انتقل لبنان بعد سنة وبضعة أشهر من انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية في الواحد والثلاثين من تشرين الأول 2016 من مرحلة “العهد القوي” إلى مرحلة “الترويكا”، ولكن في ظل وصاية جديدة يمارسها على الأرض، باسم إيران، حزب الله. وتمت عملية الانتقال بعد العراضات المسلّحة التي قامت بها حركة أمل الشيعية في مناطق مختلفة من بيروت وضواحيها.
وجاءت تلك العراضات التي شملت هجوما على المقر الرئيسي لــ”التيار الوطني الحر” في إحدى ضواحي بيروت ردّا من “أمل” على الكلام الصادر عن وزير الخارجية جبران باسيل (رئيس التيّار) الذي وصف رئيس مجلس النواب نبيه برّي بأنّه “بلطجي”.
ومعروف أن برّي هو رئيس حركة أمل وقد اضطر رئيس الجمهورية بعد كلام باسيل إلى الاتصال ببرّي في خطوة اعتبرت خروجا عن البروتوكول وذلك من أجل تهدئته ووقف انتشار عناصر “أمل” في أنحاء مختلفة من بيروت، خصوصا في مناطق فاصلة بين أحياء مسيحية وأخرى شيعية.
واعتبرت أوساط سياسية لبنانية لصحيفة “العرب” اللندنية أن رئيس مجلس النوّاب، الذي زار القصر الرئاسي في بعبدا الثلاثاء الماضي للاجتماع بعون في حضور رئيس مجلس الوزراء السنّي سعد الحريري، نجح في توجيه رسالة واضحة إلى رئيس الجمهورية.
وقال سياسي لبناني إن فحوى هذه الرسالة أن لا وجود لشيء اسمه “العهد القوي” الذي “يسعى إلى استعادة حقوق المسيحيين”، كما يقول أنصار عون على رأسهم صهره جبران باسيل، بل ما يوجد في لبنان هو “الترويكا الحاكمة”، أي قيادة جماعية تضمّ رئيس الجمهورية الماروني ورئيس مجلس النوّاب الشيعي ورئيس مجلس الوزراء السنّي.
وذكرت الأوساط السياسية أن عودة الوفاق بين الرؤساء الثلاثة جاءت بعد أن فهم رئيس الجمهورية فهما جيّدا مضمون رسالة رئيس مجلس النواب التي تعيد البلد سنوات إلى الخلف حين كان الحكم يمارس عن طريق “الترويكا”، ولكن بوجود جهة خارجية تلعب دور الحكم بين الرؤساء الثلاثة حين يدبّ أي خلاف، من أيّ نوع، بينهم.
وأشارت في هذا المجال إلى أن ما كان يعرف بالوصاية السورية حتّى العام 2005، تاريخ اغتيال رفيق الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان، حلت محله الآن وصاية إيرانية يمارسها على الأرض حزب الله.
ولاحظت أن حزب الله نجح إلى حدّ كبير في إعادة الوفاق بين عون وبرّي وذلك لإثبات أن هناك مرجعية لـ”الترويكا”، على غرار ما كان معمولا به في عهد حافظ الأسد في سوريا، ثمّ في عهد ابنه بشّار ابتداء من السنة 2000 التي كان فيها إميل لحّود في موقع رئيس الجمهورية، علما أنّ إميل لحّود كان في موقع من وضع نفسه كلّيا في خدمة الأسد الابن، إضافة إلى استعداده لتلبية أي مطالب لـ”حزب الله” بالتنسيق مع الجهات السورية المعنية.
واعتبرت الأوساط السياسية اللبنانية أن نبيه برّي يمتلك حساسية شديدة تجاه كلّ من يتحدّث عن “العهد القوي” في لبنان. وقالت إن رئيس مجلس النواب، الذي يتزعّم بدوره ميليشيا مذهبية مسلّحة منتشرة في أماكن مختلفة من بيروت وضواحيها، يعتبر أن عبارة “العهد القوي” دفنت في السادس من شباط 1984، عندما طرد المسلّحون التابعون له بمشاركة عناصر من “الحزب التقدّمي الاشتراكي” الذي يتزعمه وليد جنبلاط الجيش اللبناني من بيروت الغربية ذات الأكثرية المسلمة، وذلك بدعم سوري وفلسطيني وفرّته فصائل تعمل لدى الأجهزة السورية.
وتكفلت “انتفاضة السادس من شباط” وقتذاك بتغيير طبيعة بيروت الغربية. فمن مدينة ذات طابع سنّي – مسيحي يفضل الأجانب الإقامة فيها… إلى مدينة تتحكّم بالسلم الأهلي فيها ميليشيات شيعية ما لبثت أن طورت نفسها مع صعود نجم “حزب الله” الذي تحوّل هذه الأيّام إلى الوصي الفعلي على البلد والمتحكم بالعلاقة بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النوّاب.