كتبت هيام القصيفي في صحيفة “الأخبار”:
لم يطوِ اللقاء بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري أسباب الخلاف بين الطرفين، وليس المقصود هنا مرسوم الاقدمية. ففي وقت كثرت فيه عبارات ملتبسة لوزير الخارجية جبران باسيل، وتعددت اتجاهاتها، لم يعد ممكناً القفز فوقها على قاعدة أنها فقط أخطاء في التعبير. لذا بدأ البحث الجدي عمّا هو خلف هذه المواقف التي ظهرت وكأنها غير مقصودة، في حين تضاعفت شكوك أطراف سياسيين حول حقيقتها.
ثمة كلام سياسي جدي حول نصائح أسديت قبل مدة للعهد وللتيار الوطني الحر خصوصاً بضرورة الابتعاد عن قوى 8 آذار عموماً وحزب الله، بصورة تدريجية. لا يعني ذلك أن التيار مقبل على الانفصال عن تفاهمه مع الحزب أو أن رئيس الجمهورية سيشنّ حرباً عليه. لكن مسار الأداء السياسي للعهد والتيار يظهر منسجماً مع هذه النصائح الدولية والاقليمية، التي صبّت في اتجاه الابتعاد عن المحور الذي قد يتسبّب لهما، وخصوصاً للتيار الذي يرسم مستقبله السياسي بخطوات تصاعدية، في مشكلات إقليمية ودولية.
لم يكن سهلاً التعامل مع هذه النصائح بين ليلة واخرى، خصوصاً بعدما وقعت أزمة استقالة الرئيس سعد الحريري وتبعاتها مع السعودية. لكن الاقتناع بالنأي بالنفس بمعناه الاقليمي والدولي قد يكون أصبح حقيقة واضحة للتيار والعهد، وشعاراً يحاول باسيل التماهي معه، في أكثر من نقطة، الأمر الذي يجعل مراجعة مواقفه في ضوء هذا الكلام ضرورية، لأنها حينها تعطي منحى آخر.
يمكن قراءة مسار العهد وتياره في ضوء هذه النصائح من خلال أمرين؛ أولاً، العقوبات على حزب الله، والمنحى التصاعدي الذي من المتوقع أن تتخذه في ظل كلام عن إعادة تنشيط حملة أميركية ــ دولية ضده. والعقوبات لن تكون محصورة بعدد من الإجراءات المصرفية التي يمكن للحزب أن يتحايل عليها بالتنسيق مع القطاع المصرفي، وبعض المسؤولين عنه، أو من خلال زيارات لبنانية محدودة الأهمية الى واشنطن، بل المقصود تضييق الخناق على الحزب فعلياً، في إطار قصّ أجنحته الاقليمية. وعلى هذا الاساس أُلحقت النصائح الغربية بضرورة «النأي الجدي بالنفس»، عن كل مشكلات المنطقة، سواء تلك التي للحزب دور فيها مباشرة أو غير مباشرة. وهذا النأي ينسحب حتى على الداخل اللبناني بحيث يحيّد العهد نفسه عن كل ما يلحق الأذى باستقرار الوضع الداخلي لأسباب اقليمية، أو داخلية بحت.
ثانياً، من خلال إعادة رسم مسار الاشهر الاخيرة، يمكن تلمس أهمية الخلفية التي أتى منها رئيس الجمهورية ميشال عون، وحجم التمثيل الذي يعطيه شرعية أي موقف يتخذه. والمقارنة بين الرئيس الحالي بصفته التمثيلية وتلك التي كان يتمتع بها الرئيس السابق ميشال سليمان، حين تحدث عن «ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة بالمعادلة الخشبية»، تؤدي الى فهم الإطار الذي يحمي عون وباسيل، بشرعيتهما «المسيحية»، في خوض أي معركة داخلية أو خارجية، عكس ما كان عليه وضع سليمان. فما قاله باسيل علناً أو يقوله بعض من في الحكم همساً، لم يكن ليمر لو لم يكن قائله هو باسيل نفسه، الذي سبق أن أشاد به علانية الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بنفسه، ولو لم يكن باسيل هو الذي يمثل أكبر حزب مسيحي، مهما كانت النظرة «الشخصية» اليه. وليس من السهل التعامل مع رئيس للجمهورية ووزير للخارجية، في قضيتين حساستين، كما حصل أخيراً، من دون النظر الى مكانتيهما وما يمثلان. لذا يفهم أسلوب ردّ الفعل السياسي عليهما، من جانب حزب الله، وأيضاً بمكان ما بري، بروية وبتأنّ، لأن أي تصرف ملتبس كان سيقلب الواقع الحالي في شكل جدي. فبقدر أهمية هذا الغطاء التمثيلي، الذي بفضله يستطيع الرجلان أن يقفزا فوق محظورات كثيرة محلية وإقليمية، تكمن قوة الإحراج الذي يمكن أن يتسبّب فيه للأطراف السياسيين الآخرين من أصدقاء وخصوم على السواء، لا سيما في مرحلة حساسة إقليمياً يحتاج فيها الحزب الى حماية داخلية. وهذه الحماية يفترض أن تأتيه من العهد، في عزّ التجاذب بينه وبين الحريري حول قضايا متشابكة.
وفق ما سبق، بدأت دائرة الحديث تكبر جدياً عن إمكان تغيّر المشهد الانتخابي. فمن تحالف خماسي قبل أشهر، الى احتمالات معكوسة، لا تستبعد إمكان تشكيل التيار الوطني الحر تحالفات مع المستقبل والقوات اللبنانية، في إنتاج جديد لمشهد التحالفات التي جرت قبل انتخابات عام 2005. والحوارات الانتخابية في هذا المجال تسير نحو تقاطعات من هذا النوع قبل أن تتبلور نهائياً في الاسابيع المقبلة، خصوصاً في ضوء رغبة السعودية في تجميع القوى المناهضة لحزب الله في تحالف واحد. وقد يكون تقارب التيار والمستقبل والقوات يصبّ في هذا الإطار غير المعلن، فيسعى مجدداً الى تعزيز وضعيته وموقعه التمثيلي، بما يحصّنه مستقبلاً، علماً بأن عون نفسه كان يرفض، في عزّ علاقته مع حزب الله، أن يقول عن التيار إنه من قوى 8 آذار، بل كان يصرّ دائماً على التمييز بأن التيار حليف لقوى 8 آذار.