تحقيق رولان خاطر
بات استخدام الأسلحة النارية وإطلاق الرصاص الحي في الأعراس والأتراح من الظواهر المتفشية والعادات السيئة في لبنان. فلإطلاق الرصاص اماكن محددة يمكن زيارتها، لكن من يقدمون على هذه الفعلة عشوائياً، عادة ما يتباهون بالحصول على “نشوة” ليست متوفرة للجميع، غير مبالين بالضرر الذي يلحق بالآخرين، أقله إرعابُ الآمنين في بيوتهم، وصولا إلى وقوع ضحايا نتيجة هذا الفعل اللامسؤول، علما أن السلاح وجد لأسباب محددة ومعروفة عالمياً واستخدامه في غير وجهته ومكانه الصحيح يعود بالضرر على الجميع.
من المهم أن يشعر كل من يريد إطلاق الرصاص في المناسبات أنه بذلك قد يودي بحياة انسان بريء فإما يكون أباً أو شابا في ربيع العمر أو أما او طفلا، وبالتالي هذا ما يتطلب وجود رادع يوقف أي متهور عند حدّه.
فمن ينسى مثلا حادثة بتغرين في تموز 2017 عندما حصل إطلاق نار في حفل زفاف، ادى الى اصابة شاب من آل مجاعص ببطنه.
ومن يعيد مثلا الفتاة الصغيرة بتينا رعيدي التي ذهبت ضحية رصاصة طائشة مصدرها جنازة قريبة من منزلها الكائن في منطقة جبيل أواخر آذار 2017.
ومن يعوّض على الطفل ساري سلّوم (3 سنوات) الذي كاد ان يموت برصاصة طائشة دخلت عنقه لتخرج من الظهر في منطقة دير كيفا في قضاء صور. والطفل حسين العرب (15 عاماً)، الذي أصيب بطلق ناري في صدره في منطقة برج البراجنة، أثناء إعلان نتائج الانتخابات البلدية لعام 2016. وخلال مباريات كأس العالم التي جرت عام 2014، سقط أحد الشبان أثناء مشاهدة الاحتفالات بفوز المنتخب الألماني على نظيره البرتغالي بعد إصابته برصاصة طائشة في بلدة عرمون.
أمثلة كثيرة ولكن الحل موجود اذا توفرت الارادة!
وفي ظل الغياب الفعلي لاجراءات السلطة السياسية في هذا المجال، عمدت جمعية حركة السلام الدائم إلى إطلاق حملة توعية بشأن مخاطر إطلاق النار خلال الاحتفالات والأحداث، حملت عنوان “لأفراح بتضج البلد” – اوّل شركة لبنانية بتقّوص بالأعراس.
كيفية عمل الجمعية
الحملة تتواصل مباشرة مع الرأي العام. أول إنطلاقة لها كانت في الـ2017، خلال معرض الأعراس “ويدينغ فوليز ٢٠١٧” الذي أقيم في البيال. عملت الجمعية على إنشاء شركة وهمية داخل المعرض حملت عنوان Eleguns – “لأفراح بتضج البلد”.
وقام متطوعون من الجمعية ومن خلال منصة خاصة، بتسويق وعرض خدمة إطلاق الرصاص الابتهاجي في الأعراس على الزوار، وتتضمن الخدمة، أنواع ومواصفات الأسلحة المستعملة بالإضافة إلى عرض الملف الشخصي للفرقة ليتسنى لهم اختيار الشخص المناسب.
ولقد أرادت الجمعية من خلال هذه الخطوة إحداث صدمة ايجابية عبر جذب المهتمين بالسلاح في خطة وهمية لتعاود في نهاية العرض إبراز سوء استخدام الأسلحة وإطلاق الرصاص العشوائي، وانعكاساته السلبية ومساوئه على الغير والمخاطر البيئية والجسدية والمادية التي يمكن أن تنتج من إطلاق الرصاص في الهواء.
رئيس “حركة السلام الدائم” فادي أبي علام، تحدث لـIMLebanon عن الجهود التي تقوم بها الجمعية لمكافحة ظاهرة اطلاق الرصاص العشوائي.
فأشار إلى ان المحطة الأخيرة كانت في البقاع في الكاسكادا- شتورا، في معرض للأعراس، حيث حاولت الجمعية تنبيه كل المواطنين الذين التقتهم من مخاطر اطلاق الرصاص العشوائي وخصوصا في الأعراس والمناسبات، وتأثيره اقتصادياً وبيئياً والخطر الذي ينجم عنه على حياة الأفراد، إلا أنه كشف عن مصادفتهم صعوبة كبرى، نتيجة الثقافة والتقاليد التي تطبع أهالي الأرياف.
فبالنسبة لهؤلاء الأمر مرتبط بعادات وتقاليد ورثوها. فمن يطلق النار هو شخص مهم، وبالتالي لا يعيرون أهمية لأمور مثل انتهاك القانون او حقوق الانسان لأن إطلاق الرصاص من التراث والتقاليد لديهم.
