أظهرت دراسات تناولها خبراء مشاركون في ندوة عن الإنتحار في لبنان نظمتها جمعيّة “إدراك” (مركز الأبحاث وتطوير العلاج التطبيقي) بالتعاون مع دائرة الطب النفسي وعلمه في مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي وكليّة الطب والعلوم الطبّية في جامعة البلمند، أن نسبة محاولات الإنتحار في لبنان وهي 2 في المئة من إجمالي عدد السكّان، تُقارِب معدّل نسب محاولات الانتحار في 17 بلداً وهي 2.7 في المئة، غير إن الأرقام المتعلقة بالإنتحارات المكتملة، والتي تنشرها منظّمة الصحّة العالميّة، تضع لبنان في مراتب منخفضة وبعيدة من المعدل العالمي (0.2 في المئة في لبنان مقارنة بـ1.4 في المئة عالمياً)”. وكشف المديرون العامون لوزارات الصحة والداخلية والعدل عن جهود مشتركة بين وزاراتهم لتحديث القوانين وتحسين آليات التبليغ عن الوفيات، وتوحيد وثائق الوفاة، وتحديد دور الطبّ الشرعي فيها، وشددوا على أهمية الوقاية من الإنتحار بتوفير خدمات الصحة النفسية وإنشاء خط ساخن للإنتحار.
وشارك عدد من المتخصّصين، من أطباء نفسيين ومحاضرين جامعيين ورجال دين وقضاة ومسؤولين في هيئات أهلية وجهات حكومية معنية ومنظمّة الصحّة العالميّة، في الندوة التي نظمتها “إدراك” في مقر جامعة البلمند في الأشرفيّة، بعنوان ” الإنتحار في لبنان: أين نحن؟”، وتضمنت عرضاً لوضع الإنتحار في لبنان، من حيث نسبته، وسبل توثيقه، وووسائل الوقاية منه.
لبنان قريب من النسب العالمية
وبعد كلمة افتتاحية لرئيس “إدراك” الدكتور إيلي كرم، عُقِدَت الجلسة الأولى التي أدارها مدير البرنامج الوطني للصحة النفسية في وزارة الصحة الدكتور ربيع شمّاعي، ورئيس جمعية الطب النفسي اللبنانية الدكتور وديع نجا، وتحدّث فيها كرم عن موضوع “إنتشار السلوك الانتحاري في العالم وفي لبنان”. وقال كرم إن الأرقام المتعلقة بالإنتحارات المكتملة والتي تنشرها منظّمة الصحّة العالميّة تضع لبنان في مراتب منخفضة وبعيدة من المعدل العالمي (0.2 في المئة في لبنان مقارنة بـ1.4 في المئة عالمياً)”.
و كشف أن الدراسات التي أجرتها “إدراك” في إطار الدراسات الاستقصائيّة العالمية عن الصحّة النفسيّة، بيّنت أنّ نسبة محاولات الإنتحار في لبنان تقارب معدل نسب محاولات الانتحار في البلدان التي شملتها الدراسة (17 بلداً)، إذ بلغت 2 في المئة من إجمالي عدد السكّان في لبنان مقارنة مع المعدل (2.7 في المئة) في العيّنة الكاملة التي شملتها الدراسة”. وأضاف: هناك احتمالان: الأول أن أرقام منظّمة الصحّة العالميّة المتعلقة بالإنتحارات المكتملة قد تكون أقل من الواقع ما يعني أننا بحاجة إلى إجراءات جدية لتوثيق حالات الإنتحار المكتملة في لبنان، والإحتمال الثاني أن تكون أرقام منظمة الصحة العالمية صحيحة وتكون نسبة الإنتحارات المكتملة في لبنان متدنية جذاً بالفعل وبالتالي تتوافر في مجتمعنا اللبناني عوامل وقائية من الإنتحار قد يستفيد منها العلم والعالم”.
