كتبت ربى منذر في صحيفة “الجمهورية”:
أثار الحدثُ الأمني الذي حصل في طرابلس الأسبوعَ الماضي سلسلة تحليلات وتأويلات ترافقت مع تقارير نُشرت في وسائل إعلام محلية وأجنبية عن خطةٍ منظّمة لـ»داعش» و»جبهة النصرة» لإعادة الإرهابيين اللبنانيين الذين التحقوا سابقاً بهذين التنظيمَين، استعداداً لتنفيذ عمليات أو تحريك خلايا معيّنة في ظلّ التضييق الذي يعانيان منه وتقلّص المساحة الجغرافية التي ينتشران عليها في سوريا والعراق.
هذا التحليل ترافق مع الحديث عن عودة عدد كبير من هؤلاء الإرهابيين الى لبنان، إلّا أنّ مصدراً أمنيّاً ينفي هذا الكلام، ويقول لـ«الجمهورية» إنّ الحالات التي سُجّلت عودتُها الى لبنان هي 4، ثلاث منها لإرهابيين ينتمون لـ«النصرة» سبق وعادوا الى عرسال وأوقفتهم مخابرات الجيش ومن خلالهم اكتشفت الطريقة التي يتسلّلون عبرها الى لبنان تحت ظروف معيّنة، فضلاً عن «هاجر الدندشي» الذي قُتل في طرابلس والذي يتنمي الى «داعش»، وبالتالي فإنّ الكلام عن دخول أعداد منهم الى لبنان غير دقيق، وتتابع الأجهزة الأمنية هذا الموضوع من خلال التحقيقات التي تجريها دورياً مع موقوفين، وتفعيل عمل شبكاتها على الأرض وفي القرى لمتابعة الأوضاع ميدانياً، فضلاً عن امتلاك الدولة داتا كاملة عن الإرهابيين الذين تركوا لبنان والتحقوا بالتنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق، خصوصاً أنهم بغالبيّتهم مطلوبون ما يُحتّم متابعتهم ومتابعة أهلهم دوماً.
وفي هذا الإطار، هناك تعاونٌ مع المجتمع الأهلي في ظلّ غياب البيئة الحاضنة للإرهاب. وبالنتيجة فإنّ الحديث عن عودتهم للعيش في المخيمات غير دقيق لأنّ المداهمات لهذه الأمكنة دورية والدولة باتت تملك داتا كبيرة عن هذا الملف.
“عين الحلوة” يتصدّر اللائحة
من بين الأسماء التي يُقال إنها عادت الى لبنان، تبرز أسماءُ إرهابيّي مخيم عين الحلوة في الواجهة، وهناك كلام عن أنّ قسماً ممّن غادروا سابقاً خطّط للعودة كشادي المولوي وبلال بدر.. إلخ، لكن بالنسبة إلى الدولة اللبنانية فإنّ شيئاً لا يؤكّد مغادرتهم المخيم من الأساس:
- أولاً نتيجة الإجراءات الأمنية المشدّدة التي لن يستطيع هؤلاء الإفلات منها.
- ثانياً كلام المصادر الفلسطينية نفسها بتناقض عن هذا الموضوع.
- ثالثاً حديث الإرهابيين عن نشرهم أشرطة مصوَّرة تؤكد هروبهم وهو ما لم يحدث.
- رابعاً، الفترة التي قيل إنهم غادروا خلالها المخيم كانت فترة سيّئة على المجموعات الإرهابية التي ينتمون إليها.
وترجح مصادر مطلعة أن يكون هؤلاء نفّذوا في السابق خطة تضليلية من خلال تخفّيهم في المخيم والترويج لفكرة أنهم تركوا لبنان والآن يريدون العودة إليه فيما أنهم في الحقيقة لم يتركوه أساساً.
وفي هذا المجال، يدور حديث بين الأوساط الفلسطينية أنّ هذه «العودة» تأتي بهدف الإستفادة ممّا يُحكى عن صدور قانون للعفو العام عن الجرائم في لبنان، لكنّ المصدر الأمني يحسم الفرضيات: «لن يشمل هكذا قانون أيّاً من الذين ارتكبوا أعمالاً إرهابية تثبتها الأدلّة ولن يفلتوا من العقاب، وفي حال كانوا فعلاً خارج لبنان وعادوا إليه فإنهم بالتالي يقدّمون فرصة للأجهزة الأمنية لاعتقالهم».
من جهتها، تقول مصادر فلسطينية إنه لم تعد لدى هذه المجموعات الإرهابية حرّية الحركة نفسها التي كانت تملكها في المخيمات سابقاً، وهو ما تدلّ عليه الإشتباكات القصيرة المدى التي يجرونها، والتي تنتهي بمجرد تدخّل الشخصيات في المخيم وهو ما يُظهر ضعفها وعجزها عن المبادرة والتحرّك بسهولة داخل المخيم، في ظلّ نقمة أهالي المخيم عليها وتضييق الأجهزة الأمنية على هذه المجموعات خارج المخيم وبعض الفصائل الفلسطينية داخله، فضلاً عن المشكلات داخل تركيبتها نتيجة الضربات التي أصابت المجموعات الإرهابية التي تبايعها، وشحّ الأموال والدعم اللوجستي لها.
لذلك تقول المصادر الفلسطينية إنّ قياداتِ هذه المجموعات الإرهابية تحوّلت الى نوع من «مقاولين» يأوون الإرهابيين أو المطلوبين مقابل أموال، والمثال الأبرز على ذلك هو المغنّي فضل شاكر الذي قيل إنه تمّ سحبُ مبالغ مالية ضخمة منه مقابل حمايته وما زال الإبتزاز قائماً حتى اليوم، حتى بات هؤلاء يعتبرون ذلك مورداً مالياً يبذّرونه على أنفسهم وعلى جماعاتهم.
أما خارج «عين الحلوة» فلا حديث عن عودة مقاتلين من سوريا، خصوصاً وأنّ عدد اللبنانيين الذين تركوا البلاد للالتحاق بالإرهاب في الخارج قليل جداً، وتجدر الإشارة الى أنّ الجيش يضع آماله على مؤتمر «روما 2» الذي سيُعقد في نهاية شهر شباط ليغلق الثغرات التي يمرّ عبرها المتسلّلون من سوريا الى لبنان، من خلال تقديم الوسائل والتقنيات اللوجستية له لإنجاح مهماته.