كتبت رضوان مرتضى في صحيفة “الأخبار”:
وقعت جريمة قتل راح ضحيتها عماد حسن المعروف بـ«أبو عفيف» في بلدة عربصاليم الجنوبية. المشتبه فيه يدعى مازن ع. من بلدة كفررمان الجنوبية، كان شريك الضحية في عمله في المقاولات. غير أن نزاعاً على ملكية عقارات أجّج الخلافات بينهما. انتقل الخلاف إلى المحاكم جراء شراكات عقارية معلقة قبل نحو عام.
صباح الخميس الفائت، طلب عماد «وضع إشارة» قضائية على عقار يملكه شخص يُدعى حيدر النجفي، وهو ابن المدعو أحمد النجفي، الزعيم الروحي لجماعة شيعية متشددة تُدعى «حزب الأمير»، نسبة الى أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب. الضحية عضو سابق في هذه الجماعة، أما المشتبه فيه فعضو فاعل فيها، قرر ارتكاب جريمته، على ذمة المعلومات الأمنية، نتيجة تفاقم الخلافات: منها ما هو مالي، ومنها ما هو عقاري، ومنها ما يتصل بالجماعة ورموزها.
وبحسب إفادة شاهد دوّنتها الأجهزة الأمنية، كمَن المشتبه فيه يوم الخميس الفائت لـ«أبو عفيف» بالقرب من منزله في عربصاليم، وأرداه بثلاث رصاصات أطلقها عليه بعدما اعترض طريقه بسيارة رابيد.
وبحسب المعلومات، ارتكب مازن جريمته ثم اتّصل بشركائه الثلاثة قائلاً: «قتلت المعادي. قتلته بثلاث طلقات». ووصفُ «المعادي» استخدمه المشتبه فيه لأن الضحية «انشقّ» عن «حزب الأمير». نفّذ جريمته ثم فرّ إلى جهة مجهولة. أوقفت القوى الأمنية ستة أشخاص من أعضاء «حزب الأمير». وإثر وقوع الجريمة، هاجم عدد من أهالي بلدة عربصاليم منازل أربعة من الموقوفين، وحطّموا سياراتهم.
وعلمت «الأخبار» أنّ أحد الموقوفين المدعو ح. م. أفاد خلال التحقيقات بأنّه حذّر مرتكب الجريمة من تسليم نفسه. موقوف آخر، يدعى بلال خ.، ذكر في إفادته أنّ الضحية أبلغهم سابقاً أنّ «الخلاف رح يضل لحد ما تقتلوني». وعلمت «الأخبار» أنّ توقيفهم الاحتياطي سيُمدّد يومين آخرين إلى حين انتهاء الفرع الفنّي في «شعبة» المعلومات من الكشف على هواتفهم. وتستمر الأجهزة الأمنية في ملاحقة المشتبه فيه مازن ع. وخمسة مشتبه فيهم بالتحريض على القتل، هم إبراهيم ن. وطه ف. ومحمد ف. ومحمد ش. ونضال ح.
