تحقيق ستريدا بعينو
فتحت فاجعة وفاة الشاب العشريني إيلي نافعة بـ”عضة كلب” الباب على مصراعيه بشأن داء “الكَلَب”، وتحديد المسؤوليات في وفاة ايلي. والسؤال الذي يطرح نفسه، كيف يمكن لشاب أن يموت من “عضة كلب” ونحن في القرن الواحد والعشرين؟ كيف تعاطت الأجهزة الطبية مع حالة إيلي؟ وعلى من تقع المسؤولية؟ والسؤال الأهم كيف يمكن تجنب هكذا فاجعة؟
يكشف قريب إيلي نافعة، جيمي نافعة لـIMLebanon أن الخطأ بدأ بعدم إتخاذ الإجراءات اللازمة طبياً، مشيراً إلى أنه تم تضميد الجرح في مستشفى البترون لينتقل بعدها إلى مستشفى القبة في طرابلس، حيث تواصل الجهاز الطبي مع دكتورة من عائلة بري، وكان شرح للأخيرة حالة إيلي الصحية، ولكنهم اصرّوا الإعتماد على كلام جارنا الذي أكّد أن الكلب تم تطعيمه، من دون أن يستندوا إلى إثباتات أو كتاب الكلب الطبي لتأكيد صحّة وضعية الكلب. وبحسب قريب إيلي، فإن الجهاز الطبي نقل عن الدكتورة بري على أن لا حاجة للقيام بحقنة الإيمونوغلوبولين، مكتفين بالطعم”.
ويضيف نافعة: “طعم “الكَلَب” يحتاج إلى وقت ليعطي نتيجة وليقوي مناعة إيلي ضد هذا الداء، والسؤال الذي أطرحه كيف يمكن لجهاز طبي طويل عريض ان يستند على كلام صاحب الكلب ما إذا كان “مطعّما” أم لا؟
وكلما استفسرنا يقولون لنا هناك “بروتوكل” يجب إتباعه، في حين أشار لنا أحد الأطباء الى أنه بمجرد أن تكون العضة في الوجه وقريبة على الدماغ كان يجب فوراً اتخاذ قرار القيام بالحقنة من دون تردد، وحتى من دون أن يضطروا لأن يستفسروا عن حال الكلب!. ويتابع قرب إيلي بمرارة: “استرخصوا كرمال 35$ وحكيتها من تحت إنو ما تعمليلو ياها!”
ويأسف قريب إيلي لمعاملة الإنسان مثله مثل الحيوان في بلادنا، مستهزئاً: “الحيوان بيهتموا في أكتر”!
وبحسرة قلب، يقول جيمي: “نحن في لبنان ونحن نعلم أنه سيتم تغطية الموضوع وكأن شيئاً لم يكن، فلو كنا في استراليا مثلا لكانت “قامت الدني وما قعدت” ووزارة كلها بتقوم من مطرحها”. ويختم جيمي: “بدي يعملو قيمة للإنسان بهالبلد لو صار هالشي مع ابن وزير أو نائب كانوا تصرفوا معو بالهطريقة؟ أكيد لاء”!
مقابل حرقة قلب جيمي النافعة، وأمام صرخة الأهل التي تحمّل المسؤولية للمستشفيين الحكوميين البترون وطرابلس مسؤولية الإهمال في التعاطي مع حالة ابنهم، تلفت رئيسة دائرة مكافحة الأمراض الإنتقالية في وزارة الصحة عاتكة بري في إتصال مع موقع IMLebanon إلى أن الموضوع يحتاج إلى القضاء ليحقق بهذا الموضوع، معتبرةً أن الخطأ القاتل يكمن في إعطاء صاحب الكلب معلومة مغلوطة بتصريحه للجهاز الطبي بأن الكلب أليف وملقح.
وتضيف الدكتورة بري: “نحن لدينا آلية نتبعها قامت بها لجنة وطنية علمية، سابقا كنا نعطي الطعم بشكل مباشر لكل مريض تعرض لعضة كلب سواء كان أليفاً أم لا، ولكن اليوم مع ازدياد عدد اللاجئين السوريين بنسبة عالية، أصبح إستهلاكنا يصل الى 5 أضعاف كإستهلاك عادي، إلى حد أننا فقدنا اللقاح. فكنا أمام خيارين، كما قالت، إما أن ننقطع من دون أن يعود باستطاعتنا أن نؤمّن الطعم حتى لمن يحتاجه أو إعتماد ترتيب معين كالذي يُعتمد في كل البلدان المتحضرة، فاجتمعنا كلجنة وطنية للأمراض الإنتقالية وأخذنا قرارا بأن نعتمد توصيات منظمة الصحة العالمية. وفي اواخر عام 2016 أصدرنا مذكرة تقضي بأن ليس هناك حاجة لإعطاء اللقاح إذا كان الكلب أليفا أو ملقحا.”
