Site icon IMLebanon

لهذه الأسباب أُسقطت طائرة الـ «F16» الإسرائيلية

كتب جورج شاهين في صحيفة “الجمهورية”: 

منذ مطلع العام 2018 استهدفت إسرائيل الأراضي السورية بأكثر من 24 غارة دمّرت وألحقت أضراراً بمنشآتٍ للأسلحة الكيماوية ومواقع جوية وقوافل قيل إنّها سورية وإيرانية ولـ «حزب الله»، ولم تُصب أيّ طائرة رغم اقترابها من أقرب مدار للـ(S400) في قاعدة حميميم. فما الذي حصل السبت الماضي من خلال إسقاط واحدة وإصابة أخرى. وما الذي تغيّر؟ وهل خرقت إسرائيل خطوطاً حمراء روسية جديدة؟

بعد مرور أسبوع على المواجهة الإسرائيلية – الإيرانية – السورية يوم السبت الماضي، بدأت المراجع الديبلوماسية والعسكرية بإجراء القراءات الهادئة لما حصل والخلفيات التي ميّزت الحدث عن سابقاته في ظلّ ردات الفعل التي اتّخذها والحديث المتنامي عن تغيير قواعد الإشتباك في المنطقة وصولاً الى اعتبارها أوّل مواجهة روسية – أميّركية بشكل من الأشكال.

فهي المرة الأولى منذ اندلاع الحرب السورية التي تتّخذ هذه العملية طابعها المأسوي في إسرائيل رغم أنّ الطائرة التي أُصيبت موضوعة في الخدمة منذ أكثر من 24 عاماً وشاركت في مئات الطلعات الحربية الجوّية.

وقبل الدخول في الخلفيات التي توقفت عندها هذه المراجع، يبدو لها في الشكل وقبل المضمون أنّ إسرائيل تُحسن الظهور في مظهر المعتدى عليه في وقت يتباهى فيه العرب ومحور الممانعة بما أنجزه الصاروخ الذي أسقط الطائرة، رغم حجم الأضرار التي ألحقتها عشراتُ الغارات السابقة وتلك الإثنتي عشرة التي شنّتها الطائرات يوم السبت الماضي على المطارات السورية الأربعة التي استهدفت بما فيها من مواقع للطائرات المسيّرة الإيرانية وأربع قواعد لصواريخ أرض – جو سورية ومواقع قتالية إيرانية أخرى، والتي لا تُقاس أضرارُها بثمن طائرة وُضعت في الخدمة قبل ثلاثة عقود ونصف من الزمن.

هذا في الشكل، أما في المضمون فتتوقف المراجع الديبلوماسية والعسكرية أمام خلفيات ما حصل والأسباب التي دفعت الى التصويب «بصاروخ صائب» هذه المرة بعدما فشلت المحاولات السابقة في إصابة أيّ من الطائرات المغيرة، فتحدّثت عن تقنية جديدة استُخدمت هذه المرة تجنّب من خلالها مطلقو الصاروخ رزمة البالونات الحرارية التي أطلقها السرب الإسرائيلي.

وعليه، ربطت المراجع الديبلوماسية بين إسقاط الطائرة الإسرائيلية بصاروخ روسي في مقابل الصاروخ الأميركي الذي أسقط الـ»سوخوي» الروسية قبل أيام في شمال سوريا، وذلك في إطار المواجهة غير المعلن عنها بين التوجّهات الروسية والأميركية المتضاربة في الأجواء وعلى الأراضي السورية عقب المواقف الأميركية المتشدّدة من وجودها في سوريا.

فالجميع يُدرك ويُراقب حجمَ التعزيزات التي نقلتها القوات الأميركية بكامل عتادها المتطوّر الى الأراضي السورية لتعزيز قواعدها في التنف جنوب – شرق سوريا قرب مثلث الحدود العراقية – السورية – الأردنية، وتلك الواقعة في الشمال السوري وتحديداً في مناطق الحسكة والقامشلي القريبة من الحدود التركية والعراقية امتداداً الى المواقع المستحدَثة شرق نهر الفرات في منطقة الرقة حيث حقول النقط والغاز، وغرب المجرى في مدينة منبج كونها منطقة صراع أميركي – تركي متجدّد عقب الإنذارات التركية للقوات الأميركية بإخلائها.

وفي هذا الإطار، تضع المراجع الديبلوماسية قراءتها هذه بما فيه الربط بين إسقاط الطائرتين الروسية والإسرائيلية في إطار المواجهة الصامتة الدائرة منذ فترة أعقبت إعلان روسيا وإيران من طرف واحد الإنتصار النهائي على «داعش»، فيما اعتبرت واشنطن أنّ مثل هذه الحرب لم تنتهِ بعد. ولذلك فالمواجهة مستمرة بفارق وحيد يتمثّل في انضمام أنقرة بعد عملية «غصن الزيتون» في عفرين طرفاً ثالثاً في المواجهة المفتوحة مع الأميركيين على الساحة السورية على أكثر من مستوى.

وعند هذه القراءة الجديدة لمجريات الحرب والتغييرات التي طرأت على هويات القوى المتقاتلة، تتلاقى المراجع الديبلوماسية والعسكرية على رؤيتها الموحّدة لطبيعة التطوّرات المستجدّة على الساحة السورية، وهي ترد كل ذلك إلى اسباب، الجديد منها ما طرأ من مستجدات ابرزها القرار الأميركي بالتدخل مباشرة في الأحداث السورية بعد تراجع أدوار وكلائها المحليين السوريين الموالين للحلف الدولي باستثناء الأكراد والتحوّل الكبير الذي بدأ بالتدخل الروسي أولاً والتركي لاحقاً، وإن بأحجام مختلفة في الشكل والمضمون والدور والنتائج التي ترتّبت عليها.

وبالعودة الى الأسباب الموجبة لسقوط الطائرة الإسرائيلية، تلتقي المراجع العسكرية والديبلوماسية على اعتبار أنّ ما حصل مرده الى استهداف الطائرات الإسرائيلية مواقع وأسلحة روسية متطوّرة وحساسة موضوعة بتصرّف القوات السورية ومواقع إيرانية.

وهي اعمال لم تعد روسيا تتحمّل نتائجها ومردودها السلبي على علاقاتها بحلفها مع إيران والقيادة السورية. فالعمليات العسكرية الإسرائيلية تجاوزت الأهداف التابعة لـ«حزب الله» التي كان لها ما يبرّرها في العقل الروسي على ما بدا ظاهراً في كل ما رافق الغارات الإسرائيلية السابقة.

وعلى هذه الخلفية، تنتهي المراجع الى القول إنّ الغارات الإسرائيلية الأخيرة خرقت خطوطاً حمر إسرائيلية لم تعد تُحتسب في نظر الروس بما تسميه اسرائيل أمنها القومي الذي تحترمه موسكو بدقة، وهو ما ترجمته بغضّ نظرها عن الغارات التي استهدفت قوافل لـ«حزب الله» والميليشيات الإيرانية الأخرى وضباطاً إيرانيّين وقياديين من الحزب، وهو أمر يبرز بشكل لافت تحوّلاً في الموقف الروسي لا بدّ من التوقف عنده، كما أنّه يُوحي بما يمكن ان تتسبب به مواجهة من نوع آخر يصطف فيها الروس والإيرانيون والأتراك في المواجهة الجديدة مع الولايات المتحدة الأميركية واسرائيل.