كتبت جنى جبور في صحيفة “الجمهورية”:
بعد وفاة الشاب إيلي نافعة وهو في ربيع شبابه نتيجة عضة كلب، صُدِم كثير من اللبنانيين بهذه الحادثة. فكيف يمكن أن يموت شخص من داء الكَلَب في القرن الحادي والعشرين؟! فهل فعلاً هذا الداء خطر الى هذه الدرجة؟ أو أنّ الموت حصل نتيجة خطأ طبّي؟
داء الكَلَب مرض فيروسي معدٍ يسبب الوفاة بصورة شبه دائمة عقب ظهور العوارض السريرية، وتنتقل العدوى من بعض الحيوانات الى الإنسان بنسبة 99 في المئة بعد التعرّض للعضّ أو الخدش. فما هي الخطوات الطبّية التي تنقذ المريض؟ وكيف تكون الوقاية؟
في هذا السياق، كان لـ«الجمهورية» حديث خاص مع الاختصاصي في الأمراض الجرثومية والمعدية في مستشفى القديس جاورجيوس الدكتور كلود عفيف، الذي شرح أنّ «داء الكَلَب ناتجٌ عن فيروس موجود في الطبيعة ينتقل إلى عدد من الحيوانات كالكلاب والقطط والخفافيش والقوارض وغيرها. هذا الفيروس يصيب الجهاز العصبي للحيوانات ويشلّ وظائفَه ليصل بعدها الى الدماغ، فتصبح الحيوانات عدائيةً وهجوميةً دون سبب».
أهمّية مكان العضّة
عندما يتعرّض الإنسان الى عضّة من حيوان مصاب بداء الكَلَب، ينتقل الفيروس فوراً الى الشخص، وتختلف الخطورة بحسب مكان العضّة. ويوضح د. عفيف أنّه «في حال هاجم كلب «كلبان» أيّ شخص وعضّه، ينتقل الفيروس من هذا الحيوان الى الانسان من خلال اللعاب، لينتشر في الجسم عبر الجهاز العصبي، ليصل الى الدماغ. وتختلف الخطورة، بحسب مكان العضّة، فكلما كانت بعيدة من الدماغ كلما كانت الخطورة أقلّ. وإذا كانت مثلاً في الرِّجل لا تكون خطيرة بقدر العضّة في الكتف أو العنق أو الوجه، التي يكون فيها العلاج والشفاء أصعب».
علاج واحد لا غير!
ليس من الضرورة أن تظهر أيّ عوارض على الشخص بعد تعرّضه للعضّ، وتختلف فترة حضانة الفيروس بين شخص وآخر، ولكن غالباً ما يظهر بعد أسبوع من الحادثة الى حدّ الـ3 أشهر. ويشير د. عفيف الى أنه «يموت 99 في المئة من الذين يتعرضون لهذا الداء في حال لم يتعالجوا. ولا يوجد سوى علاج واحد مطروح لهذه المشكلة.
وفي التفاصيل، يجب على الشخص الذي تعرّض لأيّ عضّة بسيطة كانت أو أكثر جدّية، التوجّه الى المستشفى في أقرب وقت ممكن (حدّ أقصى 24 ساعة). وهنا من المهم معرفة إذا كان للحيوان مالك لنسأله اذا كان قد قام بإعطائه كل اللقاحات الموجَّهة ضدّ الكَلَب. ويمكن التأكّد من ذلك من خلال الدفتر الطبي للكلب الذي تسجّل فيه كل اللقاحات التي أُجريت له.
وفي حال لم يكن الكلب قد تلقّى لقاحات ضد الكَلَب، أو في حال كان شارداً على الطريق، عندها يكون خطرُ إصابة الانسان بداء الكَلَب مرتفعاً، ما يحتّم إعطاؤه اللقاح المقاوم لهذا الفيروس اضافةً الى المضادات الحيوية ضدّه، وهذا هو العلاج الوحيد».
الغيبوية والموت المحتّم!
في المقابل، صحيح أنّ هذا العلاج يساعد المصاب، ولكن في بعض الحالات لا يتجاوب معه الشخص. ويشدّد د. عفيف أنّ «أولاً من المهم معرفة أنّ هذا اللقاح يُعطى على فترة معيّنة، وليس فقط بعد الحادثة.
وعدد من العوامل تؤثر في الشفاء، منها الفترة الزمنية التي تلقّى بها المصاب العلاج بعد الاصابة. كما تكمن المشكلة أنّ بعض الاشخاص تكون مناعتهم ضعيفة، كما أنّ لمكان العضة كما ذكرنا دوراً اساسياً، فإذا كانت في الرأس فقد يسبق الفيروس العلاج ويصل إلى الدماغ ويتلفه. وللأسف، لا يوجد في هذه الحالة أيُّ تدخّل طبّي حتّى الآن يساعد في إنقاذ المريض.
