كتب ناصر شرارة في صحيفة “الجمهورية”:
يواصل الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، منذ إعلان الرئيس الأميركي القدس عاصمة لإسرائيل، مشاوراته مع طيف الفصائل الفلسطينية، وبعد لقاءاته بممثلين على مستوى الصف الأول من «حماس» و«الجهاد الإسلامي» و«فتح» و«الجبهة الشعبية – القيادة العامة»، التقى قبل أيام بنايف حواتمة زعيم «الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين». والى الفصائل الفلسطينية يلتقي نصرالله أيضاً، أو مَن ينوب عنه في «حزب الله»، ممثلين عن حركات سياسية إسلامية وقومية تاريخية في المنطقة لضمّها الى مشروع لا يزال قيد الإعداد، ويطلق عليه البعض تسمية مشروع أو «إستراتيجية إنشاء جبهة مقاومة الأمّة» ضد إسرائيل.
تقوم فكرة هذه الاستراتيجية التي كان نصرالله خلال آخر إطلالة تلفزيونية له عرَض لشيء من عناوينها، على تجميع طاقات كل القوى الشعبية الاسلامية والوطنية والقومية في العالمَين العربي والاسلامي وراء شعار «القدس تجمعنا».
وفي مضمون هذه الفكرة أنه يمكن بناء تجربة مقاومة عسكرية وسياسية وثقافية ضد إسرائيل تتكوّن من كل طاقات القوى السياسية الاسلامية والعربية التاريخية، من «الاخوان المسلمين» مروراً بقوى وطنية فلسطينية وعربية من وزن حركة «فتح»، وصولاً الى جماعات اسلامية سنّية وشيعية في العراق والخليج وكل آسيا.
وتحاول الفكرة اقتباس «نموذج» ما حدث في سوريا، أو حتى البناء عليه أيضاً. ففي سوريا إحتشد نحو «120 ألف مقاتل عقائدي» من مجموعة بلدان تحت عنوان الدفاع عن النظام وإلحاق هزيمة بـ«داعش».
ولكنّ نموذج سوريا واجه أزمتين: أوّلهما، إتّهامه بأنه مشروع شيعي في وجه المسلمين السنّة. والثاني، الخلاف الناشب داخل «الأمة» حول الأزمة السورية، ما نزع عنها سمة أنها شعار يوحّد وجامع، كما هي حال شعار «القدس توحّدنا» الذي يرفعه مشروع نصرالله الجديد.
في إحدى خطبه الاخيرة هدّد نصرالله اسرائيل بأنّ أيَّ حرب مقبلة ستكون اقليمية وسيشارك فيها عشرات الالوف من الشبان من مختلف أنحاء العالم. وقبل ايام قال نايف حواتمة إثر لقائه نصرالله، إنّ أيَّ حرب مقبلة ضد «حزب الله» أو ضد غزة، ستتحوّل حرباً شاملة على كل الجبهات مع اسرائيل.
السؤال الأكثر من مهم الذي يطرح نفسه في شأن هذا الموضوع، هو هل إنّ لقاءات نصرالله المباشرة، او عبر ممثلين عنه، مع طيف الفصائل الفلسطينية ومع قوى اسلامية وقومية في المنطقة ودوّل آسيوية هي مجرد حرب نفسية أو تحشيد سياسي في مواجهة اسرائيل ومرحلة ترامب الاميركية الشديدة الانحياز لتل أبيب،؟ أم إنها فعلاً هي استراتيجية جدّية تهدف الى بناء «مقاومة الأمة» التي تتعدى مقاومتي «حزب الله» في لبنان وحركة «حماس» في غزة، والتي تقوم على ثلاثة عناصر يُعمَل حالياً لتحقيقها على أرض الواقع:
العنصر الأول، يتعلق بإنجاز نوع من التجاوز لكل الخلافات السياسية والعقائدية بين التيارات الاسلامية والوطنية والقومية التاريخية في المنطقة، وذلك لمصلحة تجميع كل هذه التيارات في إطار استراتيجية مواجهة واحدة ضد اسرائيل تحت شعار «القدس تجمعنا».
