كتبت ليندا عازار في صحيفة “الراي” الكويتية:
ماذا وراء «العودة» الأميركية الى لبنان؟
سؤالٌ فرَض نفسه في بيروت غداة المحادثات التي أجراها وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون مع كبار المسؤولين قبل ان يغادر تاركاً وراءه مساعده ديفيد ساترفيلد في مهمة مكوكية بين لبنان واسرائيل لمعالجة مسألة النزاع البحري على مساحة حوالي 860 كيلومتراً مربّعاً غنية بالنفط والغاز والنزاع البري على خلفية الجدار الفاصل الذي باشرتْ تل أبيب بإقامته على الحدود الجنوبية للبنان مقابل رأس الناقورة والذي تعتبر بيروت انه يشمل 13 نقطة تتحفظ عنها عند «الخط الأزرق» وستعني إقامته تالياً قضْم أراضٍ لبنانية، ناهيك عن ان امتداده البحري سيشكّل ما يشبه «إنزالاً» خلف خط «الصراع المائي».
وفيما كانت أصداء المواقف المتشدّدة التي أطلقها تيلرسون من بيروت حيال حزب الله «الإرهابي بجناحيْه» واعتباره ان «تنامي ترسانته يشكل تهديداً لأمن لبنان والمنطقة» ودعوته «الشعب اللبناني الى الشعور بالقلق تجاه تصرّفات»حزب الله«الذي ينبغي أن يتوقّف عن نشاطاته الخارجية»، محطّ قراءات لما انطوتْ عليه من إشارات بارزة في غمرة إعلان واشنطن المواجهة مع نفوذ إيران في المنطقة ولا سيما سورية، فإن بقاء ساترفيلد في العاصمة اللبنانية على ان ينتقل منها في الساعات المقبلة الى اسرائيل في سياق وساطته حول النزاع البحري والبري تركتْ علامات استفهام كبرى بإزاء «سرّ» الاستعجال والضغط الأميركي لإنجاز اتفاق يكون بمثابة «1701 بحري».
وإذا كانت زيارة وزير الخارجية الأميركي لبيروت جاءت من ضمن جولته في المنطقة التي تفيأت سقف قرار التصدي لطهران وانفلاشها في ساحات عدة عبر أذرع عسكرية أبرزها «حزب الله» وعودة واشنطن بقوة الى المنطقة بعد انكفاءٍ بفعل سلوك الإدارة السابقة، فإن البُعد الآخر لاستعادة الولايات المتحدة حضورها في لبنان والمتمثل بإدارة المحركات الديبلوماسية بوتيرة عالية على خط بيروت تل أبيب بدا في نظر أوساط مطلعة مرتبطاً بجانبيْن متداخليْن:
* الأوّل فَرَضه توقيع لبنان رسمياً عقود الاستكشاف والتنقيب مع ائتلاف الشركات الفرنسية – الروسية – الإيطالية في البلوكيْن 4 (الشمال) و 9 (الجنوب) من منطقته الاقتصادية الخالصة، وذلك رغم زعْم وزير الدفاع الاسرائيلي افيغدور ليبرمان قبل أيام من احتفال التوقيع ان الرقعة 9 تعود ملكيتها لبلاده محذراً الشركات من الأضرار التي ستصيبها جراء مباشرة العمل فيها.
وفي رأي الاوساط المطلعة ان «التسليم» الأوروبي بملكية لبنان للبلوك 9 الذي يقع جزء منه داخل منطقة الـ 860 كيلومتراً المتنازَع عليها قرع «ناقوس الخطر» بالنسبة لاسرائيل التي استشعرتْ بأن بيروت تقدّمت عليها بالنقاط في النزاع البحري وتتجه الى تكريس أمر واقع من «خلف ظهر» المحاولات الأميركية السابقة التي كانت اقترحت عبر فريديريك هوف تقاسُم منطقة الخلاف بنسبة 55 في المئة للبنان و45 في المئة لاسرائيل وهو ما رفضته بيروت حينها وما زالت تعارضه اليوم.