عوامل خطر الانتحار في لبنان والعالم
أما عضو “إدراك” الدكتور جورج كرم، فتناول “عوامل خطر الانتحار في لبنان والعالم”، وشرح أن الإنتحار يشكّل مصدر قلق كبير في مجال الصحة العامة”، موضحاً أن “ثمّة عوامل خطر عدّة من شأنها أن تؤدّي إلى السلوك الانتحاري، بينها عوامل خطر خاصة بلبنان والشرق الأوسط”. وأضاف: “الدراسات االتي أجريناها أظهرت تفاعُل السلوك الإنتحاري مع المزاج، وارتباطه الواضح بعدد من عوامل الخطر، كالأمراض النفسية لدى الأهل، ومصاعب الطفولة، وتبعات الحرب أو الأحداث التي تشكّل صدمة، إضافة إلى تأثره بالاضطرابات الذهانيّة”. وشدّد على أن “الترابط القويّ بين الاضطرابات النفسيّة والسلوك الانتحاري يَفترض، من منظور الصحّة العامة، ضرورة أن تركّز جهود الوقاية من الانتحار، سواء في الدول المتقدّمة أو النامية، وعلى رصد الاضطرابات النفسيّة ومعالجتها”. كما أفاد أن “آخر الدراسات العالمية تجد أن الأطفال الذين يقعون ضحية التنمّر معرضون إلى حد 9 مرات أكثر من غيرهم للتفكير بالإنتحار كما أن الراشدين الذين يتعرضون للتنمر في العمل معرضون إلى حد مرتين أكثر للتفكير بالإنتحار”.
الخط الساخن: عام أول
وتحدثت السيّدة مِيا عطوي، أحد مؤسسي جمعية Embrace وعضو هيئتها الادارية، فلاحظت أن “الإنتحار تحوّل إلى هاجس أساسي للصحّة العامة في لبنان إذ تشير إحصائيات قوى الأمن الداخلي إلى حالة انتحار كل يومين ونصف يوم في لبنان، ومحاولة انتحار كل ستّ ساعات، وعام 2014 شهدت معدّلات الإنتحار ارتفاعاً بلغ 30 في المئة مقارنة بالعام 2013، وقد شهد العام 2017 نسبة مماثلة بحسب دراسة لم تنشر بعد ترتكزعلى إحصائيات قوى الأمن (بزري 2018) “.
وأشارت عطوي إلى أن “خط الحياة” من Embrace أو الخط الساخن الوطني للوقاية من الانتحار، الذي أطلقته الجمعية في أيلول 2017 بالشراكة مع وزارة الصحة العامة، وهو الأول من نوعه في لبنان والعالم العربي، يشكّلَ خطوة رئيسية نحو وضع إطار وطني للوقاية من حالات الانتحار ورصدها وبناء النظام الوطني للصحة النفسية.
وإذ أشارت إلى أن جمعية Embrace والبرنامج الوطني للصحة النفسية في وزارة الصحة العامة في صدد توطيد تعاون رسمي حول الخط الساخن،شرحت أن الخط يجري تقييماً لنسبة مخاطر الإنتحار عبر الهاتف، ويوفر الدعم المعنوي، ويتكفل قدر المستطاع منع حدوث حالات الإنتحار ويحيل عند الضرورة على مصادر اجتماعية وبرامج علاج.
وشرحت أن الخط الساخن، الذي لا يزال في عامه الأول، يفتح أبوابه لتلقي الاتصالات على مدى 14 ساعة يومياً، من الساعة الثانية عشرة ظهراً، ولغاية الساعة الثانية صباحاً، على أمل أن يعمل على مدار الساعة وأيام الأسبوع في مرحلة لاحقة. وكشفت أن الخط تلقّى إلى اليوم أكثر من 80 اتصالاً هاتفياً.
ورأى مدير البرنامج الوطني للصحة النفسية في وزارة الصحة الدكتور ربيع شمّاعي إن الخط الساخن للمساعدة “يشكّل ركيزة على مستوى إطار التدخّل في موضوع الإنتحار”. وأضاف أن هذا الخط الذي تعمل عليه وزارة الصحة “يتضمّن التدريب على خدمة العناية بالأمراض النفسيّة مع تطوير مراكز الخدمة الصحيّة الاجتماعيّة، وتطبيقات للمساعدة الذاتيّة، وتطوير خرائط كي يتمكّن الناس من ولوج الخدمات مباشرة.
