كتبت آمال خليل في صحيفة “الأخبار”:
في انتخابات عام 2005، لم يترشح رئيس مجلس النواب الأسبق كامل الأسعد، للمرة الأولى منذ عام 1953. بعض مناصريه افتقدوه، فوضعوا اسمه في صندوق الاقتراع في دائرة النبطية ومرجعيون – حاصبيا، تعبيراً عن وفائهم له. هؤلاء لم يكن عددهم سوى 14. رقم أعقب تراجع ناخبيه منذ عام 1992 من الآلاف إلى المئات، في مقابل نيل خصومه في لائحة حركة أمل وحزب الله عشرات الآلاف.
الانتخابات كانت أبرز مؤشر على تقهقر الحالة الأسعدية التي حكمت جبل عامل لعقود. ارتضى الأسعد الاعتكاف جانباً إزاء تغلغل الحركة والحزب في بنية قاعدته السابقة. لكن أفراداً من العائلة، من بينهم نجله أحمد، لم يرتضوا بالاعتكاف. يصرون على استعادة المجد الضائع، برغم موقع بعض أجدادهم السلبي في جزء من الذاكرة الجماعية في الجنوب.
أمس، أعلن المستشار العام لحزب الانتماء اللبناني، أحمد الأسعد، لائحة «فينا نغيّر» التي ستخوض الانتخابات النيابية المقبلة في دائرة الجنوب الثالثة. للمرة الثالثة، يترأس أحمد «جونيور» لائحة بوجه «أمل» والحزب، مطلقاً دعوة «لتغيير الواقع الحالي نحو مستقبل زاهر ودولة تحتضن طاقات الشباب والشابات وأحلامهم». هو قد بدأ التغيير من نفسه. استبدل مكان إطلاق اللائحة من دار الطيبة (قضاء مرجعيون) مقر زعامة آل الأسعد، بفندق خمس نجوم في سن الفيل. كذلك استبدل ترشحه في قضاء مرجعيون ــ حاصبيا بترشيح زوجته عبير رمضان، ونقل ترشحه إلى قضاء النبطية. في تصريحه أمس، قال إنه «مع اقتراب موعد الانتخابات سنسمع الأسطوانة ذاتها بأن نتائجها يجب أن تحمي سلاح المقاومة من خطر نزعه». الأسعد أيضاً لا يغير الأسطوانة. يصرّ على تكرار شعارات تهاجم المقاومة وتستفز جزءاً كبيراً من الناخبين الذين يسعى إلى جذبهم. فضلاً عن تلك الشعارات، ما الجديد الذي يقدمه الأسعد الذي يظهر جنوباً عند الانتخابات فقط؟ وكيف يحاول إقناع الجنوبيين بانتخابه؟ علماً بأن الحملة الدعائية والأموال الانتخابية الطائلة التي أنفقها في انتخابات 2009 (قُدّرت بنحو 30 مليون دولار حصل عليها من السعودية والولايات المتحدة الأميركية)، عادت إليه بـ 10694 صوتاً لمصلحته (منهم 763 صوتاً شيعياً)، في مقابل 11 ألف صوت نالها عدنان عبود المرشح الشيعي الثاني على لائحته. وكان في عام 2005 قد نال 8404 أصوات. للاستفسار، حاولت «الأخبار» التواصل مع زوجة الأسعد، المرشحة عبير رمضان، لكن من دون تجاوب.
خرج أحمد الأسعد من عباءة والده منذ سنوات، مؤسساً «تيار الانتماء اللبناني». كلاهما اجتمعا على انتقاد الطبقة الحاكمة، لكن الأب لم يهاجم خيار المقاومة ضد إسرائيل. بعد وفاة الأب، ورث ابنه وائل وأشقاؤه (والدتهم غير والدة أحمد)، تياره، وسط انفصال شقيقهم كامل مع شقيقه أحمد. وبرغم أن ملكية دار الطيبة انتقلت إلى الأخير بالوراثة، لكن وائل وأشقاءه دخلوا أخيراً إلى مسقط رأسهم من بوابة البلدية المحسوبة على حزب الله ونائبه ابن البلدة علي فياض، عندما نقلوا ملكية حرج الطيبة من جدتهم لأبيهم إلى البلدية. الطموح ليس بعيداً عن «وائل بيك». الشاب العشريني يجري اتصالات لدراسة إمكان ترشحه للانتخابات عن مقعد الجد والأب في قضاء مرجعيون.
