إذا كانت الاحتفالات والمناسبات تحمل مؤشرات سياسية على التوجهات والعلاقات وتعكس واقعا سياسيا معينا، فإن الاحتفال الذي نظمه تيار المستقبل في قاعة البيال وسط بيروت في الذكرى الـ ١٣ لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري ورفاقه انطوى على المؤشرات والميزات التالية:
1 – مشاركة شعبية لافتة من أنصار المستقبل فاقت التوقعات، وبات واضحا أن الحريري يتسلح بهذه الحالة الشعبية الجديدة ويستقوي بها ويستمد منها قوته وثقته «المتجددة» بنفسه وزعامته.
2 – تأكد وتكرس انفراط عقد 14 آذار كتحالف سياسي عريض. فلم يشهد احتفال البيال مشاركة الأقطاب المسيحيين في التحالف، ولم يشهد شبك أيادي على المسرح، وكاد أن يكون التمثيل السياسي و«الرسمي» لشخصيات وقوى 8 آذار طاغيا ومتصدرا.
3 – احتكار الرئيس سعد الحريري للمشهد السياسي الاحتفالي الأحادي الجانب. الحريري كان نجم الاحتفال من دون أي شريك. حصد وحده التصفيق وتفاعل الجمهور معه عند الدخول. ألقى خطابا سياسيا كان كافيا لرسم توجهات المستقبل وتحديد خياراته للمرحلة المقبلة من دون أي كلمات أخرى مساندة أو مكملة.
في هذا الخطاب بدا الحريري متماسكا واثقا ومرتاحا الى وضعه، موحيا أنه تجاوز المطبات التي مر بها اخيرا وما حدث معه هناك، وممررا رسائل سياسية في أكثر من اتجاه:
٭ في اتجاه حزب الله الذي لا يهمه إعلان الحريري عن عدم التحالف معه انتخابيا بقدر ما يهمه الموقف السياسي «المتوازن إقليميا»، لجهة التشديد على محاربة الإرهاب و«الموساد»، ورفض خروج لبنان عن محيطه العربي، كما رفض دخول لبنان في محرقة الحروب العربية.
٭ الرئيس نبيه بري لطمأنته بأن اتفاق الطائف أمر لا يخضع للتعديل والتبديل والتأويل، وليس إطارا لأي ثنائيات وثلاثيات. والتأكيد على أن تيار المستقبل لن يغطي أي سياسة تعمل على خرق اتفاق الطائف.
عرف الحريري كيف يمرر في خطابه كل العناوين الأساسية، من المحكمة الدولية الى السلاح غير الشرعي الى القرارات الدولية. ولكن من دون أن يغضب حزب الله، إذ إنه لم يتجاوز الحد المسموح به، ومن دون أن يرضي حلفاءه القدامى في 14 آذار، ولكن يبقى أن أهم ما كشفه احتفال البيال أن سعد الحريري دخل مرحلة جديدة في حياته السياسية.وابرز ملامحها أنه تحرر من عبء 14 آذار وفك ارتباطه بها.