وبحسب هذه الأوساط فإن تل أبيب، وعلى وهج وضْع خيار الحرب الشاملة على الطاولة، والذي لاحت مؤشراته من خلال سلوكها الحربي ضدّ أهداف سورية وإيرانية في سورية قبل أيام بالتزامن مع تهديداتها لـ «حزب الله» على خلفية اتهامه بنقل أسلحة كاسرة للتوازن وبناء مصانع للصواريخ في لبنان، تحاول انتزاع موافقة من بيروت على مَخْرج للنزاع البحري ينطلق من «خط هوف» مع تعديلات على الاقتراح الأصلي، وفي بالها بشكل رئيسي وضْع اليد على البلوك 8 الواقع قسم كبير منه ضمن منطقة الـ 860 كيلومتراً، وسط انطباعٍ بأن الحد الأدنى المطلوب بالنسبة اليها هو تكريس هذه المنطقة نقطة نزاع بما يعني تجميد أي أعمال فيها او إيجاد صيغة لـ «وصاية دولية» على عائداتها بانتظار الاتفاق النهائي، في موازاة محاولة جرّ بيروت الى تفاوُض مباشر معها يرفضه لبنان في شكل قاطع.
* والجانب الثاني ان تل أبيب التي جاهرتْ بعدم إمكان ان تسلّم بوجود إيراني مهدِّد لأمنها على حدودها في سورية ولا بامتلاك «حزب الله» او تطويره أسلحة تعتبرها من «المحرّمات»، تسعى لملاقاة التشدّد الأميركي حيال طهران والحزب ومحاولة واشنطن بالديبلوماسية حيناً وبضربات موْضعية حيناً أخرى إفهام إيران ومن خلفها روسيا بأن «الخطوط الحمر» التي ترسمها حيال وجودها (أي اميركا) في سورية كما أزاء أمن الدولة العبرية ليست محط مساومة.
وترى المصادر المطلعة نفسها ان تل ابيب وانطلاقاً من هذا الواقع تبدو وكأنها تسعى الى جعْل النزاع البري والبحري مع لبنان بمثابة «فتيل» قابِل للاشتعال عند الضرورة أي حين تشعر بأن فرصتها ملائمة او ان «الخيار المُرّ» بالحرب أصبح لا مفرّ منه، علماً أنها أمام معادلة صعبة بين إما ترْك إيران و«حزب الله» يراكمان مكامن التهديد الوجودي لها وإما الحرب المُكْلفة مهما كانت النتائج.
وعلى وقع هذه القراءة أجرى ساترفيلد امس في بيروت لقاءات بدأت مع وزير الخارجية جبران باسيل واستُكملت مع رئيس البرلمان نبيه بري ثم رئيس الحكومة سعد الحريري وسط تقاطُع المعطيات عند ان الديبلوماسي الأميركي سمع موقفاً لبنانياً موحداً ومكرَّراً حيال رفْض العودة الى مقترح هوف وان بيروت تتمسك بسيادتها على كامل المنطقة البحرية المتنازع عليها.
وأشارتْ المعطيات الى ان ساترفيلد يحاول انطلاقاً من ذلك بلورة طرْح جديد كشف رئيس البرلمان عن بعض جوانبه حين نُقل عنه انه «أصرّ على موقفه لجهة ترسيم الحدود البحرية عبر اللجنة الثلاثية (العسكرية من الأمم المتحدة – لبنان – اسرائيل) المنبثقة عن تفاهم أبريل 1996 على غرار ما حصل بالنسبة للخط الأزرق»، معتبراً «ان المطروح غير مقبول»، في ما فُسر على انه إشارة ضمنية الى رفْض اي منحى لتفاوض مباشر لبناني – اسرائيلي، وسط معلومات تحدّثت عن ان واشنطن تقترح مفاوضات يشارك فيها لبنان واسرائيل والامم المتحدة وتضاف إليهم الولايات المتحدة على ان تكون على مستوى ديبلوماسي لا عسكري، وهو ما لن تنجرّ اليه بيروت.