العنصر الثاني، يسعى الى إنشاء «غرفة عمليات سياسية وإعلامية وعسكرية موحّدة» تضمّ جميع هذه القوى. والهدف منها توفير الفرصة الميدانية واللوجستية لكي تشارك جميعها في أيِّ حرب مقبلة مع اسرائيل.
العنصر الثالث، بلورة آليات تنفيذية لطريقة التعاضد العسكري بين هذه المجموعات تمهيداً لتنفيذ «إستراتيجة ربط الجبهات» أو ما يُسمى إصطلاحاً إنجاز «التشبيك بين جبهات المقاومة» في جنوب كل من سوريا ولبنان وفلسطين (قطاع غزة ) وايضاً في الضفة الغربية، بحيث لا يعود ممكناً لإسرائيل الإستفراد بكل جبهة منها على حدة.
وفي تشكيك قوى وفصائل إسلامية ووطنية مرشّحة للدخول في «مشروع مقاومة الأمة»، تشكّك في إمكانية نجاحه، فإنّ قوى أُخرى ترى أنّ تحقيقه ممكن لاعتبارات كثيرة، والأبرز بينها هو أنّ جميع هذه القوى المدعوّة الى المشاركة فيه، تحتاج الى حبل نجاة يُخرِجها من أزمات وجودية راهنة تتخبّط فيها: فحركة «حماس» تعاني حصاراً اقتصادياً قاتلاً في غزة، وتيار «الإخوان المسلمين» يعيش مرحلة سقوط مشروع دوره في «الربيع العربي».
وحركة «فتح» – كأبرز تعبير عن تيار المقاومات الوطنية في المنطقة – تواجه معضلة تخلّي الرئيس دونالد ترامب عن رعاية أيِّ تسوية فلسطينية ـ اسرائيلية، الخ..
وتُعتبر حركة «حماس» مركز الثقل العسكري الفلسطيني في «غرفة عمليات المقاومة الموحّدة» التي يسعى نصرالله الى إنشائها في اطار تحقيق استراتيجية «مقاومة الأمّة». فيما «الجبهة الديموقراطية» وفصائل أُخرى من وزنها، تعطي الشرعية التاريخية لدور المقاومة الفلسطينية في هذا المشروع. وكان وفد «حماس» هو أوّل فصيل فلسطيني التقى به نصرالله في اطار مشاوراته في انشاء «جبهة المقاومة الموحّدة».
ترأس وفد «حماس» الرجل الثاني فيها صالح العاروري واستمرّ اللقاء نحو ست ساعات استعرض خلاله نصرالله الوضع في المنطقة وذلك من زاوية احتمالات نشوب حرب إسرائيلية جديدة، ورأى «أنّ الحرب الإسرائيلية ضد «حزب الله» في لبنان، مستبعَدة على رغم أنها تظلّ إحتمالاً قائماً».
وقال «إنّ اسرائيل ومعها اميركا يعرفان تماماً إمكانات الحزب العسكرية الكبيرة والتي فيما لو قرّرا اختبارها فإنّ ذلك سيكلّف اسرائيل خسائر فادحة». ولكنّ نصرالله اعتبر «أنّ إمكانية شنّ حرب إسرائيلية ضد قطاع غزة هي الأكثر احتمالاً».
النقطة الثانية الجوهرية التي عُرِضت في اللقاء تمثلت بضرورة أن تشمل لقاءات نصرالله التشاورية مع الفصائل الفلسطينية حركة «فتح»، وذلك انطلاقاً من أنّ أيَّ «تشبيك» بين مقاومة «حزب الله» والمقاومة الفلسطينية يبقى ناقصاً من دون «فتح» التي لها موقع معنوي وسياسي مركزي داخل مجمل تاريخ حركة المقاومة الفلسطينية، اضف الى أن لا انتفاضة داخل فلسطين من دون مشاركة «فتح» فيها. كما أنّ مشاركة «فتح» ستضيف معنىً وطنياً لمشروع «جبهة المقاومة الموحّدة»، وستنزع عنها أنها جبهة إسلامية صِرفَة.