محاولات الإنتحار بحسب السجل الوطني للصحة النفسية
أما الدكتورة غادة أبو مراد من البرنامج الوطني للصحة النفسية في وزارة الصحة العامة والسيدة إدوينا الزغبي من منظمّة الصحّة العالميّة، فتحدثتا عن إنشاء سجل وطني للصحّة النفسيّة عام 2016 لرصد الاتّجاهات الطاغية في مجال الاضطرابات النفسيّة والعلاجات، ويتضمّن هذا السجل مكوّناً حول الإنتحار. وأشارتا إلى أن المعلومات جُمعت من تسعة أطباء نفسيّين عبر برنامج إلكتروني صمّم خصيصاً لهذا المشروع. وقُيّد في السجل ما مجموعه 779 شخصاً يعانون من اضطرابات للصحة النفسية بين أيلول 2016 وشباط 2017. ومن بين هذه العيّنة، 116 أقدموا على محاولة الانتحار (15 في المئة) و61 في المئة من هؤلاء هم نساء”. وأشارتا إلى أن “نحو 10 في المئة من الذين حاولوا الإنتحار لم يتخطوا سن الـ18 سنة في حين أن 58 في المئة تراوحت أعمارهم بين 18 و34 سنة. أما بالنسبة للتشخيص فإنّ 44 في المئة منهم كانوا يعانون من الكآبة، و20 في المئة كانت لديهم حالة فصام، و15 في المئة يعانون من اضطرابات القلق”. وتابعتا أن “الأكثريّة (93 في المئة) زوّدوا بأدوية للصحة النفسيّة، و44 في المئة أحيلوا على العلاج النفسي، و16 في المئة أحيلوا على المستشفيات”. وشددتا على ضرورة “متابعة جمع المعلومات لتأكيد هذه الإتجاهات”.
إحصاءات الوفيات المرتكزة على بيانات المستشفيات
ولاحظت السيّدة هيلدا حرب من وزارة الصحّة العامة أن “لبنان كان، حتى العام 2017، يفتقر إلى المعلومات الكاملة والموثوق بها عن أسباب الوفاة. وجرت محاولات لتحسين نموذج وثيقة الوفاة ومكننة قاعدة المعلومات، إلا أنّ عوائق كثيرة كانت تحول دون ذلك”. وأضافت: “الى جانب ذلك، نحن ندرك ان ثمة أسباباً إجتماعية قد تحول دون تسجيل بعض أسباب الوفاة بدقّة في وثيقة الوفاة الرسميّة”. وأوضحت أنّ “وزارة الصحّة العامة بدأت منذ العام ٢٠١١، اعتماد نظام ابلاغ عن اسباب الوفاة في المستشفيات، بدءاً آنذاك بوفيات الامهات وحديثي الولادة، وتم تطويره في العام ٢٠١٧حتى اصبح يشمل كل الوفيات. ويرتكز هذا النظام على بيانات المستشفيات المتضمّنة الأسباب الطبيّة للوفيات، مما أتاح جمع معلومات طبيّة خاصة بكلّ الوفيّات التي تقع في مستشفى ما أو تصل إلى مستشفى ما، وطبعاً من دون تحديد هويات المتوفين”. وأضافت: “باتت لدينا راهناً معلومات مرتكزة على الوفيّات المسجّلة في المستشفيات عام 2017، تتعلّق بالمتوفى، كمكان سكنه، وجنسه، وسنّه، وسبب الوفاة، ومن ضمنها الإنتحار، إضافة إلى مكان حصول الوفاة”. وأشارت إلى أن الوزارة تعمل دورياً على تحسين نوعيّة التبليغ عن الوفيّات في المستشفيات، بما فيه تدريب الأطباء على كيفية توثيق أسباب الوفاة بحسب المعايير المعتمدة”.
التبليغ ووثائق الوفاة… ودور الطب الشرعي
ثم عُقِدَت جلسة ثانية بعنوان “الإنتحار والتبليغ عن الوفيّات في لبنان”، أدارتها رئيسة قسم الأوبئة والصحة السكانية في كلية الصحة العامة في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتورة عبلة سباعي. وقالت سباعي إنها أجرت في العام 2002 دراسة عن أسباب الوفاة، وتبيّن لها، من خلال المقابلات مع أهالي المتوفين، ومراجعة السجلات الرسميّة، أن “وثائق الوفاة تفتقر إلى الدقّة”. وأشارت إلى أن “وثيقة الوفاة الرسميّة كانت ولا تزال تتضمّن ثلاثة أقسام، ينبغي على الطبيب أن يحدّد في أحدها سبب الوفاة”. وأعطت أمثلة على أسباب الوفاة التي تُذكَر في الوثاق، ومنها: “وفاة طبيعيّة” و”شيخوخة”. وأشارت إلى أن ثمة جهداً على المستوى الوطني لتحسين وثيقة الوفاة.
وتحدّث رئيس محكمة الإستئناف في بيروت القاضي جون القزّي عن”كيفيّة تحسين وتحليل أسباب الوفاة في لبنان”. وتطرق القزّي إلى الوضع الحالي للتبليغ عن أسباب الوفاة والإنتحار في لبنان من وجهة نظر قانونيّة، وقدّم وسائل تحسين ممكنة له.
