الشيخ حسين زعيتر. ابن بلدة القصر البقاعية، ومسؤول المنطقة الخامسة (جبل لبنان والشمال) في حزب الله، هو المُرشح إلى الانتخابات النيابية عن المقعد الشيعي في دائرة كسروان ــ جبيل. طوال الأسابيع الماضية، لم يكن زعيتر ضمن «بورصة» الأسماء التي جرى التداول في إمكان ترشحها إلى الانتخابات.
بالعكس، كان زعيتر يدور على عدد من الطامحين ويوحي إليهم بمباركة ترشيحاتهم. دارت القرعة على أسماءٍ عدّة من أبناء العائلات الجُبيلية، وانحصرت في المرحلة الأخيرة بين مسؤول العلاقات العامة في منطقة جبل لبنان والشمال في حزب الله حسن المقداد (مُشكلته أيضاً أنّه من البقاع)، والمحاميان علي برّو، وحسين همدر، إلا أنّ الخيار رسا فجأة على زعيتر لأسبابٍ عدّة. تُقدّم مصادر في فريق 8 آذار «حُجتين» لاختيار زعيتر كمُرشح. الأولى، هي «حلّ الإشكالية بين العائلات في المنطقة، حول من مِنها يستحق التمثيل النيابي». أما الثانية، فهي أنّه بعد أن قرّر الحلفاء الثلاثة، حزب الله والتيار الوطني الحرّ وحركة أمل، أنّ مقعد جبيل سيكون من حصّة «الحزب»، وَجد الأخير «صعوبة في اختيار شخصية حزبية جُبيلية قادرة على لعب هذا الدور».
مَثّل «الشيخ»، بلباسه المدني (فهو لا يرتدي عمامةً)، بالنسبة إلى حزب الله مخرجاً، حتى يتجنب الخلاف مع العائلات في جبيل. إلا أنّ تسريب الاسم، حتى قبل أن يُعلنه الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله رسمياً أمس، أثار «زوبعة» في البلدات ذات الأغلبية «الشيعية»، حيث استنكر البعض من الأهالي «إسقاط» مُرشحٍ «غريبٍ» عنهم، على الرغم من أنّه مسؤولٌ عن المنطقة ويُشارك في المناسبات الاجتماعية.
من نافذة انتماء زعيتر المناطقي، يُحاول «المُتضررون» التصويب عليه. وعددٌ من هؤلاء كانوا يسنّون أسنانهم ليكون واحداً منهم «المُرشح المختار». أول من أمس، تجمّع عددٌ من الأشخاص في بلدة علمات (أحد أكبر الأقلام الانتخابية في القضاء)، واعتصموا مُعلنين أنّه سيكون لهم خيار انتخابي مُعارض لما «فرضه» عليهم حزب الله، إلا إذا «بَدّل الحزب رأيه». والتبديل لا «يصحّ»، من وجهة نظرهم، إلا باختيار واحد من أبنائهم المُرشحين: محمود عواد، ربيع عواد (حاول التيار الوطني الحرّ فرضه على حزب الله، بديلاً من النائب الحالي عباس الهاشم، من دون أن تنجح مساعيه)، ومحمد حيدر أحمد، وعلي عواد (عمّ ربيع عواد، الذي التقى أمس النائب السابق فارس سعيد، عارضاً عليه التحالف سوياً، مؤكداً أنّ أصوات علمات «ونسبة كبيرة من الشيعة»، ستصبّ لمصلحة لائحة سعيد).
التحرك في علمات، أول من أمس، «كان بتحريض من عائلة عواد، وتحديداً ربيع الذي يريد أن يُكمل المواجهة»، بحسب مصادر في التيار الوطني الحرّ في جبيل.
الامتعاض شمل أيضاً «البيئة» الموالية لحزب الله، وعدداً من «أصدقاء» زعيتر. يقول أحد هؤلاء إنّ «المشكلة ليست في شخص الشيخ الكريم، ولكن بتهميش منطقتنا. يفصلنا (جبيل) عن البقاع مُجرّد جبل، ولكن هناك اختلاف في العادات والانتماء. لا يجب أن يُقلّل حزب الله من أهميّة التُراب والذاكرة. هل كان من الممكن أن يمرّ ترشيح شخص من النبطية مثلاً في صيدا مرور الكرام؟ لماذا يستسهلون ذلك في جبيل؟».
فورة الغضب في التعبير عن رفض «خيار حزب الله» في جبيل، وهو ما لم يظهر في الدورات الانتخابية السابقة، يوحي بـ«تغيير» ما في المزاج الشعبي. الجواب يأتي من أحد المطلعين على واقع البلدات ذات الأغلبية «الشيعية»، المُعترض على ترشيح زعيتر، فيعتبر أنّ «النقمة ستُضبط في النهاية بسبب غياب البديل».
مُشكلة «العائلات»، من وجهة نظره، أنّها «لا تجتمع إلا على المصيبة. لو أنّهم منذ البداية، توحدوا في ما بينهم وفرضوا خيارهم، لما كان أحد قد تمكن من تخطيهم، ولما كانت الأحزاب قد سيطرت على الواقع السياسي». ولكن، لا يعني ذلك «الاستسلام»، بل «سنعمل على تحميل حزب الله مسؤولية خياره. هذه المنطقة محرومة ومُهمشة ولها متطلباتها وحاجاتها، هل أنتم (حزب الله) قادرون على هذا الحِمل؟».
يكتفي قيادي حزبي جبيلي بالقول إن المرشح لا يمثل نفسه بل حزبه، وبالتالي، سيكون هناك برنامج، ومن حق الناس أن تحاسب من اختاره الحزب، منذ اليوم الأول لانتخابه. بقناعة الحزبيين أنه حصل تقصير في مقاربة الملفات الحياتية والخدماتية في المرحلة الماضية، ووصول مرشح حزبي سيشكل رافعة في المرحلة المقبلة، «وكلنا ثقة بأن الناس ستتفهم خياراتنا مع الوقت، لا بل ستباركها». يدرك قيادي آخر «صعوبة الخيار الذي اضطر حزب الله أن يتخذه، وهذا سيتطلب المزيد من العمل لامتصاص النقمة». وقد بدأ زعيتر جولاته ولقاءاته في المنطقة، تحضيراً لمعركته الانتخابية.
ترشيح حزب الله لزعيتر أدّى إلى امتعاض البعض في التيار الوطني الحر، لـ«اقتناعهم» أنّ ذلك سينعكس سلباً على «نسبة الناخبين المسيحيين الذين سيقترعون للائحة، ولا سيّما بعد أن بات من شبه المحسوم أنّ الحليفين سيكونان على لائحة واحدة»، بحسب مصادر رسمية في «التيار». ينتمي العونيون المعترضون على ترشيح زعيتر إلى حزبٍ يُقدّم نفسه الحزب «الشيعي الثالث»، والتيار «السنّي الثاني»، ويريد أن يكون له كتلة نيابية تتخطى حدود الطوائف والمناطق، وأن يستفيد من دعم حزب الله لإيصال العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، ولكنهم في الوقت نفسه، يريدون منع حزبٍ يُمثل القسم الأكبر من «بيئته» من ترشيح حزبي في جبيل، بحجة أنّ المنطقة «لن تتقبل ذلك».