كتبت سابين الحاج في صحيفة “الجمهورية”:
يتعلّم الطفل البخل، أو يميل إلى التبذير، أو ينشأ قادراً على التحكّم بمصروفه وإدارة نفقاته بحكمة ووعي منذ سنواته الأولى. فعادات الصرف يكتسبها في صغره، وهو قد ينسخ نموذج أهله أو ينتفض عليه فلا يشبههم بطريقة إدارته للمال.
يؤكّد الخبراء أهمّية التحدَّث عن المال أمام الطفل. فلا يجب أن يكون تناول موضوع المصروف والمدخول من التابوهات في بيوتكم، لأننا نعيش في مجتمع مادّي ترتدي فيه العملة أهمية كبرى، وتشكّل جزءاً لا يتجزّأ من حياتنا ومستقبل الأبناء والبنات. وعلى الأهل تعريف طفلهم على النظام المجتمعي القائم على العمل من أجل كسب المال وصرفه لشراء الحاجات، وتوضيح قيمة المال له.
نجاح إدارتكم للمال أمام الطفل أساسية
تُظهر دراسات أنّ قدرة الشباب والشابات على إدارة أموالهم ترتبط مباشرةً بتعويد أبائهم وأمهاتهم لهم على إنفاق المال بشكل سليم في فترة الطفولة، وكذلك يإدراكهم حقيقة وضع أُسرهم المالي. ها هو سامر (25 عاماً)، نشأ وتربّى في بيت يُعرف بوفرة المال فيه ولكن أيضاً ببخله.
كان والده مضرب مثل بين أبناء القرية في التمسّك بكل فلس من فلوسه، حتّى إنّ أخبار بخله كانت تنتشر على كل شفة ولسان. مارس بخله على عائلته وكل مَن صادفه، ولم يكن يقبل أن يعطي أولاده في فترة طفولتهم أيَّ مال ليصرفوه على هواهم. بعدما كبر سامر وبات يجني المال، يصرف بطريقة واهية، لا يدّخر فلساً واحداً، لا بل يراكم على نفسه الديون، ويجد لكل ليرة منفذ ليصرفها وكأنه يعوّض على نفسه وغيره كبت كل تلك السنوات حين منعه والده من أيِّ صرف.
من جهتها، تعلّمت صديقته إيمان (24 عاماً) عادات الصرف الصحيحة من أهلها، فهي تتقاضى راتباً مقبولاً وتتحكّم بمصروفها حتّى تتمكّن من شراء حاجياتها والتمتع بحياتها، فهي ليست بخيلة ولا مبذرة.
لماذا أعطي المال للطفل؟
إعطاءُ المال للطفل ليس ضرورة ملحّة، إلّا أنه عادة تكتسب الكثير من الحسنات. حصول الطفل على المال في صغره يُشعره بالاستقلالية ولكن أيضاً بالمسؤولية، كما يعلّمه حسنَ إدارة نفقاته لشراء حاجياته، والادّخار لابتياع غرض ثمين يتمنّاه. علماً أنّ امتلاك الطفل للمال يحضره لخوض الحياة حيث للمال أهمية كبيرة.
كيف أعطي المال للأطفال؟
هناك مَن يعطون المال لأطفالهم أسبوعياً أو شهرياً وبانتظام، بينما ينتظر آخرون المناسبات ليقدّموا لهم مبلغاً أكبر من المال. ونلحظ أنّ العديد من الأهالي يمنحون المال لأولادهم مقابل خدمات يقومون بها في البيت، أو بسبب نجاحهم وتفوّقهم في المدرسة.
في هذا الإطار، ينصح الخبراء الأهل بإعطاء المال لأطفالهم بشكل منتظم أكان أسبوعياً أو مرة في الشهر أو خلال الأعياد… وأن يحترموا التزاماتهم فلا يعدوا الطفل ولا يفوا بوعودهم. وفي هذا السياق، يشير الخبراء إلى أهمية عدم دفع المكافآت المالية للطفل مقابل علاماته المدرسية، إذ لا يجب أن تدفعوا له ثمن نجاحه وتفوّقه في المدرسة. أيضاً، يؤكّد الخبراء أنّ مصروف الجيب ليس وسيلة للثواب والعقاب، فلا تعاقبوا الطفل أو تكافئوه بمصروفه.
