنتظر في قصر بعبدا، وعلى قاعدة الفصل الذي قرره بري بين رئيس الجمهورية والوزير جبران باسيل، وإذا كانت علاقة بري مع باسيل غير قابلة للترميم حتى إشعار آخر، وربما اجتازت نقطة اللاعودة مع اجتياز باسيل للخط الأحمر بوصفه بالبلطجي، فإن الأنظار تتجه منذ فترة الى مكان آخر ذي صلة، والى علاقة أخرى «استطرادية»، هي العلاقة بين “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” في ضوء المواقف المتكررة التي صدرت عن باسيل وطالت بشكل مباشر أو غير مباشر حزب الله الذي لم يتقبل هذه المواقف وأثارت لديه «نقزة» وحذرا، في وقت بدأت تطرح علامات استفهام حول خلفيات هذه المواقف وتوقيتها.

آخر المواقف المثيرة للجدل، ما قاله الوزير باسيل الى مجلة «ماغازين» (مجلة لبنانية تصدر باللغة الفرنسية) إنه «يأسف لوجود بعض الاختلافات (بين التيار والحزب) في المواضيع الداخلية، وثمة قرارات يتخذها الحزب في الموضوع الداخلي لا تخدم الدولة وهذا ما يجعل لبنان يدفع الثمن»، وأن بندا أساسيا في وثيقة التفاهم هو «بناء الدولة لا يطبق بحجة قضايا السياسة الخارجية».

بعد كل هذا «الشريط» من المواقف التي تضمنت من وجهة نظر «الثنائي الشيعي» «إساءات وسقطات وأخطاء»، لم يعد الأمر مجرد «زلات لسان وهفوات غير متعمدة»، وإنما صار يعكس «مسارا سياسيا جديدا» للوزير باسيل، «مسار تصعيد» ضد الرئيس نبيه بري، و«مسار انتقاد» لحزب الله.

وهنا تعددت التفسيرات والاجتهادات في شأن هذا المسار الجديد، لجهة التوقيت وما إذا كان توقيتا إقليميا له علاقة بتطور المواجهة واحتدامها بين أميركا وإيران، أو إنه توقيت محلي له علاقة بالانتخابات القادمة! أو لجهة الخلفيات والأسباب والأهداف التي أملت هذه التوجهات الجديدة وتقف وراءها:

٭ هناك من اعتبر أن باسيل يحاول التخفيف من وقع مواقفه الخارجية الأخيرة، خصوصا التي ألقاها في مؤتمر وزراء الخارجية العرب في القاهرة.

٭ هناك من رأى أن باسيل يأخذ مسافة من حزب الله والمحور الإيراني السوري للاقتراب من المحور العربي – الأميركي ولإقامة توازن في سياسة لبنان الخارجية وعند عتبة مرحلة دقيقة تشهد هبوب عاصفة أميركة (عقوبات) – إسرائيلية (تهديدات) عربية (مضايقات وعزلة)، وحيث ان السياسة الخارجية التي يمسك بناصيتها رئيس الجمهورية ووزير الخارجية يجب أن تكون أكثر توازنا، وبحيث أن يكون باسيل هامش مناورة وحركة وموقف.

٭ هناك في المقابل من يسقط هذه التفسيرات والأبعاد الإقليمية من الحساب، ويحصر توجهات باسيل في نطاق حسابات لبنانية بحتة ومصالح سياسية وانتخابية، إذ إنه يتوخى تعزيز شعبيته و«زعامته» المسيحية توطئة للانتخابات النيابية القريبة والمعركة الرئاسية لاحقا، وبالتالي فإن مثل هذا الهدف لابد أن يلقى تفهما لدى حزب الله الذي له مصلحة في أن يكون حليفه المسيحي قويا.

