كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: دَهَم المشهدَ اللبناني أمس توتّر مفاجئ أطلّ من الحدود الجنوبية مع إسرائيل و«سابَقَ» المهمّة التي وصل من أجلها نائب مساعد وزير الخارجية الاميركي ديفيد ساترفيلد إلى بيروت والرامية إلى استكشاف إمكان بلوغ «تسوية» بين بيروت وتل أبيب حول النزاع الحدودي البري والبحري، الذي اكتسب أبعاداً خطرة في ضوء قرار القوات الاسرائيلية بناء جدار مع لبنان وصولاً الى تهديدات وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان التي زعم فيها ملكية بلاده للبلوك النفطي رقم 9.
وفيما كان ساترفيلد، السفير الأميركي السابق لدى لبنان والذي كان من أبرز الذين واكبوا ترسيم «الخط الأزرق» (خط الانسحاب الذي وضعته الأمم المتحدة العام 2000 بهدف التحقق من الانسحاب الإسرائيلي) بين لبنان واسرائيل يستكمل لقاءاته في بيروت مع كبار المسؤولين، لاحتْ في الأفق «رياح ساخنة» راوحتْ التقديرات بين كونها في سياق محاولة فرْض أمر واقع من جانب إسرائيل لتحسين موْقعها «التفاوضي» عبر واشنطن ولا سيما مع إعلان وزير طاقتها يوفال شتاينيتس «أننا مستعدون لقبول وساطة مع لبنان حول حدود المياه الاقتصادية بيننا»، أو في إطار توجيه تل أبيب الرسائل إلى واشنطن حول «الخطوط الحمر» التي تحكم تَعاطيها مع ملف الحدود البحرية والبرية.
وفي هذا السياق جاءت المعلومات التي أفادت أن الجيش الاسرائيلي بدأ أمس ببناء الجدار الاسمنتي في رأس الناقورة وسط استنفار إسرائيلي كبير، وهو ما اعتُبر تحدياً مباشراً لبيروت كما لقوة «اليونيفيل» العاملة في جنوب لبنان.
ذلك ان الأنباء عن مباشرة بناء الجدار الذي يفترض ان يمتدّ حتى قبالة بلدتي العديسة / كفركلا شرقاً وبطول نحو 48 كيلومتراً تزامنتْ مع إعطاء لبنان، عبر «المجلس الأعلى للدفاع» الذي اجتمع برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، أمس، «الغطاء السياسي للقوى العسكرية لمواجهة اي اعتداء إسرائيلي على الحدود في البر والبحر»، مؤكداً «أن الجدار الإسرائيلي في حال تشييده على حدودنا يعتبر اعتداء على سيادتنا وخرقاً للقرار 1701»، انطلاقاً من اعتبار بيروت أن هذا الجدار يشمل 13 نقطة تتحفظ عنها عند «الخط الأرزق» وستعني إقامته تالياً قضْم أراضٍ لبنانية، ناهيك عن أن من شأنه تغيير الحدود البحرية غير المرسّمة أصلاً ما يهدّد لبنانيّة بلوك نفطي عاشر يؤكد لبنان أنه يقع في منطقته الاقتصادية الخالصة.
كما أن «مباشرة العمل» الاسرائيلية أتت بعد يومين مما خلص إليه الاجتماع الذي عُقد بين قوة «اليونيفيل» وضباط لبنانيين وإسرائيليين في موقع للأمم المتحدة على معبر رأس الناقورة، والذي أكد حسب بيان صدر عن القوة الدولية أن «أي نشاط بالقرب من الخط الأزرق ينبغي ألا يكون مفاجئاً، بحيث يتم الإخطار عنه بشكل مسبق وكافٍ لإتاحة المجال للتنسيق من جانب الأطراف، وذلك لتجنب أي سوء فهم ومنع وقوع الحوادث».