وتتساءل بري عن مدى حرص وسبب صاحب الكلب اعطاء معلومات غير موثوقة للجهاز الطبي، اذا انه عادة كنا نستند إلى المعلومة الشفهية التي تُعطى لنا، لانه من غير المنطقي اليوم ان يكون لأحدهم كلباً غير ملقح وأن يقول إنه ملقح، ربما كان الخوف يسيطر عليه لا أدري، أو كان جاهلاً، ولكنه أعطى معلومة أودت بنا إلى هنا”.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الجهاز الطبي في مستشفى طرابلس الحكومي وبحسب البروتوكول لا يحق له إعطاء إيلي “الطعم”، كما تقول برّي، ولكن نظرا لخوف الشاب خالفوا البروتوكول، وأعطوه إياه. كما أتت معلومات للجهاز الطبي تفيد بأن الكلب كان تشاجر في وقت سابق مع كلاب برية، ما دفعهم أيضاً إلى إعطاء الطعم لإيلي كي يرتاح نفسياً، ولكن لأن العضة كانت بالوجه فلم ينفع الطعم له، وكان يجب إعطاؤه الأمصال المضادة للكَلَب.
وتضيف بري: “كل يوم نواجه حالات “عض” من كلاب شاردة أو أليفة ولدينا سنوياً أكثر من 50 الى 60 % ممن يتعرضون لعضات كلاب أليفة، وفي بعض المرات يكون خدشا، إلا انه في الحالتين على المصاب أن يحصل على “اللقاح” إذا الكلب غير ملقح”.
وتقول بري: “نحن أصدرنا مذكرة سريعة، قبل وفاة إيلي، ألا نأخذ بعد الآن اي إعتبار للكلام الشفهي، فآخر ما كنا نتوقعه أن يعطي صاحب الكلب تصاريح خاطئة، وحاليا قررنا أن نعتبر كل حيوان أليف غير ملقح حتى إبراز وثيقة تثبت تلقيحه”. وتمنت على وسائل الإعلام التركيز على التوعية من داء الكلب، وتلقيح الكلاب بشكل دوري.
ومن هذا المنطلق، تواصل موقع IMlebanon مع المتخصص بالطب البيطري جوني شحادة الذي يشير بدوره إلى أن أهم خطوة اليوم للوقاية من هذا الداء، هي الدعوة والتشديد عبر وسائل الإعلام على ضرورة تطعيم الكلاب باللقاحات اللازمة، مرة في السنة، مؤكداً أن مدة صلاحية اللقاح تنتهي خلال الـ12 شهراً.
ويلفت إلى أن تطعيم الكلاب يحد من عدد حالات الوفاة الناجمة عن داء “الكَلَب” ومن الحاجة إلى العلاج الوقائي بعد التعرض للداء في إطار رعاية المرضى الذين يتعرضون لعضات الكلاب.
ويوضح شحادة في إطار فاجعة وفاة إيلي أنه لا يمكن معرفة عبر الفحوصات ما إذا كان الكلب الذي أقدم على عض الشاب قد تم تلقيحه أم لا، من هذا المنطلق لا يمكن الجزم بأن هناك تقصيرا من المستشفى أو من الطبيب الذي أشرف على حالة إيلي.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم، طالما أن هناك خطورة من أن تؤدي عضة كلب إلى موت إنسان، ولو بنسبة ضئيلة، لماذا عندما قررت وزارة الصحة اعتماد “ترتيب معين” كالذي يُعتمد في كل البلدان المتحضرة، ويقضي بالحد من إعطاء اللقاح إذا كان الكلب أليفا أو ملقحا، لم تصدر مع التعميم، تعميما آخر يقضي بضرورة التأكد بشكل رسمي من صحة أي كلب ما اذا كان ملقحاً أم لا؟ ولماذا لم يتاكد الجسم الطبي بدوره في مستشفيي طرابلس والبترون من هذا الأمر، علماً ان المسؤولية الطبية لا يفترض أن تنتظر تعميماً معيناً للقيام بحماية حياة المواطنين؟ وطالما ان ممثلة وزارة الصحة تقول إن هناك تحقيقات قد بدأت لتحديد المسؤوليات، لذلك لن نقول إلا “الله يرحمك يا ايلي”، على امل ان لا نترحم في المستقبل على أي تحقيقات كما هو حاصل في حالات طبية أخرى.
