كتبت صحيفة “العرب” اللندنية: خصص حسن نصرالله الأمين العام لـ”حزب الله” خطابا طويلا ألقاه الجمعة من مخبئه في بيروت لتبرير احتفاظ حزبه بسلاحه. وكان التبرير الأوّل الذي قدّمه أن هذا السلاح يحمي لبنان من أطماع إسرائيل في حقول الغاز المكتشفة قبالة الساحل اللبناني.
وذهب إلى حد القول إن هذا السلاح الذي لدى الحزب يمكّن المسؤولين اللبنانيين من القول للأميركيين “يجب أن تقبلوا مطالبنا حتّى نرد حزب الله عن إسرائيل”.
وشدّد على أنّ “حزب الله” هو الذي يهدّد إسرائيل وليس العكس، مشيرا إلى أنّه ليس مسموحا للجيش اللبناني بالحصول على سلاح نوعي، وذلك على العكس من “حزب الله”.
ووفقا للأمين العام لحزب الله فإن “القوة الوحيدة لدى اللبنانيين في معركة النفط والغاز هي المقاومة”. وزعم أنه “ليست هناك وساطة أميركية فالمسؤولون الأميركيون حضروا للإملاء والتهديد وليس الوساطة”، في إشارة إلى زيارة وزير الخارجية ريكس تيلرسون الخميس والذي بقي نائبه ديفيد ساترفيلد في بيروت الجمعة في محاولة لإقناع المسؤولين اللبنانيين بخطة الولايات المتحدة لتسوية هذا الملف.
وفهم المسؤولون اللبنانيون من كلام نصرالله، الذي استمع إليه مؤيدون له عبر شاشة كبيرة، بأنّه رسالة موجهة إلى الحكومة اللبنانية التي يرأسها سعد الحريري.
وقالت مصادر سياسية إنّ فحوى الرسالة يتمثّل في أن على الحكومة اللبنانية رفض الوساطة الأميركية بين لبنان وإسرائيل في شأن ترسيم الحدود البحرية بين البلدين.
وذكرت المصادر أن النبرة العالية التي اعتمدها نصرالله في خطابه تعكس قلقه من تعرضه للتهميش، ذلك أن حل الحكومة لهذا الملف بعيدا عن سطوة الحزب سيعني انتصارا للدولة اللبنانية، وسيمنحها نوعا من الاستقلالية فقدتها لعقود، خاصة في الملفات المرتبطة بإسرائيل.
وتسمح الوساطة التي طرحها وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون في أثناء زيارته لبيروت الخميس، بتحديد حصة إسرائيل في البلوك رقم 9 في جنوب لبنان بنسبة ستين في المئة من الغاز للبنان فيما تذهب نسبة أربعين بالمئة إلى الجانب الآخر.
وفسر مسؤول لبناني موقف نصرالله من الوساطة بأنه يهدف إلى إقناع اللبنانيين بأن سلاح “حزب الله” كفيل بالدفاع عن حقوق لبنان في حقول الغاز وأن لولا هذا السلاح ستستولي إسرائيل على قسم من الغاز المكتشف.
وقال إن موقف الأمين العام لـ”حزب الله” شبيه بموقفه بعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في العام 2000. فبدل أن يبادر الحزب إلى إلقاء سلاحه وتسليمه إلى الجيش اللبناني، اختلق ما يسمّى قضية مزارع شبعا التي احتلتها إسرائيل من سوريا في العام 1967.
وترى أوساط سياسية لبنانية أن المفردات التي اعتمدها حسن نصرالله في خطابه من قبيل “يجب على الدولة” و”عليها التنبه” و”قولوا”، تكرس واقع سيطرة الحزب على لبنان وعدم احترامه لمؤسسات الدولة، فضلا عن هوس أمينه العام بلعب “دور المرشد الأعلى للبنان” على شاكلة مرشد راعيته إيران.
وتشير هذه الأوساط إلى أن قضية الحدود لا يمكن حلها بـ”الصراخ العالي” بل بالقنوات الدبلوماسية، وأن شيطنة الوساطة الأميركية التي هي من صميم توجهات طهران، ليست في مصلحة لبنان.
