كتبت صحيفة “الراي الكويتية”
إنه الرقص فوق الخطوطِ الحمر على وْقع “قرقعةِ” الصناديق. صناديقُ اقتراعٍ وصناديقُ أسرار وصناديقُ رصاص وصناديقُ فرجة، ومعها أيضاً “صندوقٌ أسود” يُقال عنه ما لا يُقال على الملأ وفي الجرائد، على الشاشات وفي الكلام المباح. وكأن “ما كلُّ ما يُعرف يُقال” في بلادٍ تصيب القاصي والداني بـ“عمى ألوانٍ” سياسي رغم غابةٍ من الألوان الفاقعة المرفوعة على شرفات القوى السياسية وفوق مَنابرها و… المتاريس.
ها هي صناديق الاقتراع العائدة في 6 أيار المقبل قد لا تعود بعدما توارتْ مراراً وتكراراً منذ الـ2009… إنها الآن كـ“الشرّ الذي لا بدّ منه” يترنّح مصيرُها بين رغباتٍ وأزماتٍ توحي بـ“شرٍّ مستطير” قد تطير معه، وبين تَجرُّع كأسها لأن مَن بيده الحلّ والربط كَتب ما كَتب، وتالياً فإن لبنان الخارج من صناديق أيار لن يكون كلبنان الداخل إليها. فثمة مَن اقتاد الجميع وبدهاءٍ إلى فخٍّ اسمه قانون الانتخاب الجديد.
ولا تقلّ صناديق الأسرار وطأةً. كلامٌ كثير وكبير يُقال في تلك التي تشبه “المَجالس بالأمانات”… عن أدوارِ اللاعبين المحليين والإقليميين وما يُشاع تارةً عن “لجوءٍ سياسي” سنّي الى أحضان تسويةٍ يديرها “حزب الله” وعن مآل علاقة الرئيس سعد الحريري بالسعودية، وتارةً عن انقلابٍ ماروني – سنّي على الشيعية السياسية وما يتردّد عن لعبةِ المناورات المسمومة بين أنصاف الحلفاء أو بين الخصوم بالمداورة.
أما صناديق الرصاص فمحشوّةٌ بكل صواعق المواجهة الكبرى المربوطةِ بساعةِ توقيتٍ إقليمية، إسرائيلية او إيرانية، أما عودُ ثقابِها فأيّ ذريعةٍ… ربما بلوك غاز أو سلاحٌ كاسِر، أو تحرير القدس، أو جدارٌ أزرق، أو دعسة ناقصة أو رصاصة طائشة… فإسرائيل غير المستعجلة لحرب مؤجَّلة مُطْمَئنةٌ إلى حروبٍ بعيدة عنها والى ضماناتٍ تجعلها تنتظر اللحظة المؤاتية، وإيران التي تعرف ماذا تريد تعدّ “جيش المحور” من ميليشات الهلال وما بعده استعداداً لحربٍ متى اقتضتْ الحاجة.
وفي الوقت غير الضائع، تَخْرج صناديق الفرجة الى ساحة الهرْج والمرْج. معاركُ صبْح مساء مجهولة – معلومة الأسباب والأهداف… بلْطجةٌ وأقدميات وتكسير رؤوس وقطاع طرق ونفايات ومياومون وأساتذة وسائقون وحراس أحراج، في صراعٍ مستميتٍ بين عنترة بن شداد والزير سالم المهلهل، يتوسّطهما سيف بن ذي يزن، يَدخل على خطّهما هولاكو ويراقبهما جنكيز خان عن كثب… جماهيرهما تنساق، تصفّق، تتناحر، أما المارّة من حولهما فبعضهم يقهْقه وبعضهم يصاب بـ… المرارة.
هذه الضوضاء لم تَسْرق الأضواء من صندوقٍ أسود أشبه بحقل مغناطيس لـ“ألغاز” من كل حدب وصوب، يختلط فيها المحلي بالإقليمي في مشهدٍ متحرّك ينطوي على خفايا استراتيجياتٍ كبيرة وعلى قطبٍ مَخْفية في تفاصيل صغيرة وتراوح أسماؤها الحرَكية بين البيومترية والميغاسنتر و”غصن الزيتون” والـ“درون” وسوتشي وجنيف وفيينا وبيلينغسلي وكاسندرا وسبيلبرغ و”موكا” وسنتر ميرنا شالوحي وأحداث الحدَث، وما شابه من مفرداتٍ تشي بما هو أدهى في لعبةِ تركيب البازل الداخلي والخارجي على حد سواء.
وبين هذه الصناديق وتلك، يَرْقص لبنان فوق الخطوط الحمر، فالإقليم يرْتعد من حوله بشهياتٍ مفتوحة فوق رقعة الشطرنج والخرائط. واستقرارُه الهش يُعانِد خلف ورقة الدولار والليرة، كأنه عربة يجرّها حصانان في اتجاهيْن متعاكسيْن… أوكسيجين دوليّ لـ“الدولة” عبر 3 مؤتمرات لدعم صمود لبنان، وخطرُ حربٍ في جنوبه الممتدّ حتى طهران يتعالى بمكبّرات الصوت من على طرفيْ الحدود، وكأن الحرب قاب قوسيْن.
في هذا المناخ العاصِف، يذهب لبنان إلى انتخاباتٍ، كلما اقتربتْ لاح إما خطر تأجيلها وإما خطر إجرائها، فالأمر سيان بالنسبة الى الذين يعتبرون أن عدم حصول الانتخابات لم يعد ممكناً لِما يشكّله من انتكاسةٍ باهظة الأثمان، وبالنسبة الى الذين لا يريدونها وفق قانونٍ انتزَعَه “حزب الله” وقال إنه يوازي في مشروعه “انتصار التحرير”، وتالياً لِما سترتّبه هذه الانتخابات من نتائج خطرة عبر تكريس واقعٍ غير متوازن في البلاد، وينْقلها من ضفة الى ضفة.
وبهذا المعنى، دنتْ “ساعة الحقيقة” ومعها سيصار إلى وضْع الأوراق المستورة والمكشوفة على الطاولة رغم غبار المعارك المفْتعلة أو مناوراتِ التعمية أو التكتيكات على الطلب بداعي إما تجييش الداخل وإما خداع الخارج، فالسؤال بأيّ خيارات كبرى تخاض الانتخابات؟ ولمَن ستكون الغلبة في صناديق تمتدّ من بيروت الى صنعاء، تعرّج على دمشق وتُلاقي صناديق بغداد؟
ورغم فتْح باب الترشيحات ابتداءً من اليوم، فإن ما من أحد في لبنان صاغ تحالفاته على نحو واضح. وحدها “الثنائية الشيعية”، أي “حزب الله” وحركة “أمل” أَنْجزتْ الرسم التشبيهي لمعركةٍ ستخوضها بـ“التكافل والتضامن” في لوائح موحّدة، تتحالف فيها مع مَن لا يتحالفون مع “تيار المستقبل” و”القوات اللبنانية” في منازلاتٍ “موْضعية”، هدف الحدّ الأدنى فيها القبض على “الثلث المعطّل” في برلمان الـ2018 والهدف الأقصى بناء أرضية تَحالُف عريض يُمْسِك بالغالبية.