كتبت غريتا صعب في صحيفة “الجمهورية”:
في ١٤ تموز ٢٠١٥ توصلت الجمهورية الاسلامية الايرانية الى اتفاق مع الصين وفرنسا والمانيا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي للحد من برنامجها النووي وتجميده لمدة خمسة عشر عامًا مقابل تخفيف وطأة العقوبات.
قد يؤدي الاخلال بالاتفاق النووي الى إرسال اشارة سيئة الى كوريا الشمالية التي تسعى الدبلوماسيه للحد من برنامجها النووي . وكان الاتحاد الاوروبي قد حذّر الولايات المتحدة من العواقب التي قد تنجم عن الانسحاب من الاتفاق مع ايران.
ويظل الاتحاد الاوروبي ملتزمًا التنفيذ الكامل للاتفاقية حسبما قالته فريديريكا موغريني الممثلة الاعلى في الاتحاد الاوروبي والتي اضافت ان رفع العقوبات المتصلة بالاسلحة النووية لها تأثير ايجابي على العلاقات التجارية والاقتصادية مع ايران بما في ذلك المنتفعات بالنسبة للشعب الايراني.
وفي بيان مشترك قالت الدول الاعضاء ان JCPOA joint Comprehensive Plan of Action جاء تتويجا لـ ١٢ سنة من الدبلوماسية من اجل عدم انتشار السلاح النووي وجعل العالم اكثر امانًا ومنع سباق التسلح النووي في المنطقة.
الآن جاء الاختلاف في الرأي بين الولايات المتحدة والدول الاخرى الموقعة على الاتفاق، وهذا الامر مهم للغاية لأنه يضع على المحك مجمل الاتفاقية مع ايران والتي وصفها ترامب بأنها «اسوأ صفقة في التاريخ» وحسبه ومع العديد من النقاد انه يعطي ايران الكثير مقابل القليل جدًا، وان ايران ما زالت تدعم جهات فاعلة مثل نظام الأسد وحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن والجماعات الفلسطينية المسلحة. والاهم من ذلك انه وفي العام ٢٠٢٥ تستطيع ايران إعادة مزاولة اعمالها النووية.
لكن ايران والاوروبيين قالا انه لا يمكن اعادة النظر في الاتفاقية، وان ايران ملتزمة حرفيًا بها وهذا ما اكده مفتشو الوكالة الدولية للطاقة النووية التي تتخذ من ڤيينا مقرًا لها. وحسب مجريات الامور، فإن ايران واوروبا معها غير مستعدين لاعادة التفاوض في شأن هذه الصفقة. وحسب الاوروبيين هذا انجاز عظيم للدبلوماسية وحلّ لأزمة كان يمكن ان تؤدي الى حرب.
لذلك، فان وجهات نظر الاوروبيين تختلف عن ترامب وحسبهم ان هذه الاتفاقية استطاعت تجديد النشاط الاقتصادي في ايران، وسمحت بعودة كبرى الشركات الاوروبية، وعززت المجتمع المدني، وساهمت الى حد بعيد في فك عزلة ايران الاقتصادية من خلال اتفاقيات وقعتها ايران مع شركة ايرباص لشراء ٧٣ طائرة نفاثة، ووقّعت على اتفاق مماثل بقيمة ٢٠ مليار دولار لشراء ١١٠ طائرة من شركة بوينغ الاميركية، وزادت الصادرات الالمانية الى ايران بما يزيد عن ٢٦ بالمائة في العام الماضي.
ويقال ان الشركات البريطانية في صدد التعامل مع ايران في اتفاقيات تبلغ قيمتها ٦٠٠ مليار دولار خلال العقد القادم مما يعني ان كل هذه الاتفاقيات معرضة للخطر في حال حاول ترامب وادارته تجديد العقوبات، وأمر بفرض عقوبات جديدة على طهران.
لذلك حاول الاوروبيون عبر الدبلوماسية توجيه رسالة واضحة الى ترامب مفادها ما يلي:
١- ان الاتفاقية مع ايران تعمل وبشكل جيد.
٢- الاتفاق ليس ثنائيا، انما هو متعدد الاطراف (بما يعني ان الولايات المتحدة ليس في استطاعتها التفرّد بقرارها بشأنه).
٣- الاتحاد الاوروبي سيبذل كل ما في وسعه للتأكد من ان الاتفاقية ستبقى.
وقال السفير الالماني Wittig في هذا المجال ان التجارة ليست السبب الوحيد الذي من اجله تريد اوروبا المحافظة على JCPOA انما هناك امور عدة اخرى سيما الأمن الاقليمي بالاضافة الى الأمن العالمي. كما حثّ Wittig الولايات المتحدة على البقاء في هذه الاتفاقية لأنه، واذا ما انسحبت، سوف تخسر بلا شك فرصة الرصد والتفتيش… وهذا يعني خسائر فادحة، والأمر في هذا المجال بديهي لأن العالم سوف يواجه عندئذ دولتين نوويتين رئيسيتين في الوقت نفسه.
لذلك، تبدو اوروبا وكأنها تقاوم ترامب في محاولاته اتخاذ تدابير اكثر صرامة مع ايران، وهذا القلق مبرّر سيما وان الرئيس الاميركي استخدم الاحتجاجات في ايران سببًا في اعادة فرض الولايات المتحدة عقوبات عليها، وربما محاولة الغاء اتفاقية متعددة الاطراف الامر الذي لن يرضى عنه الاوروبيون مطلقًا.
لذلك، تبدو اوروبا حازمة على الالتفاف حول ترامب ومحاولاته الغاء الاتفاقية النووية مع ايران، وفي هذا بدأت فرنسا تقديم ائتمانات للمستثمرين الايرانيين للبضائع الفرنسية حسب «رويترز»، بهدف زيادة التجارة دون انتهاك العقوبات الاميركية ضد ايران. كذلك تحاول حكومات اوروبية اتباع هذه الخطة، الامر الذي سيغضب حتمًا الرئيس الاميركي الذي ما زال يهدد بالانسحاب من الاتفاقية النووية.
قد تكون اجندة عمل ترامب ليست كما هو ظاهر للعيان لذلك فانه ما زال يحاول الالتفاف على الاتفاقية بمختلف الوسائل والذرائع من اجل تقويضها الامر الذي رفضه الايرانيون رفضًا قاطعًا، سيما وان ايران ملتزمة حرفيًا تطبيق الاتفاقية والخوف من ان العقوبات على ايران قد تؤدي الى عزل الولايات المتحدة، سيما وان الاجراءات الاخيرة التي اتخذتها الادارة والكونغرس يمكن ان تعرّض المصالح الاقتصادية الاميركية من الوصول الى اسواق جديدة مما ينتج عنه تصدع بين الولايات المتحدة وحلفائها الاوروبيين، كذلك خطر فقدان الكثير من الفرص مع الاسواق الايرانية.
وقد يحصد الاوروبيون مزيداً من الأسواق، لذلك قد يكون على ترامب إيجاد خيارات أخرى لمواجهة التهديد النووي الايراني بشكل لا يضر بالمصالح الاقتصادية للشركات الاميركية او جعل اوروبا تختار بين الشراكة والنمو الاقتصادي. والأوروبيون يرون في ايران مجالًا واسعًا للاستثمار وفي مختلف المجالات.
لذلك يبدو ترامب وحيدًا في هذا المجال واعادة فرض عقوبات سوف يضر حتمًا بالشركات الاميركية والتحالفات ويؤدي الى عزل اميركا دوليًا ولن يساعد في تصحيح اي خلل في الاتفاقية الدولية.