وعهد وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون إلى نائبه ديفيد ساترفيلد مهمة استكمال الوساطة بين إسرائيل ولبنان لحل أزمة الحدود البحرية والبرية.
وقام ديفيد ساترفيلد رفقة السفيرة الأميركية لدى لبنان إليزابيت ريتشارد، في وقت سابق الجمعة، بجولة على المسؤولين اللبنانيين شملت كلا من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل، على أن يقوم في الساعات المقبلة بزيارة إلى إسرائيل لاطلاع مسؤوليها على الموقف الرسمي للدولة اللبنانية من المسألة الحدودية، وأيضا لمحاولة تقريب وجهات النظر بين الجانبين.
وأبدى المسؤولون اللبنانيون صلابة في الدفاع عن موقفهم بشأن الحدود البرية وأيضا في أحقيتهم في بلوك الغاز رقم 9 في المنطقة البحرية المتنازع عليها، وإن كانوا أبقوا الباب مفتوحا للتفاوض.
وكان ساترفيلد قد قدم الخميس ضمن الوفد الذي رافق ريكس تيلرسون إلى بيروت، في محطته الرابعة من جولته إلى المنطقة والتي لم تدم سوى ساعات قليلة ولم تكن مريحة بالمرة شكلا ومضمونا.
وركز تيلرسون خلال لقاءاته في لبنان على مسألة الحدود مع إسرائيل، حتى أنه طرح صيغة حل تقضي بتقاسم السيطرة على البلوك 9 للغاز بحيث يحصل لبنان على الثلثين فيما تأخذ إسرائيل الثلث، الأمر الذي رفضه المسؤولون اللبنانيون الذين أكدوا أنهم لن يقدموا تنازلات وأن على إسرائيل الاقتناع بعدم مشروعية تحركاتها.
وجدد رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري عقب اجتماعه بساترفيلد التأكيد على أن المقترحات الأميركية بشأن الحدود البحرية المتنازع عليها مع إسرائيل “غير مقبولة”، مشددا على ضرورة ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل عبر اللجنة المنبثقة عن تفاهم 1996. وأضاف نبيه بري أنه يريد عملية على غرار ما حصل بالنسبة للخط الأزرق الحدودي الذي رسمته الأمم المتحدة بين إسرائيل ولبنان، والذي يمثل حدود الانسحاب العسكري الإسرائيلي من جنوب لبنان في العام 2000.
ومن جهته اعتبر وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل أنه لن يكون هناك أي تنازل يضر بسيادة لبنان على أراضيه ومياهه، قائلا “معنا ما بينشغل (لا ينشغل) بال اللبنانيين على النفط والسيادة”.
ويرى مراقبون أن مهمة ساترفيلد لجهة إيجاد تسوية في هذا الملف الشائك ستكون صعبة للغاية، خاصة وأن إسرائيل لا تبدي أي مرونة، فضلا عن أن هناك قناعة لبنانية بانحياز أميركي لها في هذا الملف، رغم تأكيد واشنطن على أن ما تعرضه على الطرفين يستند إلى القانون الدولي، وأخيرا وليس آخرا موقف حزب الله المتشدد.
وجدير بالذكر أن ساترفيلد قام قبل أيام بزيارة إلى لبنان لجس النبض حيال الموقف من ملف الحدود البحرية والبرية مع إسرائيل. وكان المسؤولون الإسرائيليون قد أطلقوا في الأيام الماضية سلسلة من التصريحات التي اعتبرها لبنان استفزازية لجهة إعلانهم أن بلوك الغاز رقم 9 ملك لهم، خاصة مع اقتراب موعد التنقيب على الغاز من قبل ائتلاف لشركات روسية وفرنسية وإيطالية في المنطقة بعد أن ربح المناقصة التي طرحها لبنان.
وبالتوازي مع التصعيد حيال بلوك 9 بدأت إسرائيل تحركات ميدانية على الحدود الجنوبية حيث تعمل على بناء جدار عازل على الخط الأزرق، الأمر الذي أثار حفيظة اللبنانيين معتبرين أن في هذه الخطوة استهدافا للسيادة اللبنانية.
ومعلوم أن لبنان يتحفظ على 13 نقطة على الخط الأزرق الذي تم اعتماده في العام 2000، على خلفية المواجهة بين حزب الله وإسرائيل.