كتب رحيل دندش في صحيفة “الأخبار”:
غرف مستشفى الهرمل الحكومي وأروقته يملؤها الذباب وتعبق برائحة النفايات المحترقة. إدارته تعتمد سياسة «النوافذ المغلقة» حتى في عزّ الصيف القائظ. «منيح بعد في ناس بتجي لهون»، يقول سيمون ناصر الدين، رئيس مجلس إدارة المستشفى الذي يجاور المكب الذي أقيم «مؤقتاً» منذ أكثر من 12 عاماً.
في الطريق الى المكبّ، وقبل نحو كيلومتر من الوصول اليه، رائحة نتنة تثقل الهواء وتخنق الأنفاس، وأسراب من الذباب الأسود. مع الاقتراب أكثر، تبدأ «طلائع» النفايات بالظهور في تجمّعات صغيرة على جوانب الطريق. المكبّ عبارة عن حفرة ضخمة يتصاعد منها دخان النار التي «تعسّ» طوال الوقت، وتحلّق فوقها أسراب من طيور «القاق» (الغراب الأسود)، أو «طير الموت» كما يصفه سكان المنطقة هنا، كونه يتغذّى على «الفطايس». كلاب شاردة «ترعى» بين أكوام النفايات، وبينها نفايات طبية على ما تشير الأكياس الزرقاء المتناثرة في أرجاء الموقع.
في أيلول 2015، وجّه وزير الصحة السابق وائل أبو فاعور كتاباً الى وزارة الداخلية ومحافظ بعلبك ـــ الهرمل بشير خضر بضرورة وقف العمل في المكب «فوراً ونهائياً»، لقربه من المستشفى الحكومي، منعاً للأضرار الصحية الناجمة عنه ولمخالفته القوانين والأنظمة المرعية الإجراء، وعدم استيفائه للشروط الصحية والبيئية. وبالفعل، أعلن خضر تنفيذ القرار «بالتنسيق الكامل مع بلدية الهرمل». رغم ذلك، لا يزال المكبّ مفتوحاً على مصراعيه أمام عشرات الشاحنات التي تنقل اليه يومياً نحو 30 طناً من النفايات، ولا تزال نفاياته تُحرق وتُطمر كيفما اتفق، من دون أن تلوح أي بوادر نوايا جدية لدى بلدية المدينة أو أي من الوزارات المعنية لحلّ هذه المشكلة وتداعياتها البيئية والصحية.
الأخطر في المكبّ «المؤقت» هو وقوعه في الحوض الايكولوجي لنهر العاصي، الشريان الحياتي والاقتصادي الرئيسي للمدينة. إذ أن الطمر العشوائي للنفايات من دون فرز أو معالجة، ناهيك عن استخدام المكبّ للتخلص من حمولات شاحنات «شفط» الجور الصحية، سيؤدي الى تسرب عصارة النفايات ومياه الصرف الصحي الى المياه الجوفية، بما يهدّد بتلوث النهر الذي تضم ضفّتاه عشرات المقاهي والمطاعم ومزارع تربية سمك الـ«ترويت» التي تعتاش منها مئات العائلات.
رئيس بلدية الهرمل صبحي صقر أكّد لـ«الأخبار» أن «التواصل جارٍ مع مجلس الإنماء والإعمار، وبالتنسيق مع الوزارات المعنية، للبحث عن أرض جديدة يجري فيها الفرز والطمر وفقاً للمعايير الصحية والبيئية». في انتظار ذلك، تبدو البلدية مستسلمة أمام خيار وحيد: الطمر العشوائي. يقول نائب رئيس البلدية عصام بليبل إن «لا مكان آخر تؤخذ إليه النفايات، وإذا ألغينا هذا المكب ستبقى الزبالة في الشوارع»، لافتاً إلى أن النفايات مكدسة لأن البلدية «لم تحفر جورة جديدة. ونحتاج بعض الوقت للتلزيم والحفر من جديد لأننا دخلنا سنة جديدة». فيما يؤكّد صقر، من جهته، أن «النفايات المكدسة وروائحها النتنة ستختفي قريباً بعد إصلاح الجرافة التي تتولّى عملية الطمر»! أما في ما يتعلق بالتخلص من النفايات الطبية في المكبّ، فشدّد على أن كلاً من مستشفى الهرمل الحكومي ومستشفى البتول متعاقدان مع شركة متخصصة بجمع هذا النوع من النفايات، مرجّحاً أن النفايات الموجودة في المكبّ «قد تكون قادمة من مناطق أخرى». وقال إن البلدية «ستفتح تحقيقاً في الأمر، وستخصّص حراسة للموقع».
وزير الصناعة حسين الحاج حسن قال لـ«الأخبار» إنه سيعقد قريباً ورشة عمل لحماية نهر العاصي. وأكد أن نفايات الهرمل ستُرحّل إلى بعلبك، بعدما أُعيد تأهيل معمل الفرز هناك إثر تعرّضه لحريق مفتعل في أيلول 2016. وأوضح ان المعمل الذي سيعاد افتتاحه الشهر الجاري سيستوعب نفايات المنطقة تدريجياً، ومنها نفايات مدينة الهرمل.
من جهته، رئيس بلدية بعلبك العميد حسين اللقيس، أوضح لـ«الأخبار» أن معمل الفرز الكائن شمال شرقي المدينة يستوعب بعد إعادة تأهيله 150 طناً من النفايات يومياً، «وخلال أيام قليلة سيبدأ باستقبال نفايات بعلبك والقرى المجاورة لفرزها ونقلها إلى محلة الكيّال لطمرها هناك». وأوضح أن القرى التي وقّعت عقوداً مع بلدية بعلبك لاستقبال نفاياتها وفرزها، هي: شمسطار، النبي شيت، بيت شاما، حوش الرافقة، دورس، نحلة، مقنة، والعين. هذه جميعها قرى وبلدات في قضاء بعلبك. ماذا عن الهرمل غير الموجودة على اللائحة؟ يجيب اللقيس: «من الممكن لاحقاً، عندما تزيد الطاقة الاستيعابية للمعمل، أن يستقبل نفايات المناطق الأبعد». ولفت الى أن مشروع توسيع المعمل لرفع طاقته الاستيعابية الى 250 طناً يومياً وحفر مطمر الى جانبه لزّمه مجلس الإنماء والإعمار بتمويل من الاتحاد الأوروبي، وهو يحتاج إلى 18 شهراً حتى ينجز. بعدها، «من الممكن»، بحسب اللقيس، وليس مؤكداً، أن يكون لنفايات الهرمل نصيب من معمل بعلبك. وحتى ذلك الوقت، ليس أمام بلدية الهرمل، على ما يبدو، سوى أن تطمر وتحرق… وتمارس الانتظار!