كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: شكّل الحفل الرسمي الذي أقيم أمس في بيروت وتمّ خلاله توقيع اتفاقيتيْ الاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز في البلوكين 4 (شمالاً) و9 (جنوباً) الواقعيْن ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان حدَثاً حَمَلَ أبعاداً تجاوزتْ كونه إشارة دخول البلاد نادي الدول النفطية ليوجّه رسالة قوية، برسْم اسرائيل بالدرجة الأولى، بأن لا تَراجُع عن حقّ لبنان باستثمار ثروته النفطية الكامنة «من دون موافقة» مسبقة من أحد وأنه يتمسك بحقه فيها مستنداً الى موقفٍ داخلي جامِع تتسلّح به السلطات الرسمية لإطلاق «حملة ديبلوماسية» تجاه المجتمع الدولي للردّ على مزاعم تل أبيب الأخيرة بامتلاكها الرقعة رقم 9.
وجاء حفل التوقيع الرسمي مع ائتلاف شركات «توتال» الفرنسية و«إيني» الايطالية و«نوفاتيك» الروسية والذي جرى في «البيال» بحضور رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي أعلن «اننا حققنا اليوم حلماً كبيراً»، وكبار الشخصيات السياسية وحشد من الوزراء والنواب والسفراء العرب والأجانب، على وقْع الوساطة التي اضطلع بها نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد ساترفيلد خلال زيارته لبيروت في محاولةٍ لإيجاد حلّ للنزاع بينها وبين تل أبيب حول الحدود البرية والبحرية، وهو النزاع الذي قَفَز الى الواجهة في الأيام الأخيرة بعد مباشرة الدولة العبرية بناء جدار فاصل على الحدود الجنوبية للبنان وإطلاق مسؤولين كبار فيها تصريحات حول ملكيتها للبلوك 9، الأمر الذي قابَلتْه السلطات اللبنانية بإعطاء تعليمات للقوى العسكرية والأمنية بالتعامل مع أيّ اعتداءٍ على الأرض اللبنانية بما يلزم وبكل الوسائل المتاحة.
وبعدما حدّد لبنان الرسمي «لاءاته» حيال أي تَنازُل عن متر من أرضه او شبر من مياهه، وهو ما كان سيعنيه ملامسة الجدار الفاصل نقاطاً على «الخط الأرزق» يتحفّظ عنها لبنان وامتدادها عند الخط البحري للمنطقة المتنازَع عليها (مساحتها حوالي 860 كيلومتراً مربعاً يقع البلوك 9 بمحاذاتها ولا تشملها أعمال التنقيب)، يتكىء الآن على الوساطة الأميركية لتبريد مناخ التوتر الذي رافق بدء اسرائيل أعمال بناء الجدار وادعاء ملكية البلوك 9 والذي أتخذ منحى أكثر خطورة مع «الأجواء الحربية» التي أشاعتْها الدولة العبرية تحت عنوان منْع «حزب الله» من الحصول على أسلحة كاسرة للتوازن وتحويل لبنان «مصنع صواريخ كبير لإيران».
ولا شك في ان توقيع الاتفاقيتيْن يوم امس مع ائتلاف الشركات الفرنسية والروسية والايطالية عنى بالنسبة الى لبنان قفْل الباب أمام أي تشكيك بملكيته للبلوك 9، إلا ان مصادر سياسية توقفت أيضاً في هذا السياق عند عدم انسحاب الشركات الثلاث من «السباق النفطي»، الأمر الذي يؤشر الى غطاء دولي يمكن ان تستفيد منه بيروت في «المقارعة الديبلوماسية» مع تل أبيب.
ولاحظتْ هذه الأوساط ان ساترفيلد الذى التقى أمس في بيروت وزير الداخلية نهاد المشنوق ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع عاين على الأرض الواقع عند «الخط الأرزق» حيث باتت مساحة «نصف متر» تشكّل «الخيط الرفيع» الذي يفصل بين مفاقمة التوتر وانفتاحه على شتى الاحتمالات وبين إبقائه مضبوطاً، حيث ما زالت اسرائيل تواصل عملية البناء من دون المساس حتى الساعة بالنقاط التي يتحفّظ عنها لبنان على الخط الأزرق، وهو ما من شأنه أن يساعد واشنطن في وساطتها بين بيروت وتل أبيب التي أبلغتْ الى الديبلوماسي الأميركي ان لا نية لديها للقيام بخطوات استفزازية حيال لبنان.
