ساد انطباعٌ في بيروت عشية الاجتماع الثلاثي في قصر بعبدا بين رؤساء الجمهورية العماد ميشال عون والبرلمان نبيه بري والحكومة سعد الحريري ان هذه «القمة» ستفضي إلى تنظيم الخلافات الداخلية تحت سقف المؤسسات بما يخدم الاستقرار في ملاقاة الانتخابات النيابية المفصلية في 6 مايو المقبل، ومؤتمرات الدعم الدولية الثلاث في روما وباريس وبروكسيل والتي يحتاج إليها لبنان لتعزيز «صموده» المالي – الاقتصادي، إضافة الى التهديدات الاسرائيلية وما تُمْليه من تَحسُّب كبير وضرورة قفل أي ثغر يمكن أن تشكل «الخاصرة الرخوة» في الوضع اللبناني تجاه تل أبيب.
وتَوقّفتْ أوساطٌ سياسية عبر صحيفة “الراي” الكويتية عند توقيتِ ارتسام مَشهد «الترويكا» الرئاسية في بعبدا اليوم غداة فتْح باب الترشيحات للانتخابات النيابية أمس وحتى 6 مارس المقبل، وأيضاً اجتماع اللجنة الثلاثية اللبنانية ـ الإسرائيلية ـ الدولية الذي انعقد في مقر قيادة «اليونيفيل» في الناقورة وبحث في طلب لبنان وقف بناء الجدار الإسرائيلي على حدوده الجنوبية ودخول اسرائيل على خط ملف التنقيب عن النفط والغاز في المياه اللبنانية عبر إعلانها ان «البلوك 9» هو من «حصّتها»، علماً أن هذين البنديْن إلى جانب «المناخ الحربي» التصاعُدي من جانب الدولة العبرية ضد لبنان واتهامه بأنه بات «مصنع صواريخ إيرانية» سيحضر في اجتماع المجلس الأعلى للدفاع يوم غد في القصر الجمهوري.
وقبل ساعات من «لقاء القصر»، وتحت وطأة هذه العناوين التي ستَحْضر بقوة على الطاولة، بدا مستبعداً ان يفضي اجتماع الرؤساء الثلاثة الى تفاهمات كاملة في شأن كيفية إدارة السلطة في ضوء الخلاف الكبير الذي وقع بين عون وبري حول مرسوم منْح سنة أقدمية لضباط دورة 1994 في الجيش والذي شكّل الخلفية المباشرة لـ «الأزمة الخطيرة» التي انفجرتْ الأسبوع الماضي بين رئيس البرلمان ورئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية (صهر عون) جبران باسيل الذي وصف بري بـ «البلطجي» مهدّداً بـ «تكسير رأسه»، والتي سرعان ما تمدّدت الى الشارع عبر احتجاجاتٍ لمناصري حركة «أمل» (يتزعّمها بري) لم تنتهِ إلا بعدما كادت أن «توقظ الفتنة» الطائفية وفي أعقاب اعتذار عنها من بري قبل ان يبادر رئيس الجمهورية الى الاتصال به ويَجري التفاهم على «قمة بعبدا» اليوم.
وما يعزز فرضية الا ينتهي اجتماع اليوم بأكثر من «تنظيم خلاف» الاعتبارات الآتية:
* ان الصراع المستحكم حول المرسوم ومن خلفه الصلاحيات الرئاسية والتوازنات الطائفية يتجاوز مشكلة المرسوم نفسه ليطاول نقاطاً جوهرية هي أشبه «بمعارك استباقية» حول حكومة ما بعد الانتخابات، وتحديداً حقيبة المال التي أطلق المكوّن الشيعي إشاراتٍ الى رغبته في تكريسها له، مع تثبيت ضرورة توقيعها في السلطة التنفيذية على كل المراسيم إلى جانب «ختْم» رئيسيْ الجمهورية المسيحي والوزراء السني.
* ان أزمة بري – باسيل «عُلِّقتْ» ولم تطوَ نهائياً في ضوء استمرار مطالبة فريق رئيس البرلمان باعتذار وزير الخارجية علناً ولو من اللبنانيين، قبل ان تتمدّد هذه الأزمة في اتجاه «حزب الله» الذي وجد نفسه في مرمى مواقف متدرّجة لرئيس «التيار الحر» بدءاً من تأكيده قبل أسابيع ان لا خلاف ايديولوجياً مع اسرائيل «ونعترف لها بحق الوجود وان تعيش بأمان»، وصولاً الى تشكيله «رأس حربة» المتصدّين لموقف الحزب حيال رفْض عرض فيلم the post (تحت عنوان رفض التطبيع مع اسرائيل)، وصولاً الى «فتحه النار» على أحد ركنيْ الثنائية الشيعية، اي بري، قبل ان تتبلور أكثر في حديث صحافي نُشر له (باسيل) قبل أيام مرتكزات «الخلاف الداخلي» مع «حزب الله»، حين اعلن أن «هناك قرارات يتخذها الحزب في الموضوع الداخلي لا تخدم الدولة، وهذا ما يجعل لبنان يدفع الثمن، وان بنداً أساسياً هو بناء الدولة في وثيقة التفاهم لا يطبَّق بحجة قضايا السياسة الخارجية».
وشكّلت هذه المواقف لوزير الخارجية، والتي تأتي عشية الذكرى 12 لتفاهم تياره مع «حزب الله» في 6 فبراير 2006، محط علامات استفهام كبرى لم تخفف من وطأتها تأكيدات باسيل الثبات على التحالف مع الحزب في بُعده الاستراتيجي، وسط إيحاءات بأن ثمة حسابات داخلية وأخرى خارجية وراء تمايزات رئيس «التيار الحر».
* ان المشكلة بين بري والحريري والتي بدأتْ على خلفية توقيع الأخير مرسوم الأقدمية رغم عدم اقترانه بتوقيع وزير المال (حالياً شيعي)، لم تُعالَج بل ان رئيس البرلمان حرص على تأكيد استمرارها عشية لقاء القصر حين أوحى بأنه يرفض حضور رئيس الحكومة، الأمر الذي اعتبرتْه أوساط سياسية في سياق المضي في «زكزكة» الحريري وإحراجه تجاه بيئته، لافتة الى ان رئيس البرلمان يدرك قبل غيره انه لا يمكنه ان يحدد لرئيس الجمهورية مَن يدعو أو لا يدعو، ناهيك عن ان مثل هذه الايحاءات تشكل إساءة لموقع رئاسة الحكومة كما رئاسة الجمهورية.