في المقابل، إذا شفي الشخص يعود لحياته الطبيعية، ولكن عند ظهور عوارض الكَلَب لا سيما إذا أثّرت العضة في الجهاز العصبي ووصل الفيروس الى الدماغ الأمر الذي قد يدخل المريض في غيبوية (Coma)، عندها لا عودة الى الوراء، ولسوء الحظ إنّ الموت محتّم».
هل يحمل اللقاح العوارض الجانبية؟
في هذا الاطار، سؤال يطرح نفسه «هل من مشكلة أو أيّ مضاعفات طبّية يمكن أن تُسجَّل في حال أعطي الشخص اللقاح بعد تعرّضه لعضة كلب، لاسيما إذا كانت قريبة الى دماغه، حتّى لو كان الكلب نفسه ملقّحاً ضد الكَلَب؟ يجيب د. عفيف «إذا لم نتأكّد من حصول الكلب على اللقاحات اللازمة، فلا مشكلة من إجراء هذه الحقنة «على صحة السلامة»، فهي لن تسبّب إلّا بعض العوارض الجانبية كالألم مثلاً. إلّا أنّه إذا تأكدنا من حصول الكلب على اللقاحات فلا يوجد أيّ داعٍ لها. وتجدر الاشارة الى أنّ هذه اللقاحات مؤمّنة في المستشفيات الحكومية ويمكن أن يكون عددها محدوداً».
تحمّلوا المسؤولية!
داء الكَلَب مرض جرثومي يؤدّي حكماً إلى الموت ولا علاج له أو شفاءَ منه في حال سيطر على الجسم. وبالتالي، نعم، يمكن أن يموت أيُّ شخص من داء الكَلَب في القرن الحادي والعشرين، وهذا ما يحمّل المسؤولية لأصحاب الكلاب خصوصاً أنّ الخطر الأكبر يكمن عليهم مباشرةً، اضافةً الى أهمية أنّ تجد الدولة الحلول المناسبة للكلاب الشاردة على الطرقات والتي قد تكون مصابةً بهذا الداء.
ويختم د. عفيف جازماً أنّ «الفكرة الاساسية في كل هذا الموضوع هي الوقاية وليس العلاج. فنسبة الموت مرتفعة جدّاً بعد التعرّض لعضة كلب غير ملقّح، ما يفسّر أهمّية تحمل المسؤولية في تربية الحيوانات وتلقيحهم تماماً كما يلقحون أطفالهم، وهذه هي الوقاية الوحيدة.
ويهمّني أن أوضح أهمية أن يتلقّى اللقاح الموصى به، الاشخاص الاكثر عرضة للحيوانات أي الطبيب البيطري والذين يعملون في الاحراش وفي حدائق الحيوانات. وتجدر الاشارة الى أنّ هذا الفيروس غير معدٍ من انسان الى آخر. أخيراً، لا توجد إحصاءات في لبنان حول الاصابة والشفاء أو حتى الموت بداء الكَلَب، ولكن نسمع من فترة الى اخرى بحوادث كهذه».
إرشادات وزارة الصحة
يُذكر أنّ وزارة الصحة اللبنانية، كانت قد دعت المواطنين إلى التقيّد بإرشادات وقائية من داء الكَلَب لاسيّما بعد ارتفاع عدد المعقورين في مختلف المناطق اللبنانية وازدياد عدد الكلاب الشاردة في أكثر من منطقة، خلال الأشهر الأخيرة، وبعد أن رصدت وزارة الصحة العامة احتمال انتقال المرض إلى الانسان.
وكانت قد دعت الوزارة عينها وزارتي الزراعة والداخلية والبلديات لمكافحة الكلاب الشاردة بالتعاون مع الجمعيات المعنية ووفق القوانين والآليات المعمول بها دولياً، لما في ذلك من خطر جدّي لداء الكَلَب على الصحة العامة.
أمّا الارشادات التي نصحت بالتقيّد بها، فهي على الشكل الآتي:
• التوجّه فوراً (خلال مهلة لا تتعدى الـ 24 ساعة) إلى أقرب مركز لمكافحة داء الكَلَب فور التعرض لعقر أو حتى خدش ومتابعة البروتوكول الوقائي من هذا الداء حتى آخر جرعة من التلقيح
• غسل مكان العقر أو الخدش بالماء والصابون جيداً
• تطهير الجرح باستعمال المواد المطهّرة
• عدم تقطيب الجرح وفي حال الضرورة القصوى يترك جزء من الجرح غير مقطب
• أخذ حقنة ضد الكزاز
• تجنّب الإقتراب من الحيوانات الشاردة خصوصاً الكلاب والقطط
• الإنتباه للأطفال عند اللعب مع الحيوانات
• ضرورة تلقيح الكلاب الأليفة والإحتفاظ بشهادات تلقيحها
• مراقبة الحيوان المشبوه لمدّة عشرة أيّام بعد الحادثة.