كتبت رنا نجار في صحيفة “الحياة”:
لم يتوقع جمهور مهرجان البستان اللبناني، المعروف بنخبويته وانحيازه إلى الموسيقى الكلاسيكية، أن يغيّر شباب بريطانيون تقليد الافتتاح الذي تعود اللبنانيون أن يكون لعرض ضخم أو لعازف شهير.
هؤلاء الشباب السبعة المجتمعون تحت لواء فرقة «ذي سوينغيلز» (The Swingles)، ضخّوا في مسرح فندق البستان في بيت مري (جبل لبنان)، حياة كاملة تمتدّ من أفغانستان والهند والصين والفيليبين، الى البرتغال الى روسيا وكينيا وبلغاريا وسردينيا، وصولاً الى مسقط رأســـهم. جمعوا من هذه البلدان أغنيات وقصائد شعبية قديمة، منها ما هو غير معروف، وترجموها الى الإنكليزية. أما الأداء، فكان ساحراً رومانسياً وعصرياً يحمل بين نغماته عبق التاريخ والخرائط بعمر الموسيقار العظيم سباستيان باخ (1685- 1750) الذي يكرّمه المهرجان في سنته الخامسة والعشرين.
فعلى إيقاعات حناجر شباب وشابات هذه الفرقة الحائزة 5 جوائز غرامّي والتي يعود تأسيسها الى العام 1963 على يد الموسيقي الأميركي وورد سوينغيلز، غنى زملاء لهم من دون مصاحبة آلات موسيقية. أصوات بديعة مفعمة بالإحساس، تتلاقى وتغني تارة منفردة وتارة بشكل جماعي، على إيقاعات الجاز المستوحاة من مقطوعات كتبها باخ الذي تتميز موسيقاه بحداثتها وتنوّعها على رغم قدمها. وهذا التنوع عند باخ يسمح بكل هذه الارتجالات والتوزيعات والاستيحاءات التي يستفيد منها رواد الجاز والبريك دانس وموسيقى العالم.
وهذه الفرقة العريقة التي تتجدّد باستمرار، بنت فكرتها على إعادة أداء مقطوعات كلاسيكية عريقة وخصوصاً لسيباستيان باخ، بصيغة الجاز. تنقل أعمالاً من شكلها الأصلي إلى تركيبة الـ A capella أي الأداء الصوتي من دون مرافقة آلات موسيقية. وتحوّل نغمات باخ الى موسيقى الجاز. وتستعين بحناجر وأفواه وأحاسيس أفرادها لتشكيل مقطوعات موسيقية متناغمة، فيشعر المستمع بأنه أمام أوركسترا كاملة ضخمة تنقل إليه العالم وموسيقاه من دون ضجة وبشكل سلس وبسيط.
الفرقة غيّرت عادات المهرجان، لكنها أمتعت الحضور الذي طغى عليه رجالات السياسة والديبلوماسية والفكر والثقافة، ليلة الثلثاء – الأربعاء.
والحفلات التي تحتفي بباخ في حدث استثنائي في لبنان، تكمل على مدى شهرين و23 سهرة مميزة تجمع أهم العازفين والفنانين من أنحاء العالم (أوركسترات، جوقات، مغنون منفردون، عازفون منفردون، قادة أوركسترا). ومن هؤلاء الكونتر تينور (صوت الرجال الأكثر ارتفاعاً في الغناء) الألماني أندرياس شول، والإيطالي أوتافيو دانتوني، والفرنسيان غوتييه كابوسون وفيكتور جوليان-لافريير، والإيراني ماهان أصفهاني، وكذلك الفرنسي جان روندو.
وقد خصّ مهرجان البستان هذه السنة آلة التشيلّو التي تميّز أعمال باخ وكتب لها ست متتاليات منفردة وأعمالاً أخرى، بحفلات مهمة يحييها العازف الإنكليزي ستيفن إيسرليس الذي يقدّم أمسيتين ببرنامجين مختلفين، ومعه أيضاً أوركسترا «لوسيرن سيمفوني أوركسترا».
ومن الحفلات المنتظرة في المهرجان في الأول من آذار حفلة يحييها الممثلان رفعت طربيه وميراي معلوف اللذان سيلقيان عشرات القصائد بالعربية لشعراء معاصرين عرب، على خلفية موسيقى لباخ يعزفها على التشيلو رومانو ستوروجينكو.