كتب ايليا ج. مغناير في صحيفة “الراي” الكويتية:
أسقطتْ دمشق أول طائرة إسرائيلية (أف – 16) منذ عقود لتغيّر قواعد اللعبة والاشتباك مع إسرائيل وتوجّه رسالة واضحة بأنها مستعدّة للحرب ولم تعد تخشاها. وقد استوجب ذلك استنفاراً كاملاً للجيش السوري وحلفائه في سورية ولبنان، ما يدل على قرارٍ مسبق وتخطيط مؤكّد أن المواجهة أصبحتْ لا بد منها إذا قرّرتْ إسرائيل دخول الحرب، وأن قرار ردْعها عن استباحة الأجواء السورية اتُخذ أيضاً في إشارةٍ واضحةٍ للقيادة الإسرائيلية بأن الأجواء السورية لم تعد نزهة.
ومن الواضح أيضاً أن روسيا – رغم كل ما ستقوله في الإعلام – على علمٍ بالقرار السوري لأنها هي مَن تزوّد سورية بالأسلحة المضادة للطائرات وهي التي ترى أي طائرة إسرائيلية آتية أو حتى محلّقة فوق إسرائيل ولبنان وسورية، وهي التي تعلم أن سورية تطلق الصواريخ (وليس صاروخاً واحداً) ضدّ الأهداف الطائرة الاسرائيلية.
ومن مصلحة روسيا ألا ترى حرباً على الأراضي السورية حيث تتواجد قواتها على الأرض وفي مياه البحر المتوسط، وبالتالي فإن من حق روسيا التدخل نظراً الى وجودها رسمياً على الأراضي السورية بطلبٍ واتفاق مع حكومة دمشق. وكذلك، كدولة عظمى، من مصلحتها وقف التوتر الحاصل على الحدود الجنوبية السورية.
ولكن من مصلحة موسكو أيضاً أن تدْفع سورية للردّ على إسرائيل وإصابة طائرة لها خصوصاً بعدما اتهمت روسيا واشنطن بتزويد المسلحين التابعين لـ«فيلق الشام» – الذين يقاتلون مع تنظيم «القاعدة» في إدلب ومحيطها – بصواريخ مضادة للطائرات ما أدى الى إسقاط الطائرة الروسية فوق إدلب ومقتل قائدها بعدما أحاط به المسلّحون.
وقد حصل كل ذلك بعد يوم واحد من تحرير كل المنطقة الممتدة بين أرياف حلب وحمص وحماة والتي تمتدّ على اكثر من 1200 كيلومتر مربّع من تنظيم «داعش»، ما أعطى الحرية لأكثر من خمسة عشر ألف ضابط وجندي من الجيش السوري والوحدات الخاصة الذين كانوا يعملون على هذه الجبهة. وهذا يدلّ على أن دمشق – التي عاشت وتَعايشتْ مع الحرب لأكثر من 6 سنوات – أصبحتْ جاهزة لخوض معركتها مع اسرائيل حيث أثبتت تجارب الحرب اللبنانية الثانية العام 2006 أن سلاح الطيران لا يعطي التفوّق ولا ينهي الخصم وأن الآلاف من الصواريخ التي استلمتْها سورية من روسيا وايران تستطيع توجيه ضربة كبرى لإسرائيل في حال الحرب.
ولا يَخفى أيضاً إعلان زعيم «حزب الله» اللبناني السيد حسن نصرالله ان «الجبهة الجديدة ستمتدّ من الناقورة الى الجولان المحتلّ وان عشرات الآلاف من القوات الصديقة من دول الجوار وغيرهم سيشاركون في الحرب المقبلة». وهذا يعني ان «حزب الله»، الذي استنفر كل قوّته في لبنان وسورية استعداداً لأيّ ردّ اسرائيلي، مستعدّ للحرب والدخول في خضمّها إذا أرادتْ تل أبيب التصعيد. ولكن يبدو أن تل أبيب لا تريد الحرب اليوم لأنها مرتبكة ولا تعرف الى أين ستؤدي بها هذه الحرب في وقتٍ جبهتُها الداخلية غير مستعدة ولا جيشها في وارد الانغماس في معركة غير محسوبة النتائج.
