كتب بوفسور جاسم عجاقة في صحيفة “الجمهورية”:
مع توقيع عقود إتفاقيتي النفط والغاز في 9 شباط الجاري، أتمّ لبنان خطّوة إضافية في مسيرة إنضمامه إلى نادي الدول النفطية. وإذا كانت المداخيل المالية لن تتدفقّ قبل عشرة أعوام، إلا أن الإستفادة الإقتصادية تبدأ من تاريخ البدء بالتنقيب.
في حفل مُميّز على مستوى التنظيم والحضور، وقّع لبنان رسميًا إتفاقيتي التنقيب عن الغاز والنفط في البلوكين 4 و9 مع كونسرتيوم الشركات الثلاث إيني الإيطالية، توتال الفرنسية ونوفاك الروسية.
جاء هذا التوقيع في ظل تهديدات إسرائيلية مُبطّنة لهذه الشركات أرسلها وزير الحرب الإسرائيلي ليبرمان الذي إعتبر في تصريح أن البلوك رقم 9 هو ملك إسرائيل.
يأتي توقيع العقود كردّ واضح من الحكومة اللبنانية على هذه التهديدات ولكن أيضًا كردّ من قبل الشركات التي يبدو أنها حصلت على تطمينات من قبل حكوماتها بعدم تعرّض منشآتها لعدوان من قبل العدو الإسرائيلي.
بحسب الإتفاقيتين، من المُتوقّع أن يبدأ التنقيب عن الغاز في البلوكين 4 و9 في العام 2019، وبالتالي فإن إستخراج الغاز (الذي يُعتبر الثروة النفطية الأساسية في البحر) لن يبدأ قبل 9 أعوام من الأن بحسب التعقيدات التقنية والسياسية (مع العدو الإسرائيلي).
وهذا يعني أن المداخيل المالية من الثروة النفطية لن تكون قبل الإستخراج على عكس الإقتصاد اللبناني الذي سيستفيد حكمًا من القطاع النفطي وذلك مع بدء كونسورتيوم الشركات التنقيب عن النفط.
القطاعات الداعمة
أول المُستفيدين من القطاعات الإنتاجية اللبنانية تبقى القطاعات الداعمة وتشمل تقريبًا كل أنواع الخدمات نذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر:
- قطاع النقل: ينصّ قانون العمل الدولي للعاملين في البحر على أن العامل لا يُمكن أن يمكث على منصّة إستخراج نفط أكثر من 60 يومًا ليقوم بعدها بقضاء فترة شهر على اليابسة قبل أن يعود مُجدّدًا إلى البحر.
وهذا يعني أن شركات النفط بحاجة إلى شركات نقل بحري لنقل عُمّالها من وإلى منصّات إستخراج الغاز في عرض البحر. لكن النقلّ البحري لا يقتصرّ على نقل العُمّال فقط بل يطال النقل اللوجستي من أكل ومياه للشرب وقِطع غيار للمُعدّات وغيرها.
أيضًا، وفي حال حصول أي حادث لأحدّ العمّال في البحر، هناك حاجة لنقله جويًا بواسطة هليكوبتر مما يعني الحاجة إلى شركات نقل جوّي.
على اليابسة، الحاجة إلى النقل البرّي تطال قبل كل شيء نقل العمّال من المرفأ إلى أماكن السكن والعكس. كما أن العديد من الإمدادات اللوجستية سيتوجّب نقلها برًا إلى المرفأ ليتمّ بعدها نقلها بحرًا إلى المنصة.
- السكن والمأكل: إن العمّال الذين سيتمّ نقلهم إلى اليابسة بحاجة إلى مأوى لقضاء شهر أقلّه، وهذا يعني أنه يتوجّب بناء مسكن لهؤلاء العُمّال وإطعامهم وتقديم خدمات ترفيهية لهم. وبالتالي يتوجّب خلق شركات تؤمّن مثل هذه الخدمات لعمّال الشركات النفطية.
- صيانة المُعدّات: إن المنصّات البحرية مثل أي مصنع على اليابسة بحاجة إلى صيانة لمُعداتها وإلى قطع غيار لهذه المُعدّات. وبالتالي هناك حاجة إلى وجود شركات تؤمّن هذا النوع من الخدمات إضافة إلى تأمين قطع الغيار لهذه المُعدّات (أنابيب…)
- تدريب وتأهيل: فرض دفتر شروط التلزيم الذي أقرّه مجلس الوزراء في كانون الثاني 2017، أن يكون 80% من اليد العاملة هي يد عاملة لبنانية. وبالتالي هناك حاجة لوجود مراكز تدريب تؤمّن تدريب وتأهيل للعمّال وبالتالي تكون مُكمّلة لمهام الجامعات التي بدأت ببرامج تأهيل لمهندسين وأخصائيين في مجال الجيولوجيا والنفط والصناعات البتروكيماوية.
- خدمات إدارية وتكنولوجية: من الطبيعي أن تكون هناك حاجة للشركات النفطية إلى مراكز تؤمّن لها خدمات إدارية (مع الدوّلة) وتكنولوجيا (إنترنت وغيرها). هذا الأمر يفرض وجود شركات لها القدرة على تأمين هذا النوع من الخدمات.
دور الدولة
من ناحية أخرى، هناك خدمات يتوجّب على الدولة اللبنانية تأمينها للشركات النفطية عبر الشراكة بين القطاع العام والخاص وعلى رأسها البنى التحتية مثل سكك الحديد التي تربط الجنوب بالشمال، والطرقات التي يتوجّب إيجاد حلول عملية لها للسماح لمئات الشاحنات والسيارات التي سيفرضها عمل الشركات النفطية إن مباشرة أو غير مباشرة (القطاعات الداعمة).
وبالتالي، يتوجّب على الحكومة اللبنانية إصدار المرسوم التطبيقي لقانون الشراكة بين القطاع العام والخاص وبدء مناقصات لشركات تستطيع بناء سكك حديدية وتوسيع تأهيل طرقات.
هذا الدور يجب أن يتواكب وسياسة ضريبية تحفيزية للشركات خصوصًا الصغيرة والمُتوسّطة الحجم منها لأن مثل هذه الشركات تسمح بخلق فرص عمل كثيرة.
الصناعة التحويلية
إن القطاعات الآنفة الذكر ستستفيد بشكل تلقائي بمجرّد أن تبدأ الشركات النفطية التنقيب عن الغاز. لكن بعض القطاعات مثل الصناعات التحويلية ستكون في مرحلة إنتظار للبدء بالإستخراج:
مصافي الغاز والنفط: بالطبع إن إستخراج الغاز والنفط ستفرض على الدوّلة اللبنانية وجود مصافٍ للغاز والنفط. وهذا الأمر يجعل من الشراكة بين القطاع العام والخاص السبيل الوحيد لإمتلاك مثل هذه المصافي التي ستُنعش خزينة الدوّلة وتخلق آلاف فرص العمل.
تسييل الغاز الطبيعي: إن نقل الغاز داخل لبنان و/أو تصديره إلى الخارج يفرض وجود معامل تسييل لهذا الغاز لتحويله إلى سائل وبالتالي نقله بحرًا أو برًا (بغياب أنابيب لنقل الغاز إلى الأسواق العالمية). ومعامل التسييل مقسومة إلى نوعين منها ما هو ثابت موجود على اليابسة ومنها ما هو عائم عادة ما يكون على بواخر. لذا من الضروري أن يكون هناك شركات تستطيع تأمين هذا النوع من الخدمات.
خزّانات إستراتيجية: من المنطقي القول أن لبنان وعند بدء إستخراج الغاز والنفط بحاجة إلى خزّانات يكون لها بعد إستراتيجي إن عبر تأمين مخزون للسوق اللبناني على فترة طويلة أو عبر إستخدام هذه الخزّانات للتخزين المؤقت. لذا يتوجب وضع خطّة لإنتقاء الأماكن لهذه الخزّانات والشروع في بنائها عبر الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
الصناعات البتروكيماوية: من المعروف أن بعض المُشتقات النفطية والغازية (فضلات المصافي) يتمّ إستخدامها في تصنيع البلاستيك وغيرها من المواد التي يستهلكها السوق اللبناني أو حتى السوق العربي مثل أنابيب البلاستيك وغيرها. لذا هناك إلزامية على الدولة اللبنانية لتشجّيع هذا القطاع لأنه يُعتبر الحجر الأول في بناء صناعات ثقيلة في لبنان.
هذه القطاعات قادرة على خلق أكثر من 5000 شركة وأكثر من مئة ألف وظيفة شرط عدم تدخّل الدوّلة في هذه القطاعات والإكتفاء بالتشريع والتنظيم والمراقبة. كما أن مبدأ الشفافية في تعاطي الدولة يجب أن يكون واضح المعالم خصوصًا في مناقصات الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
في الختام، لا يسعنا القول إلا أنه لا يُمكن للبنان الإستفادة من الثروة النفطية إلا بإشراك العدد الأكبر من اللبنانيين في العملية الإقتصادية، لأنه وفي هذه الحال هناك توزيع للثروات على عدد أكبر من اللبنانيين. أمّا العكس، أي حصرّ اللعبة الإقتصادية بعدد محدود من الشركات ذات المحسوبيات، فهذا يعني أن الثروة ستكون محصورة بنسبة قليلة من الشعب اللبناني وسيكون نتاجها أزمات إجتماعية.