ولم يتأخّر المناخ المحتدم في الانعكاس على زيارة ساترفيلد الذي كان أطلق إشارات تَمايُز عن ليبرمان خلال مشاركتهما في مؤتمر حول الأمن في تل أبيب حين أطلق وزير الدفاع الاسرائيلي تهديداته حول البلوك 9، ولا سيما بكلام الديبلوماسي الأميركي حول إصرار واشنطن على الاستمرار بدعم الجيش اللبناني الذي «قد يعمل جيداً كقوة موازنة أمام رغبة (حزب الله) في توسيع نفوذه هناك وأمام تأثير إيران في لبنان».
وكاد هذا المناخ، الذي قفز إلى الواجهة قبل 48 ساعة من موعد توقيع لبنان عقوداً مع ائتلاف شركات دولية هي «توتال» الفرنسية و«ايني» الايطالية و«نوفاتيك» الروسية للتنقيب عن النفط والغاز في الرقعتين 4 و9 في المياه الاقليمية اللبنانية، أن يحجب العناوين الأخرى التي شكّلت محور محادثات ساترفيلد في بيروت والتي تناولتْ في جانب منها العقوبات الأميركية على «حزب الله» والانتخابات النيابية ودعم لبنان في المؤتمرات الثلاث الدولية المرتقبة في روما وباريس وبروكسيل.
واعتُبرت محطة الديبلوماسي الأميركي توطئة للزيارة البارزة التي سيقوم بها وزير الخارجية ريكس تيلرسون لبيروت منتصف الشهر الجاري من ضمن جولة إقليمية تشمل مصر والأردن وتركيا، الى جانب حضوره الاجتماع الوزاري لـ «التحالف الدولي ضد الإرهاب» الذي تستضيفه الكويت في 13 من هذا الشهر، على ان تركّز محادثاته مع المسؤولين اللبنانيين على التطورات المستجدة بين بيروت وتل أبيب ومخاطر أي هزّ للاستقرار، إضافة الى ملف «حزب الله» سواء في شقّ العقوبات التي تفرضها بلاده عليه أو في ما يتّصل بأدواره الاقليمية، وصولاً الى المخاوف الدولية من إمساكه بالأكثرية البرلمانية في الانتخابات النيابية المقررة في 6 مايو المقبل.
ولاحظتْ أوساطٌ سياسية مطّلعة أن «ارتفاع المخاطِر» من المقلب الاسرائيلي تَرافق داخلياً مع إطفاء الأزمات المتوالدة التي كانت استعرتْ في الأسابيع الماضية على جبهة رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان نبيه بري، الأمر الذي سيتيح للبنان أن يكون صوتاً واحداً في وجه التحديات الماثلة من ملفّ الحدود البرية والبحرية مع اسرائيل، والذي سيحضر أيضاً اليوم على طاولة مجلس الوزراء الذي سينعقد على وهج «الهبة الباردة» التي لاحتْ من القمة الثلاثية التي عُقدت اول من امس في القصر الجمهوري وجمعت عون وبري ورئيس الحكومة سعد الحريري، وخلصت الى تفاهُمات على تنظيم الخلافات وإيجاد تسويات لمشكلات محدّدة بما يسمح بالذهاب الى الانتخابات النيابية والى المؤتمرات الدولية بأجواء «آمنة»، وتالياً إرجاء «جوهر الأزمة» على خط رئاستيْ الجمهورية والبرلمان والتي تُخفي صراعاً حول الصلاحيات والتوازنات الطائفية عبّر عنه خصوصاً «الكباش» حول التوقيع الشيعي على مرسوم منْح سنة أقدمية لضباط دورة 1994 في الجيش بوصْفه «ميثاقياً» تمهيداً لتكريس هذه الحقيبة للمكوّن الشيعي.
وفي حين وجدت «أزمة المرسوم» طريقها إلى الحل على قاعدة «لا غالب ولا مغلوب»، أي بدمْجه مع مرسوم الترقيات، وتوقيعه من قبل الوزراء المعنيين مساء أمس، فإن ترجمة أخرى لـ «قمة بعبدا» يُنتظر أن يشهدها مجلس الوزراء اليوم عبر تعديل المادة 84 من قانون الانتخاب لتعليق العمل بالبطاقة الممغنطة لمرة واحدة تفادياً لأي طعن بنتائج الانتخابات.