ورأتْ الأوساط نفسها ان مهمّة نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي والتي سيستكملها ريكس تيلرسون في بيروت منتصف الشهر الجاري من ضمن جولته في المنطقة لا يمكن حصْرها بملف النفط، ولا سيما ان المطّلعين على أجواء محادثات ساترفيلد أشاروا الى أنها تناولتْ مسألة «حزب الله» وسلاحه وخصوصاً داخل منطقة القرار 1701 ووجوب ضمان الدولة اللبنانية التزامه بالنأي عن التدخل في شؤون دول عربية وتوسيع هامش مشاركة الجيش اللبناني في القرار الاستراتيجي، وسط معلومات عن ان رئيس الديبلوماسية الأميركية سيبلْور خلال زيارته للبنان موقف بلاده الحازم حيال «حزب الله» باعتباره الذراع العسكرية الأبرز لإيران التي يشكّل نفوذُها «وُجهة المواجهة» الرئيسية بالنسبة الى واشنطن التي تواصل تشديد الخناق المالي على الحزب عبر عقوباتٍ بات «شبحُها» يؤرق أطرافاً عدّة في بيروت.
ولا يمكن عزْل التحرّك الأميركي تجاه لبنان عن مجمل الحِراك الذي كثّفتْه واشنطن من ضمن استراتيجيّتها الجديدة للتعاطي مع أزماتِ المنطقة و«حرب النفوذ» فيها والتي تشكّل سورية مسْرحاً رئيسياً لها، في ظلّ أجواء تشير الى ان تيلرسون سيرْسم «الممنوع والمسموح» في سياق هذه الاستراتيجية بما يعني ان محاذير أيّ غطاء رسمي او سياسي لـ «حزب الله» ستتضاعف وقد ترتّب تداعياتٍ لن يعود معها ممْكناً «الاحتماء» بسياسة «ما باليد حيلة» ولا سيما اذا حملتْ الانتخابات النيابية المقبلة المحددة في 6 مايو نتائج لمصلحة إمساك الحزب بالأكثرية في البرلمان العتيد مع حلفائه.
وفي حين برز «تصويب» حزب الله على مهمة ساترفيلد في بيروت من خلال كلام وزيره محمد فنيش الذي أعلن انه «في رأينا كحزب، الاميركيون لا يمكن ان يؤدّوا دوراً إيجابياً لأنّ اسرائيل لا تُقدِم على ايّ فِعل من دون اخذِ ضوءٍ اخضر اميركي»، فإن الأسبوع الطالع في لبنان يفترض ان يشهد اجتماعات تحضيرية لمؤتمر روما لتسليح الجيش اللبناني والقوى الأمنية، في موازاة إحياء «تيار المستقبل» يوم الاربعاء الذكرى 13 لاغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري والتي ستتخلّلها كلمة منتظرة لرئيس الوزراء سعد الحريري ستشكّل صفارة الانطلاق الرسمية لمعركة الانتخابات النيابية.
وكان لافتاً أمس غياب الحريري بداعي السفر عن احتفال توقيع اتفاقيتيْ النفط في «البيال» وقبْله عن القداس الاحتفالي لمناسبة عيد مار مارون الذي أقيم في الجميزة بحضور عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري والذي ترأسه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي.
وبرز على هامش القداس عدم حصول اي مصافحة بين بري ورئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل (صهر عون) في تأكيدٍ على ان «فض الاشتباك» الذي حصل قبل ايام بين رئيسيْ الجمهورية والبرلمان لم ينسحب على باسيل الذي كان وجّه في فيديو سُرّب له كلاماً مسيئاً الى بري على خلفية أزمة الأخير مع عون.