رياض الأسعد: البيك الفلاح
يرفض رياض الأسعد تصنيفه ضمن زعامة آل الأسعد التقليدية. فخذ أسرته انتقل من جذور العائلة في تبنين إلى الزرارية (قضاء الزهراني)، في مقابل انتقال فخذ أحمد الأسعد «الأول» إلى الطيبة. يجد نفسه «جزءاً متمماً للناس، لا فوق ولا تحت». يتفهم تقهقر زعامة الطيبة التي اختصرت تمثيل العائلة، لأسباب أبرزها «ابتعاد وريثها كامل الأسعد عن الجنوب جغرافياً ومعنوياً، والابتعاد عن الواقع باعتماد الحياد خلال الحرب الأهلية والاحتلال الإسرائيلي، في مقابل دعم انتخاب بشير الجميّل رئيساً للجمهورية والتوقيع على اتفاق 17 أيار، وما سبقه من التعامل الفوقي مع ظاهرة الإمام موسى الصدر وتأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى». ولفت الأسعد إلى أن خسارة ابن عائلته لزعامته الشعبية بدأت منذ عام 1972 مع بروز التيارات الفلسطينية واليسارية جنوباً. وتجلّت في الانتخابات الفرعية في النبطية عام 1974، عندما خسر مرشحه كامل علي أحمد أمام رفيق شاهين، مرشح الصدر والعائلات. وبعد ضمور الحالة الأسعدية في حياة كامل الأسعد «يأتي من يصرّ على الاعتماد عليها في الحاضر». يصرّ ورثته على «الاستناد إلى تراث تاريخي عمره 300 سنة من دون تقديم شيء جديد والتصرف كأن الزعامة سُلبت من كامل الأسعد». والد رياض الأسعد، سعيد الأسعد، تماشى مع التيار. دعم الصدر وتحالف مع الرئيس نبيه بري في انتخابات عام 1992 التي جعلته عضواً في كتلة التنمية والتحرير مع حليفه حبيب صادق. في عام 1996، وبعد أن ترشح مع صادق والياس أبو رزق وخسروا، ترك لابنه رياض العمل السياسي. منذ عام 2000، يواظب الأخير على الترشح بالتحالف مع المستقلين واليساريين. لكن انتخابات 2018، ستكون الأخيرة. وكما يرفض ذهنية بعض أقربائه «باستنساخ الأحادية التي ورثناها عن الأجداد»، كذلك يرفض «أحادية التمثيل المعارض».
الزين وعسيران الاعتراض الناعم
لم يُبدِ سعد الزين رغبته في الترشح أمام الرئيس نبيه بري الذي يتردد إليه دائماً في عين التينة. «ما طلعت» من مساعد رئيس الجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت، بل «طلعت» من أصدقائه الذين يجدون فيه «الوريث» المناسب لعمه النائب عبد اللطيف الزين. يرفض كلمة التوريث. «عمي لم يلبسني عباءة الزعامة، بل بيتي مفتوح للناس بالخدمات استكمالاً للرسالة التي ورثتها عن الآباء والأجداد»، متسائلاً: «هل أُعاقَب لأنني ولدت في عائلة سياسية لكي أجلس في البيت ولا أعمل في الشأن العام؟». برغم حسم «أمل» استبدال عمه بالنائب هاني قبيسي، إلا أن الزين احتفظ بالأمل حتى اللحظة الأخيرة. علماً بأنه «لم يكن ليفكر في الأمر من الأساس، لو بقي عمه في موقعه». لن تتأثر علاقة حفيد يوسف الزين، بالحركة. حتى إنه رفض عرض الحراك المدني للترشح ضمن لوائحه في «الجنوب الثالثة». يوقن أنّ عدم التجديد لعمه سببه حالة الأخير الصحية.
في كفر رمان، يتقابل منزلا الزين وعمه. «بسبب بري، بقي بيت يوسف الزين ونجله عبد اللطيف، مفتوحاً». لم «يزمط» البيت من الإقفال بسبب علاقة وريث الزعامة، عبد اللطيف الزين، ببري فحسب، بل أيضاً بسبب «مواقف العائلة المتسمة بالاعتدال والإرث الذي تركه جده في خدمة النبطية ومنطقتها من جرّ المياه إلى المنازل في الستينيات إلى تأسيس جمعية المقاصد الإسلامية في المنطقة وافتتاح المدارس»، يقول الزين. الزين الحفيد يسلك الطريق نفسها من خلال تأسيس جمعية مختصة بـ«تمكين الطاقات البشرية وتطويرها».
في المقابل، لم ينتظر نديم عسيران بري وسواه لترشيحه. في عام 1992، قرر إحياء نيابة والده، نائب النبطية الراحل سميح عسيران. خسر لكنه كرر التجربة في عام 2009 عندما نال 3094 صوتاً. سليل عائلة عسيران التي انطلقت من صيدا ووصلت إلى رئاسة مجلس النواب (عادل عسيران) ولا تزال ممثلة في البرلمان منذ عام 1992 على لائحة «أمل» (علي عسيران)، لا يجد نفسه جزءاً من هذا التمثيل. يعمل حالياً على تشكيل لائحة من «المستقلين» وحزبيين و«ناشطي المجتمع المدني» للترشح في دائرة الجنوب الثالثة عن قضاء الزهراني تلتقي على حماية المقاومة وسلاحها ومحاربة الفساد. برغم أن عائلته ممثلة، إلا أنه لا يترشح كشخصية مستقلة، بل كوريث لحيثية أسسها والده وأكملها هو من بعده. «ليس عيباً أن آتي من عائلة سياسية. وإذا كان والدي قد أورثني رصيداً شعبياً وخدماتياً، فهل أرميه وأتنكر له أم أعتز به وأحافظ عليه؟».