في إسرائيل بدأ يتبلور اتّجاهٌ داخل رئاسة الأركان يتحدث عن ضرورة كسر مسار «التشبيك» بين «حماس» و»حزب الله». ويرى القائلون به إنّ على تل ابيب أن تعمل لتخفيف ضائقة قطاع غزة الاقتصادي، لأنّ المطلوب هو خلق إحساس لدى «حماس» بأن لديها ما تخسره في غزة ما يجعلها أقلّ قابلية للذهاب الى خيار إعتبار أنّ انخراطها في مشروع «وحدة جبهات جنوب لبنان وسوريا وفلسطين» يشكّل «حبل نجاة» لها لفكّ عزلتها داخل قطاع غزة المحاصَر إقتصادياً وعسكرياً.
وهذا الاتّجاه نفسُه في رئاسة الأركان الإسرائيلية بدأ يجري مقارنات بين «حماس» و»حزب الله»، كمحاولة لإيجاد نقاط التباين بين وضعيهما الاستراتيجي. ومن وجهة نظره فإنّ «حماس» داخل قطاع غزة لا تعاني من وجود اطراف سياسية فلسطينية أُخرى تقارعها، ولديها مشروع مختلف ومناهض لمشروعها؛ بينما «حزب الله» داخل لبنان هو جزءٌ سياسي من خريطة سياسية تضمّ قوى لبنانية تناصبه الخصومة ولا تعترف بـ»مشروعه الجهادي».
ويدعو اصحاب هذا الإتّجاه الى ضرورة إيجاد مسار إسرائيلي جديد يركّز على حصار «حزب الله» وتعميق مشكلاته الداخلية السياسية والاقتصادية في لبنان، في مقابل الانفتاح على فكرة خلق حوافز إقتصادية في قطاع غزة بهدف جعل «حماس» تشعر بأنّ لديها خيارات غير الالتحاق بمشروع توحيد الجبهات للخروج من حصارها في القطاع الذي بات نتيجة العقوبات الإسرائيلية الاقتصادية عليه، اشبه بقنبلة اجتماعية قد تنفجر في وجهها في أيّ لحظة.
واللافت أنّ هذا الطرح داخل الأركان الإسرائيلية برز مجدّداً خلال المواجهات السبت الماضي بين إسرائيل وسوريا. لقد رصد مراقبون بدقة كيف أنّ كلّاً من «حزب الله» من جهته و«حماس» في المقابل تصرّفا خلال المواجهة على نحوٍ يسلط الضوء على أنّ وحدة الجبهات بين المناطق الجنوبية الثلاث (جنوب سوريا ولبنان وفلسطين) أصبحت واقعاً على الارض.
فالحزب أصدر بيانات دعم للجيش السوري بإسم «غرفة عمليات حلفاء النظام»، و«حماس» أعلنت أنها قرّرت إجراء مناورة عسكرية في غزة كتدبير على صلة بجهوزيّتها للرد على تفاقم المواجهة الجارية في سوريا. وكل هذه المستجدات توحي أنّ استراتيجية وحدة الجبهات، باتت أمراً محقّقاً، أقلّه لجهة دور كل من «حماس» و»حزب الله» فيها.
كما إصدار الحزب للمرة الأولى بيانات باسم «غرفة عمليات حلفاء سوريا»، يُعتبر أوّلَ إشارة الى الـ ١٢٠ ألف مقاتل من دول عدة، الذين يخوضون معركة الدفاع عن النظام في سوريا، هم ايضاً الجزء الأول من نواة جيوش «مقاومة الأمة» الذين هدّد نصرالله باستقدامهم في أيِّ حرب تشنّها إسرائيل.