وبحسب أبي علام فإن كل ما يعود للضرر على الانسان يجب ان نتخلص منه، ولو كان في تقاليدنا، لأنه جانب سيء من تقاليدنا.
ويوضح أن ظاهرة اطلاق الرصاص جذورها تعود إلى حقبة الحرب اللبنانية، لتنتشر بعدها بكثافة في لبنان، وخصوصا ما بعد العام 2005. وهذه الظاهرة موجودة ليس فقط في لبنان، إنما تنتشر ايضا في العراق وسوريا واليمن والأردن. هي عادات وتقاليد المجتمع الشرقي، ضمن معادلة “مجتمع ذكوري يساوي سلاح يساوي بطولة”.
هذا الموضوع اذا ليس موضوع البارحة، والحملة كبيرة وإن لا يُتوقع منها تغييرا جذرياً بطريقة سريعة، إلا انها مستمرة، بحسب أبي علام، الذي أشار مثلا إلى أنه نتيجة جهودهم، لم يحصل أي اطلاق رصاص على رأس السنة في مخيم عين الحلوة.
بعد شهادة “البريفية” لعام 2017، “ولعت” الارض في لبنان، وأوقفت القوى الأمنية على أثرها نحو 70 شخصا سرعان ما تم الافراج عنهم بسبب تدخلات سياسية او من قبل رؤساء بلديات ومخاتير، لذلك، تم في السراي الحكومي وضع وثيقة وقّع عليها رئيس الحكومة سعد الحريري أولا، وعدد كبير من رؤساء البلديات والمخاتير، يؤكدون من خلالها التزام القانون والتوعية في هذا المجال.
اذا هناك رعاية اساسية من قبل رئاسة الحكومة لهذه الحملة، والتعاون وثيق مع المجتمع المدني، إلى كل القوى الأمنية من جيش وجمارك وامن دولة وأمن عام وقوى أمن داخلي وغيرهم، إلى القطاع الخاص والمدارس، وصولا إلى رجال الدين، حيث تم أخيرا زيارة البطريرك الماروني لاطلاعه على ما تقوم به الحملة، وضرورة تدخل رجال الدين وتعاونهم في عملية التوعية. وستستكمل الجمعية زياراتها إلى كل المرجعيات الدينية في لبنان، والأكاديمية والاعلامية، خصوصا ان الجسم الاعلامي يحاكي ثقافة المجتمع.
التوعية
لهذا الموضوع جانبان، قانوني وثقافي.
قانونيا، ان إطلاق الرصاص العشوائي يرتب مسؤوليات وعواقب نص عليها القانون، من خلال المرسوم الاشتراعي الرقم 137 الصادر عام 1959 الذي تم تعديله العام الفائت في تشرين الأول 2017، حيث شكل جزءا من عملية الحماية.
إذ يعاقب القانون مطلق الرصاص بالسجن لمدة تتراوح بين 6 أشهر و 3 سنوات، وغرامة تعادل من 8 إلى 10 أضعاف الحد الأدنى للأجور، في حين أن الشخص الذي يتسبب في الوفاة جراء طلق ناري يحكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات كحد أدنى، وغرامة تتراوح بين 20 و 25 مرة من الحد الأدنى للأجور. ومن العقوبات، مصادرة السلاح وحرمانه صاحبه ايضا من حمل السلاح.
إلى جانب اهمية تعميم القانون، يرى أبي علام أن العمل على الثقافة والسلوكيات اهم بكثير من القانون، بغض النظر عن أهميته. لذا المطلوب العمل على إدراك الناس ووعيهم للوصول إلى نتيجة وإلى مجتمع آمن. علما أن فكرة “البيال” كانت فكرة مميزة جذبت الناس. وقد سجل الفيلم على مواقع التواصل أكثر من 600 الف مشاهدة.
لذا فإن ما حصل عمل كبير، وسنتابعه بحسب ما اكد ابي علام.
إطلاق الرصاص بطبيعة الحال انتهاك فاضح لهيبة الدولة. وقد سجل العام 2017 خلال 4 أشهر فقط، أي في 120 يوما 90 ضحية جراء الرصاص العشوائي.
أمام هذا الواقع الصعب، يستخلص مما تقدم، أن كل فرد مسؤول على تعميم فكرة الحملة ومنهجها. وذلك من اجل إحداث تغيير نوعي في المفهوم الثقافي والسلوك الاجتماعي للناس، والمساهمة في الحد من إطلاق النار العشوائي في المناسبات، وتوسيع البيئة الرافضة لمطلقي النار. هذا إضافة إلى التوعية على مخاطر اطلاق الرصاص، والمساعدة في تفعيل دور المؤسسات الرسمية في القيام بواجبها لمنع هذه السلوكيات.