والدليل على التخبط الاسرائيلي أنه جرى أولاً إعلان أن «طائرة من دون طيار إيرانية اخترقتْ الأجواء الاسرائيلية»، وذلك في محاولة من اسرائيل لإصابة هدفيْن: أولاً اتهام إيران بالوقوف خلف التصعيد، وثانياً أن تحاول إخفاء الحقيقة في اللحظات الأولى للواقعة، لتعود لاحقاً وتعلن أن «طائرة قد سقطت وأن الطياريْن بخير»، قبل ان تؤكد أخيراً ان عشرات الصواريخ أُطلقت على الطائرة الـ «اف 16» أثناء تحليقها فوق السخنة السورية لتُسْقِطها قرب كريات عطا شرق حيفا، ما يؤكد أن إسرائيل كانت تتخبّط إزاء ما حصل وأنها تَفاجأتْ برد الفعل السوري وبنتائجه. بينما كانت سورية في المقلب الآخر تتحدى إسرائيل وتبحث عن المعركة عندما أعلنت أنها أَسقطتْ أكثر من طائرة اسرائيلية لتجابه تل أبيب بنبْرةِ تَحدٍّ بأنها مستعدّة للإكمال نحو الحرب.
ولكن ماذا جرى بالضبط؟
تقول مصادر ميدانية قيادية ان القيادة المشتركة نصبت كميناً لسلاح الجو الإسرائيلي بإرسال طائرة من دون طيار استطاعت خرق الأجواء الإسرائيلية مرات عدة، نحو الساعة الـ 3.40 دقيقة فجراً، وهذا ما استدعى تدخل سلاح الجو الاسرائيلي الذي وقع في استدراج من دون أن يعلم أن صواريخ الدفاعات السورية كانت بانتظاره.
وكشفت المصادر لـ»الراي» أنه لم تطلق صواريخ «سام 5» أو «إس 200»، كما ذكرت بعض التحليلات، بل صواريخ متقدمة أرض – جو أصابت الطائرة الاسرائيلية فوق الأراضي الحدودية وعلى إصبع الجليل. وقد سقط صاروخ سوري في الأراضي اللبنانية الحدودية مما يدل على أن الطائرة كانت تحلق على الحدود حين أصيبت.
ويعد هذا تطوراً لافتاً وخطيراً، لم يسبق له مثيل منذ العام 1973، حسب المصادر.
أجواء الحرب التي تسيطر على المنطقة تصاعدتْ غداة توقيع لبنان عقد الاستثمار النفطي مع ائتلاف شركات من ايطاليا وفرنسا وروسيا في البلوكيْن 9 و4، وذلك رغم اعتراض اسرائيل على هذا الاستثمار ومحاولة أميركا التدخل والوساطة الفاشلة. ولكن إسرائيل ايضاً – عدا عن انها غير مستعدة لجبهة طويلة من الناقورة الى الجولان – فهي أيضاً تستثمر النفط وتريد ان تنعش اقتصادها.
إلا أن الحروب تبدأ من أخطاء ومن تحديات حتى ولو كانت الأطراف غير جاهزة للتصعيد. والمنطقة في حال غليان والحرب السورية لم تنتهِ فصولها حيث تتواجد قوى عظمى في تَناحُر وتَسابُق على مصالحها ودفاع عن أصدقائها وتحارب بالمباشر والوكالة. واليوم، الباب السوري لا يقدّم فقط «باب الحارة» ولكن يقدّم أيضاً «باب الحرب الشاملة» إذا لم ينكفئ الأطراف عن التصعيد والتصعيد المتبادل.