حزب الله بين كل هذه التفسيرات يتملكه الحذر الذي يكاد أن يصبح «توجسا» والانزعاج الذي يلامس حد الاستياء الشديد حتى الآن مازال حزب الله يحافظ على ثقته بخيارات باسيل الاستراتيجية وسياسته الخارجية، ويحصر «المشاغبة السياسية» التي يقوم بها بدواع وحسابات داخلية لها علاقة أكيدة بالانتخابات المقبلة، ولكن أيضا بـ«لعبة السلطة ومعادلة الحكم والتوازنات الداخلية»، حيث يريد باسيل تحجيم نفوذ ودور الرئيس بري حتى لو جاء ذلك لمصلحة حزب الله وتفرده بالقرار الشيعي.

ويريد الفصل داخل الثنائية الشيعية بين ««أمل» وحزب الله.

والأهم والأخطر من ذلك، حشر الحزب وتخييره بين بري وعون، بين «أمل» والتيار الوطني الحر، بين استمرار التغطية الاستراتيجية الإقليمية له وعدم استمرار علاقته مع بري كما هي.

في تقدير وتحليل أوساط سياسية قريبة من حزب الله:

٭ باسيل يستقوي بورقة التفاهم مع الحزب لمنازلة الرئيس بري، ولا يأخذ في الاعتبار حساسيات الحالة الشيعية، وهو يحاول أن يفرض نظرية تقول إن التكتيك هو غير الاستراتيجية، بمعنى أنه متوافق في الخطوط العامة ذات الأبعاد الوطنية الكبرى مع الثنائي الشيعي، لكن يجب أن يترك له هامش لمقارعة بري ومزاحمته في المسائل الداخلية.

٭ باسيل يطالب حزب الله بالابتعاد عن «أمل» بذريعة أن بري يعرقل بناء الدولة.

فإذا لم يفعل الحزب ذلك (فك علاقته مع بري)، فإنه يصبح متهما بعرقلة بناء الدولة.

٭ باسيل يقع سياسيا في أخطاء تقدير وحساب: عدم الفصل بين الخلاف مع «أمل» والتزاحم السياسي معها، وبين محاولة نقض أعراف سائدة، وصولا الى تجاوز حقوق شيعية مكتسبة بعد الطائف ويعتبر بري نفسه حارسا أمينا عليها.

٭ عدم الأخذ في الاعتبار التوازنات الطائفية التي تلزم جميع الأطراف مراعاة التوزيع الطائفي داخل إدارات الدولة ومؤسساتها.

وهذا ليس تجاوزا دستوريا لموقع الطائفة الشيعية، وإنما هو تجاوز خطير لدستور الطائف، خصوصا بعدما كشف التوافق بين الرئاسة الأولى والثالثة وتعمد تجاوز الثانية عن حجم الهواجس لدى النخبة الشيعية اللبنانية.

وقلقها من المستقبل، بعد أن عادت إلى أذهانها مرحلة ما قبل الطائف التي عرفت بصيغة سنة 1943.

٭ عدم الأخذ في عين الاعتبار حساسيات الحالة الشيعية الصاعدة وحساباتها الحالية والمستقبلية، والتي رغم كل ما تمتلك من قوة نفوذ وهيمنة محلية وإقليمية تبقى معنية دائما وأبدا بوحدتها الداخلية التي تعتبرها فوق كل اعتبار.

٭ عدم تقدير صحيح لمكانة بري «الشيعية» ولدى حزب الله: بري هو أحد هادمي نظام ما قبل الطائف، وأحد صانعي ما بعده، وممثل الشيعة الأول في الدولة، وحليف لإيران.

في ضوء كل ما تقدم، هناك بالتأكيد ما هو أكثر من سوء تفاهم بين حزب الله والوزير باسيل.

هناك «تأزم» في العلاقة الشخصية لا يصل الى «أزمة ثقة». وهناك مشكلة هي الأوضح على صعيد التفاهم بين الحزب والتيار منذ توقيعه قبل 12 عاما.

التفاهم الذي يهتز من دون أن يسقط تحل ذكرى التوقيع عليه اليوم ولكن في ظل غياب أي احتفال مشترك.

قد يكون «لقاء الحدث» قبل أيام هو البديل، ولكن لم يكن احتفالا بالتفاهم وإنما درءا للخطر المحدق به ومنعا لوصول الشرخ إليه.