ولاحظ القزّي أن “الإنتحار غير مقبول بكل لغات الأرض”، والقانون اللبناني يعاقب من حمل إنساناً بأي وسيلة كانت على الإنتحار أو ساعده على قتل نفسه، أي أنّ “الإنتحار هو قتل (…) وقتل الشخص نفسه هو جريمة ومن يساعده يعاقَب كمجرم”. وشدد على أن “ليس باستطاعة أي طبيب أن يجزم أن وفاة شخص ما هي انتحار، إنّما التحقيق هو من يؤكّد ذلك، فثمّة جرائم تُغطّى بشكل انتحار”. وأضاف: “وفق آخر إحصائيّة رسميّة لقوى الأمن الداخلي في العام 2018 (من 1-1-2-18 وحتى 15-2-2018)، سُجِّلت في لبنان 25 حالة وُصّفت بالإنتحار منها 14 للبنانيّين و11 لأجانب – عاملات أجنبيات، ولكن لا يمكن الجزم بها، منها إطلاق نار وشنق وسقوط من طبقة عليا، وسموم. وفي العام 2014 سُجّلت 143 حالة انتحار، يلاحَظ فيها أن الرجال أكثر من النساء (مقابل كل رجلين تنتحر امرأة)، ويراوح معدّل الأعمار بين 25 و40 عاماً على أنّ هذا التوثيق ليس مطلقاً لأنّ ثمّة حالات انتحار أو محاولة انتحار تبقى قيد الكتمان، حيث يصار إلى تغيير إفادة الوفاة الحقيقيّة لمعتقدات دينيّة أو اجتماعيّة. ورأى ضرورة توافر الخط الساخن “لمواجهة آفة الإنتحار”.
أما الطبيب الشرعي في وزارة العدل الدكتور بلال صبلوح فتحدّث عن تشخيص الإنتحار في لبنان ودور الطبّ الشرعي في جمع الأدلّة وتحليلها،وإبداء الرأي لمساعدة القضاء في اتخاذ القرار المناسب في حالات الإنتحار. وتناول صبلوح تنظيم الطب الشرعي في لبنان، ودوره في حالات الإنتحار، والمساعدة التكميليّة لمختبر الطب الشرعي. وشرح أن “الطبيب الشرعي لا يذكر كلمة انتحار في تقريره إنّما يحدّد ما كشفه من علامات ويقول إنّها تتوافق مع ذاتيّة إحداث الإصابة”. وأشار إلى “لا وجود للطب الشرعي النفسي في لبنان، وعادة يتم تكليف الطبيب الشرعي كي يتواصل هو مع الأطباء النفسيّين للاستحصال على تقاريرهم عن الضحية وإرسالها إلى القضاء”. وخلص صبلوح إلى عدد من التوصيات، منها ضرورة حصر تعيين الأطباء الشرعيّين من حملة الاختصاص، وتفعيل الطب الشرعي النفسي، وتفعيل دور الاختصاصيين في العلوم الطبية الشرعية وفي العلوم الجنائية، وتدريب الأطباء الشرعيين والمعنيين بكيفية التعامل مع حالات الإنتحار، واستحداث مراكز للطب الشرعي مجهزة فنياً و تقنياً و بشرياً، وقوننة دور الطبيب الشرعي بالنسبة لتحديد نوع الوفاة.
وتطرقت مستشارة رئيس مجلس الوزراء ووزارة الداخليّة منسّقة البرنامج الوطني لتكنولوجيا المعلومات الدكتورة لينا عويدات، إلى مسألة شهادات الوفاة، وقارنت تجربة لبنان مع دول أخرى. وقالت إن “عملاً ضخماً أجريَ على بيانات مستقاة من وثائق وفاة تمتد على مدى أكثر من ثلاث سنوات”. وأضافت أنّ “تحليلاً مفصّلاً أجري لـ65 ألف وثيقة وفاة مفصّلة مؤلّفة من 40 حقلاً تعود إلى السنوات 1997 – 1999 ولنموذج من تحليل لوثائق الوفاة في العامين 2015 و2016”. ولاحظت وجود “مشاكل تتعلق بصحّة البيانات ووضوحها ونوعيّة وثيقة الوفاة وثقافة الموثّقين في شأن الوفاة عموماً والإنتحار خصوصاً”. وإذ أعلنت أن “توصيات ستقدّم إلى السلطات اللبنانية بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، بهدف تحقيق التنسيق في شأن هذه المسألة”، أشارت إلى أن “وثيقة وفاة أعدّت بدعم من منظّمة الصحّة العالميّة وسيتم عرضها للمراجعة وتعليقات نهائيّة من السلطات المختصّة”.
أدوار الوزارات
بعد ذلك، أقيمت حلقة نقاشية بعنوان “بيانات الإنتحار: همّ وطني”، أدارها القاضي رالف رياشي والدكتور إيلي كرم، تحدّث خلالها كلّ من المدير العام لوزارة الصحّة الدكتور وليد عمّار والمدير العام للأحوال الشخصيّة في وزارة الداخليّة والبلديّات العميد الياس خوري والمديرة العامة لوزارة العدل القاضية ميسم نويري عن أدوار وزاراتهم في ما يتعلق بالإنتحار.
ورأى رياشي أنّ “هناك حاجة لتحديث القوانين المتعلّقة بتسجيل قيد وثائق الأحوال الشخصيّة بما فيها وثائق الوفاة والولادة”. واعتبر أنّ “توصيف الإنتحار يجب ألاّ يُذكر في وثيقة الوفاة إنما في مستندات أخرى غير علنيّة حرصاً على الحياة الشخصيّة للفرد”.
وزارة الصحة: هدفنا الوقاية لا التعداد
وقال عمّار إن موضوع الإنتحار “يتطلّب تعاون جهات عدّة رسميّة وصحيّة في القطاعين العام والخاص”، موضحاً أن “وزارة الصحة تهتم بالإنتحار من أجل الوقاية وليس للتعداد رغم أهميّته كونه يساعد في الوقاية والعلاج”. وأشار إلى “إنجازات كبيرة في آخر ثلاث سنوات لجهة الخطة الوطنيّة للصحّة النفسيّة ودمج خدمات الصحة النفسية ضمن الرعاية الصحيّة الأوليّة”. واعتبر أن “من المهم جداً للشخص الذي يعاني من مشاكل نفسيّة أن يصل إلى خدمات الصحّة النفسيّة حتى تحصل وقاية من الإنتحار”. وأضاف: “تمّ وضع خط ساخن، ونحن نعمل أيضاً مع المدارس بشكل خاص في مجال الوقاية”. وقال إن وزارة الصحة تتعاون مع وزارة الداخلية في شأن التبليغ وبيانات الوفيات، مؤكداً أن “ثمة محاولات جدّية من وزارة الداخليّة للتحسين” في هذا المجال. وأشار إلى أن “لدى وزارة الصحة نظاماً قائماً في المستشفيات للتبليغ بأسباب الوفيّات، إذ أن أكثر من 90 في المئة من الوفيات تحصل فيها، لكنه يبقى غير كامل بانتظار النظام الذي ستضعه وزارة الداخليّة”. وتابع: “في الانتظار، طوّرنا الأنموذج وبدأنا بتدريب الأطباء، ونضع ما طوّرناه في تصرّف وزارة الداخليّة كي تستفيد منه”.وشدّد على “إخفاء الأسماء يشجع الناس على تقديم المعلومات”.
وزارة الداخلية: لوثيقة وفاة موحَّدة
أما العميد خوري، فأشار إلى أن “ثمة 25 خانة يجب ملؤها في وثيقة الوفاة، وحالياً ثمة ثلاثة أطراف تعمل عليها لتصل إلى دوائر الأحوال الشخصيّة، وهي المختار الذي يُعتبَر اللاعب الأساسي ولديه 15 خانة يجب أن يملأها، والطبيب الذي يملأ ستّ خانات في الوثيقة، وفي النهاية مأمور النفوس”. وكشف أن ثمة توجها للإتفاق مع المخاتير على وثيقة وفاة موحّدة قريباً.
وأوضح أنّ “إحصاء حالات الإنتحار كان ليكون أسهل لو كان الأمر محصوراً بالأحوال الشخصية أي باللبنانيين، ولكن ثمة حالات إنتحار تحصل أيضاً بين المقيمين غير اللبنانيين”، من سوريين ولاجئين فلسطينيين. وأضاف: “ليس لدينا الكثير من وثائق الوفاة الخاصة بالسوريّين إذ من يتوفّى منهم، سواء في المخيّمات أو في مكان آخر، يُصلّى عليه أو يدفن في أقرب مكان وليس لدينا كل البيانات بهذا الشأن خصوصاً لجهة سبب الوفاة وما إذا كانت لأسباب طبيعيّة أم لا”. وأضاف: “أما بالنسبة للفلسطينيّين، فلا علاقة لمديريّة الأحوال الشخصيّة، إنّما تتولى تسجيل الوفيّات المديريّة العامة للشؤون السياسيّة واللاجئين”.
وزارة العدل: لتوضيح دور الطبيب الشرعي
ورأت نويري أن “القوانين القديمة بحاجة من دون شك إلى تعديل وتحديث، لكنّ ذلك لا يحول دون إمكان القيام بما يجب في ظل القوانين الحالية، سواء من خلال التفسير أو الرجوع إلى المعاهدات الدولية والمبادىء العامة كحقوق الإنسان والعدالة، وهو ما يقوم به القضاة ووزارة العدل”. ولاحظت أن ثمة حاجة إلى توضيح أكبر لدور الطبيب الشرعي ومسؤوليته “وأين تبدأ مهمته وأين تنتهي”. وأضافت: “يجب أن تتفق الجهات المعنية على ما إذا كانت وثيقة الوفاة يجب ان تتضمن بياناً من الطبيب الشرعي، وفي حال تم اعتماد هذا الخيار، ينبغي التفريق بين هذا البيان وبين التقرير الذي يضعه الطبيب الشرعي لاحقا عندما تتوافر لديه كل المعلومات اللازمة لكي يكون تقريراً علمياً دقيقاً يمكّن القاضي من توصيف الفعل الذي ينظر فيه”.
وشددت على أن “وثيقة الوفاة يجب الا تتضمن على الإطلاق اي توصيف للوفاة، لجهة كونها ناجمة عن انتحار أو قتل أو غير ذلك”.
وأكدت نويري أن وزارة العدل ستقوم، بالتنسيق مع الجهات المعنية الأخرى، بما يلزم في شأن تحديد دور الطبيب الشرعي في هذا الشأن، مع الأخذ في الاعتبار الإمكانات المحدودة للوزارة”.
الإنتحار من منظورَي الإسلام والمسيحية
وتناول قاضي شرع بيروت الشيخ الدكتور محمد نقري موضوع الانتحار في الاسلام وأشار إلى ان “النصوص القرآنية تحذر الانسان من اي عمل يؤدي الي التهلكة والموت وان مصير كل من يقدم على الانتحار هو العذاب الابدي يوم القيامة”. وأوضح أن “الاسلام، من خلال مبادئه وتعاليمه، يربط الانسان بشبكة علاقات يوميه، سواء في صلواته الفردية والجماعية وبعلاقات أسرية واجتماعية متينة تحول بينه وبين الانزواء وتعاطي المسكرات والمخدرات، وهذه العلاقات والممارسات جعلت نسبة المنتحرين في العالم الاسلامي اقل من نسبتهم في العالم بحسب ما تشير اليه الإحصائيات”.
أما ممثل مطرانية بيروت للروم الأرثوذكس الأمين العام للمدارس الأرثوذكسية الأب جورج ديماس فتناول “الإنتحار من وجهة نظر مسيحيّة”، فتحدث عن موقف الكنيسة الأرثوذكسيّة من الإنتحار، مذكّراً بوصية الله “لا تقتل”. وتناول تطور المنظور التاريخي للكنيسة في هذا الصدد، وكذلك المنظور العلمي، وقال إن “بعض آباء الكنيسة الأرثوذكسيّة أيّدوا الإنتحار في حالات محددة، في حين أن آباء آخرين عارضوه أياً تكن الأسباب”. ولخص موقف الكنيسة بتوصيات رعائيّة تتناول التعاطي برحمة مع المنتحر والاهتمام بأقربائه والصلاة على المنتحر مشدداً على أن العلم يؤكد أن المنتحر فقد إدراكه وتصرف بوعي ناقص لأن معظم حالات الإنتحار ناتجة عن خلل في الوظائف العقلية التي تحدّ من التصرف السليم.
وفي ختام الندوة، حصل نقاش طويل بين الحاضرين والمحاضرين حول الإنتحار وأعلن إيلي كرم من “إدراك” والمديرون العامون لوزارات الصحة والعدل والداخلية أنهم سيعملون مع مختلف القطاعات “لتحسين آليات التبليغ والتقييم المستند على البيانات في لبنان”، مشددين على أن ذلك “سيكون مفيداً لجميع الذين يعانون، وسيتيح تجنب مآسي الإنتحار، من خلال الاقتداء بأحدث ما توصلت إليه أهم المؤسسات العالمية التي تُعنى بموضوع الإنتحار وتتولى درس أسبابه وسبل تفاديه”.