إشارة إلى ان داء “الكَلًب” هو مرض فيروسي معدٍ، يسبب الوفاة بصورة شبه دائمة في أعقاب ظهور الأعراض السريرية. وتنتقل العدوى بفيروس “داء الكَلًب” إلى الإنسان عن طريق الكلاب الداجنة بنسبة تصل إلى 99 في المئة من الحالات، إلا أن هذا الداء يمكن أن يصيب الحيوانات الداجنة والبرية على حد سواء. وينتشر “داء الكَلَب لدى الإنسان بعد التعرض للعضّ أو الخدش عن طريق اللعاب عادة”.
فيديو عن أعراض داء الكلب:
https://m.youtube.com/watch?v=-moG6JDmJdc
في ما يلي الطرق التي يجب اتباعها للوقاية من داء الكلب بالإضافة الى العلاج الوقائي بعد التعرض له:
– القضاء على داء الكلاب لدى الكلاب: يمكن الوقاية من هذا الداء باللقاحات.
ويعتبر تطعيم الكلاب الاستراتيجية الأعلى مردوداً للوقاية من إصابة الناس بداء الكلب. ويحد تطعيم الكلاب من عدد حالات الوفاة الناجمة عن داء الكلب ومن الحاجة إلى العلاج الوقائي بعد التعرض للداء في إطار رعاية المرضى الذين يتعرضون لعضات الكلاب.
– التوعية بشأن داء الكلب والوقاية من عضات الكلاب: إن أنشطة التثقيف بشأن سلوك الكلاب والوقاية من العضات التي تستهدف الأطفال والبالغين على حد سواء هي امتداد أساسي لبرنامج التطعيم ضد داء الكلب ويمكن أن تخفض معدلات الإصابة لدى الإنسان والأعباء المالية الناتجة عن علاج عضات الكلاب.
– التمنيع الوقائي لدى الإنسان: توجد لقاحات مضادة لداء الكلب البشري من أجل استخدامها قبل التعرض للداء. ويوصى باستخدام هذه اللقاحات لدى الأشخاص الذين يمارسون بعض المهن شديدة التعرض لخطر الإصابة بالداء والأشخاص الذين قد تؤدي بهم أنشطتهم المهنية أو الشخصية إلى الاحتكاك المباشر بالخفافيش أو الحيوانات آكلات اللحوم أو غيرها من الثدييات التي يحتمل إصابتها بالعدوى.
ويوصى أيضاً بالتمنيع قبل التعرض لداء الكلب لدى المسافرين الذين يقصدون المناطق النائية الموبوءة بالداء. وينبغي “تمنيع” المغتربين والأشخاص المسافرين لفترات طويلة الذين يقصدون المناطق الشديدة التعرض لخطر الإصابة بداء الكلب إذا كانت فرص الحصول على المنتجات البيولوجية المضادة لداء الكلب محدودة. كما ينبغي أيضاً أن يؤخذ في الاعتبار تمنيع الأطفال الذين يقيمون في المناطق النائية الشديدة التعرض لخطر الإصابة بالداء أو يزورون هذه المناطق.
العلاج الوقائي بعد التعرض لداء الكلب
العلاج الوقائي بعد التعرض لداء الكلب هو العلاج الفوري المتاح لشخص بعد تعرضه لداء الكلب بسبب عضة. ويقي هذا العلاج من دخول الفيروس إلى الجهاز العصبي المركزي مما يسبب الموت الوشيك. ويتمثل العلاج فيما يلي:
– الغسل الجيد والعلاج الموضعي للجرح في أسرع وقت ممكن بعد التعرض للداء.
– إعطاء سلسلة من جرعات لقاح فاعل مضاداً لداء الكلب يفي بمعايير المنظمة؛
– إعطاء الغلوبولين المناعي المضاد لداء الكلب في حال التوصية بذلك.