يعكف رؤساء الجمهورية اللبنانية ميشال عون والمجلس النيابي نبيه بري والحكومة سعد الحريري في اجتماعهم اليوم في بعبدا على تقويم ما حمله نائب مساعد وزير الخارجية الأميركية للشرق الأدنى دايفيد ساترفيلد من مقترحات تسوية للنقاط الـ23 المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل على طول الخط الأزرق. وكان سبق للبنان أن تحفظ عنها باعتبار أنها تقع ضمن خط الانسحاب الحقيقي الذي يخضع كلياً للسيادة اللبنانية، في سياق اعتراض الحكومة على بناء إسرائيل جدار الفصل الإسمنتي الذي يشكل تعدياً على بعض هذه النقاط.
ومع أن ساترفيلد يرى أن لا مشكلة- كما نقل عنه عدد من الذين التقوه خلال وجوده في بيروت للتحضير لزيارة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون العاصمة اللبنانية الخميس المقبل في 15 شباط (فبراير)، في إقناع إسرائيل بأن لا يشمل جدار الفصل النقاط التي يتحفظ عنها لبنان تمهيداً لإعادتها الى السيادة اللبنانية، فإن ما حمله من أفكار ومقترحات يستدعي الرد عليها من الدولة اللبنانية، خصوصاً أنها ستدرج على جدول أعمال محادثات تيلرسون مع أركان الدولة وعدد من كبار المسؤولين.
وعلمت «الحياة» من مصادر وزارية مواكبة للتحضيرات الجارية لمحادثات تيلرسون في بيروت بأن الرؤساء الثلاثة سيأخذون في اجتماعهم اليوم في الاعتبار ما سيتوصل إليه الاجتماع العسكري اللبناني- الإسرائيلي برعاية «يونيفيل» في الناقورة في التاسعة والنصف من صباح اليوم، أي قبل ساعتين من موعد انعقاد اللقاء الرئاسي في بعبدا بدعوة من الرئيس عون.
تحفظ لبناني
ولفتت المصادر الوزارية الى أن لبنان، كما نقل عن مرجع رسمي كبير، يتحفظ عن بعض المقترحات التي حملها ساترفيلد إلى بيروت بذريعة أنها تشكل انحيازاً لإسرائيل ولا تعكس الرغبة الأميركية بالقيام بوساطة متوازنة.
وكشفت المصادر نفسها أن ساترفيلد كان أثار في لقاءاته الرسمية وغير الرسمية مواضيع عدة أبرزها:
– ضرورة تفعيل التعاون بين «يونيفيل» والجيش اللبناني في منطقة العمليات المشتركة في جنوب الليطاني لتطبيق القرار 1701.
– دعوة لبنان الرسمي الى أخذ المبادرة لقطع الطريق على نقل التوتر من سورية الى لبنان، وهذا يستدعي- كما يقول ساترفيلد- القيام بخطوات استباقية لوقف استمرار «حزب الله» بنقل السلاح الثقيل من سورية إلى لبنان وتخزينه في مناطق بقاعية، ولوضع حد لمواصلته تطوير السلاح الصاروخي من خلال إقامة مصانع في أكثر من منطقة بقاعية تقع تحت الأرض ويشيد فوقها مؤسسات تجارية وصناعية واستهلاكية، بغية صرف الأنظار عن استخدام الطبقات السفلى من هذه الأبنية لأغراض عسكرية.
– استعداد واشنطن، كما نقل عن ساترفيلد، للقيام بوساطة تتطلع من خلالها إلى تحسين شروط لبنان في الاقتراح الذي كان تقدم به الوسيط الأميركي السابق فريدريك هوف عام 2012 حول اقتسام الرقعة المتنازع عليها في البحر وتبلغ مساحتها 860 كيلومتراً مربعاً تلامس بجزء منها البلوك-9 النفطي الذي يستعد لبنان لتلزيم التنقيب عن الغاز والنفط فيه.
– إن سلاح «حزب الله» في لبنان يبقى خارج أي تسوية، ويجب إيجاد حل له لأنه يتعارض مع القرارات الدولية، خصوصاً القرارين 1701 و1559.
– إن لا علاقة للبنان بمزارع شبعا المحتلة لأنها تتعلق بالنزاع الدائر بين إسرائيل وسورية، خصوصاً أن هذه المزارع تقع من ضمن القرارين 338 و242 ولا تمت بصلة إلى ما هو منصوص في القرار الدولي 425.