الأجهزة الأمنية، كما القضاء والهيئات الاجتماعية والحزبية، تتحمّل مسؤولية ترك مجموعة متشددة كهذه تتمدد. ومجموعة «حزب الأمير» هذه تتخذ لنفسها أسلوباً خاصاً في تأدية الواجبات الدينية، وتغالي في النظرة إلى الإمام علي بن أبي طالب، إلى حدّ تأليهه والاعتقاد بأن الله تجسّد فيه. ورغم أن هذه الجماعة ليس لها هيكلية تنظيمية، إلا أن أبرز الأشخاص الذين يتولون مناصب قيادية فيها هم: محمد ف. ومحمد ق. وتمام ح. المعروف بالشيخ كميل، ونسيم ع. أما أفراد هذا «الحزب» البارزون فهم مازن ع. وربيع ز. وعلي ز. ونضال ح. وخليل ش. وأسامة م. وعلي ز. وبلال خ. والشقيقان حيدر ومهدي م. وسامي ش. وبحسب المصادر الامنية، يشكل هؤلاء حلقة مغلقة على أنفسهم ويرتبطون بعلاقة بالشيخ أحمد الموسوي النجفي في إيران. أما الرأس الأبرز لهذه المجموعة فهو الشيخ محمد ف. (موجود في سويسرا) الذي يشكل صلة الوصل الرئيسية بين أفراد هذه المجموعة في لبنان والشيخ النجفي في إيران. وسبق لـ«الحزب» نفسه أن نشط في البقاع الغربي، في تسعينيات القرن الماضي، فضلاً عن وجود حضور محدود له في الضاحية الجنوبية لبيروت، وفي العاصمة، قبل أن ينحسر مع الوقت نتيجة «محاصرته» من قبل القوى النافذة دينياً وسياسياً في الطائفة الشيعية. لكن انتشاره ظل يتوسع أحياناً، ثم يعود إلى الانحسار، إلا أنه بقي هامشياً في المجتمع الشيعي، وخفت أي ذكر له، إلى أن وقعت جريمة عربصاليم.
وبحسب المصادر الأمنية، فإن الضحية عماد حسن كان أحد أعضاء هذه المجموعة، وزار الشيخ النجفي أكثر من مرة في إيران برفقة الشيخ محمد ف. وكان يدفع له مبالغ مالية كبيرة تحت عنوان الحقوق الشرعية. وبحسب المعلومات الأمنية، وقع خلاف قبل حوالى ثلاثة أشهر بين الشيخ أحمد النجفي والشيخ ف.، ما وضع علامات استفهام لدى بعض أعضاء المجموعة عن سبب التباعد بينهما، لا سيما أن هؤلاء كانوا يعتبرون أن الشيخ النجفي هو المرشد الروحي لهم. وولّد الخلاف لديهم شكوكاً في حقيقة «مرتبته الروحية». وقد أثار هذا التباعد حفيظة أحد أعضاء المجموعة عماد حسن الذي، إضافة إلى خلافه مع مازن ع. وحيدر النجفي، حمّل الشيخ محمد ف. مسؤولية إعطاء مبالغ مالية ضخمة للشيخ النجفي بلغت 900 ألف دولار أميركي دفعها عماد من حسابه.
احتدم الخلاف بين الطرفين، ووصل إلى حدّ إصدار البيانات التحريضية عبر شبكات التواصل الاجتماعي ضد الشيخ محمد ف. للتحذير من خطورة معتقداته ونشاطاته.
بداية العام الماضي، دخل مجهولون بواسطة الكسر والخلع إلى مقهى عائد لأحد أعضاء مجموعة «حزب الأمير» مازن ع. في بلدة كفررمان وحاولوا تفجيره. وتبين أن هناك خلافات بين مازن ومحمد ف. من جهة، والضحية عماد حسن من جهة أخرى. وبتاريخ ٢٠١٧/٤/٤، استدعت مفرزة النبطية القضائية أحد الشهود الذي صرّح بأن عماد حسن كان قد طلب منه نقل رسالة تهديد شفهية للمدعو محمد ف.، أي قبل محاولة التفجير، وذلك على خلفية الخلاف المالي الذي نشب بين هذين الأخيرين. بناءً عليه، استدعت المفرزة عماد حسن مجدداً، وتمت مواجهته مع الشاهد. يومها أنكر عماد حسن توجيه أي رسالة تهديد للمدعو محمد ف. أو لغيره. وبمراجعة النائب العام الاستئنافي في النبطية، القاضية غادة أبو كروم، أشارت بترك عماد حسن لقاء سند إقامة.
لكن يبدو أن الخلاف الذي خُتم شقّه التهديدي في نيسان الماضي، استمر مالياً وعقارياً و«حزبياً»، لينتهي قبل يومين بجريمة قتل.