كما أنّ مصروف الجيب ليس راتباً، وإنما أداة لمساعدة الأطفال على تعلّم كيفية إدارة أموالهم. إنّ دفع بعض الآباء المال لولدهم كمكافأة لقاء مشاركتهم في الأعمال المنزلية، يعطي الطفل فكرة خاطئة عن مفهوم الأسرة، إذ من واجب أفرادها مساعدة بعضهم البعض في الأعباء المنزلية.
حسب عمره
حدّدوا القيمة المدفوعة للطفل وحجمها ومدى تواترها حسب عمره وزيدوها مع الوقت. علماً أنه من الضار أن تعطوه كثيراً من المال، بل يمكنكم تكييف المبلغ المدفوع بانتظام مع حاجياته.
بين سن 4 و5 أعوام: يجب تعليم الطفل أنّ لكل شيء ثمناً، وأنّ هناك أشياء ضرورية للعيش كالسكن والطعام والطاقة، وأشياء أخرى غير ضرورية لكنها تُسعدنا مثل الرحلات والألعاب والحلويات. فاشرحوا لطفلكم أنكم تحبون وظيفتكم، لكنكم أيضاً تعملون لتجنوا المال وتشتروا به حاجات الأسرة.
في سنوات الدراسة الأولى: إحرصوا على أن يبدو الحديث عن المال مع أطفالكم عفوياً، وتجنّبوا الحديث بتشاؤم. وكما تعلّمون الطفل في هذا العمر أهمية المال علّموه أيضاً أهمية المحافظة على الأشياء. فإذا كان الطفل يهوى تكسير كل لعبة تجلبونها له، ليطالب بغيرها، أخبروه قصصاً عن أطفال لا يملك أهلهم المال لشراء الألعاب لهم.
وبالتالي تُفهمون ولدكم بأن لا يكسر ألعابه لأنه تمّ شراؤها بالمال ولها قيمة، وأيضاً بأنّ آخرين محرومون من امتلاكها. أخبروا طفلكم أيضاً لماذا تطفئون الأنوار عند مغادرة الغرفة، ولماذا تغلقون صنبور المياه جيداً…
بعد سن السابعة: يحب أن يملك الطفل المال ليصرف بنفسه، خصوصاً مع وجود دكان في المدرسة يشتري منه المأكولات، ومع بروز رغبته في دفع ثمن ثيابه وحاجياته. من الضروري أن يُشعر الأهل الطفل بأنّهم مستعدون لدعمه، بإعطائه مصروفاً أسبوعياً يديره بنفسه بحرّية، ومسؤولية. اتّفقوا مع الطفل على النفقات التي سيغطّيها المصروف. وساعدوه في تخطيط الإنفاق، لكن لا تبالغوا في مساعدته.
فسّروا له كيفية استخدام المال
عندما يحصل الطفل على المبلغ، يصبح هذا المال له، ويمكن أن يستخدمَه كما يريد تحت إشراف ومراقبة الأهل. فليس مستحبّاً أن يتدخّلوا ليمنعوه في كل مرة يريد شراء غرض يتمنّاه، إن لم يكن هذا الشراء مضرّاً له.
واعلموا أنّ فرض قيود صارمة على الطفل والتحكّم في طريقة إنفاقه، يحرمانه من التدرب على ممارسة التخطيط وإدارة أمواله والإنفاق بنفسه. ولكن، من المهم أن يكون الأهلُ صارمين فلا يعطوه المزيد عندما ينتهي ماله، قبل موعد القبضة المقبلة، وأن يشجعوه على الادّخار ليشتري هدية أحلامه.
إشراكه بأحوالكم
إلى ذلك، مِن حقّ الطفل أن يعرف حقيقة وضعكم المالي وما أنتم قادرون على توفيره وما يتخطّى قدراتكم الشرائية. لا تشعروا بالذنب عندما تقولون له إنكم لا تستطيعون شراء شيء أراده، فذلك يجعله يدرك ما الذي تستطيع الأسرة تأمينَه له. وإذا كنتم تواجهون مصاعبَ مالية، أخبروا الطفل بذلك، لكن لا تقلقوه، ولا تردّدوا يومياً على مسامعه مشكلات صعوباتكم المالية.