– إن واشنطن تقف إلى جانب استعادة لبنان الجزء الشمالي من بلدة الغجر الذي يخضع لسيادة الدولة اللبنانية، لكن هناك مشكلة تتعلق بأن السكان المقيمين في هذا الجزء هم من العلويين ولا يرغبون في ضمه الى السيادة اللبنانية، خصوصاً أنهم بغالبيتهم استحصلوا على الجنسية الإسرائيلية.
لذلك، فإن لبنان الرسمي بدأ يعد لمذكرة يفترض أن يناقشها مع تيلرسون يتناول فيها تحفظاته عن المقترحات التي كان تقدم بها ساترفيلد، مع تأكيده التعاون مع «يونيفيل» لخفض منسوب التوتر على طول حدوده مع فلسطين المحتلة، وصولاً الى الحفاظ على التهدئة من دون أن يتنازل قيد أنملة عن حقوقه.
النأي عن محور
وفي هذا السياق تردد أن لبنان سينأى بنفسه عن الانضمام الى محور يراد منه مواجهة التمدد الإيراني في المنطقة من دون أن يشمل موقفه رفض التدخل الإيراني في شؤون الدول العربية.
كما أن لبنان الرسمي يخشى من أن تقدم إسرائيل في أي وقت على إلحاق مزارع شبعا بهضبة الجولان المحتلة التي كان الكنيست الإسرائيلي وافق على ضمها إلى فلسطين المحتلة، بذريعة أن المزارع تقع في إطار الصراع السوري- الإسرائيلي، وهذا يستدعي منه العودة إلى التواصل مع النظام في سورية لينتزع منه موافقته على مراسلة مجلس الأمن الدولي، لإبلاغه بأن المزارع تتبع للسيادة اللبنانية.
وتقضي المراسلة اللبنانية للنظام في سورية بأن يبادر الأخير إلى تقديم وثيقة يودعها مجلس الأمن يثبت فيها بالأدلة والقرائن أن هذه المزارع هي لبنانية.
فهل يبادر النظام في سورية إلى الاستجابة لطلب لبنان، أم أنه كعادته في السابق، يكتفي بموقف شفوي لا يصرف لدى الأمم المتحدة ومن خلالها مجلس الأمن، وهذا ما أعاق إصرار لبنان على استرداد مزارع شبعا وتحريرها ديبلوماسياً من الاحتلال الإسرائيلي؟
استفسار عن الانتخابات
وإلى أن يعد لبنان أجوبته على مقترحات ساترفيلد، فإن الأخير- بحسب ما تناقله عنه عدد من الشخصيات التي التقاها- طرح مجموعة من الأسئلة حول الانتخابات النيابية التي ستجرى في 6 أيار المقبل وقانون الانتخاب، وجاءت في سياق الاستفسار عنها من دون أن يتدخل في التفاصيل. فيما أكدت مصادر ديبلوماسية غربية لـ «الحياة» أن مرحلة ما قبل الانتخابات ستكون غير المرحلة التي ستنجز فيها.
وعليه، فإن الجديد في الغارات التي تشنها إسرائيل كما تدعي على مخازن للسلاح تعود لـ «حزب الله» وإيران والميليشيات التابعة لهما، يكمن في إسقاط طائرة حربية إسرائيلية من طراز «أف- 16»، تعددت الروايات العسكرية والديبلوماسية حول الجهة التي كانت وراء إصابتها في الأجواء السورية. على رغم أنه سبق لإسرائيل أن قامت بأكثر من 115 غارة من دون أن تتصدى لها الدفاعات الروسية الموجودة في أكثر من موقع عسكري في سورية.
لكن هناك من يسأل ما إذا كان لإسقاط الطائرة الإسرائيلية في هذا الوقت بالذات علاقة مباشرة بالجولة التي يقوم بها تيلرسون على عدد من عواصم المنطقة؟
وبكلام آخر، هل يأتي إسقاط هذه الطائرة في سياق إصرار إيران على تمرير رسالة لتيلرسون وفيها أنها لن تسمح بأن ترعى واشنطن الاتصالات الجارية لقيام حلف يتصدى للتمدد الإيراني في المنطقة؟ وبالتالي، لا بد من أن يأتي تمريرها في أجواء متوترة مع أنها لم تنعكس على الداخل في لبنان في ظل «التطمينات» الأميركية بأن ساترفيلد نجح في خفض التوتر وتوصل إلى إقتناع بأن الحدود اللبنانية مع إسرائيل ستبقى هادئة، ولن تستخدم منصة لتوجيه رسالة إقليمية الى تل أبيب؟
أخبار ذات صلة: