تحقيق رولان خاطر
لا تسلم القرى اللبنانية من بعض المشكلات منها العائلية ومنها الحزبية والسياسية، والتي قد تكون بديهية نتيجة الاختلاف في التفكير والآراء. أما عندما يكون المشكل يتعلق بكاهن الرعية بمعنى آخر بالكنيسة والجسم الكهنوتي، فالأمر يتخذ طابعاً مريراً، خصوصاً ان الناس في يومنا تواقة إلى كلمة الله ربما نتيجة ما تكثر من ارتكاب الخطايا، وتنتظر دائماً ان يكون ممثل الكنيسة وراعيها على صورة الرب ومثاله فعلاً ولو انها باطنياً لا تدرك أن أي كاهن قد يكون معرضاً لارتكاب الأخطاء، فهو في النهاية إنسان يحمل “ثقل الكلمة الالهية” وبالتالي هو يحتاج لصلاتنا كما نحن بحاجة دائما لصلواته.
أربعة أشهر تقريباً مضت على تعيين الأب أندراوس الطبشي كاهناً جديداً على رعية سيدة النجاة في دوما من قبل أبرشية البترون المارونية كانت كافية للأهالي بأن يفرز الضيعة وأهاليها وترتفع نسبة المشاكل، التي كانت مضبوطة في السابق بفعل شخصية أبونا بولس التي اتسمت بالحسم والقوة والايمان والمحبة في الوقت نفسه.
نقمة كبيرة موجودة من اهالي دوما تجاه الطبشي. هي مسألة تراكمية. واليوم تفجرت على أثر رسالة صوتية بعثها الكاهن عبر “الواتساب” الى فرسان وطلائع العذراء في دوما يوم 26-12-2017، اي ثاني يوم عيد الميلاد، يقول فيها: “ما تنسوا تهنوا العدرا اليوم تهنئة العدرا عم بيقولوا انو إجاها صبي… على ذمة الراوي ما بعرف ما مأكد”.
للإستماع إلى التسجيل الصوتي:
هذا الحديث استفز الأهالي خصوصاً انها وُجهت إلى الأطفال، البعض رأى فيها قلة مسؤولية، والبعض الآخر اعتبرها انها تحمل اشارات شيطانية. إضافة إلى وجود صورة على حسابه الخاص على “فايسبوك” واضح انها تتناقض مع مفهوم الفكر المسيحي، ويعود تاريخها إلى 6 تموز 2015 وكتب عليها بالانكليزية: “You don’t need religion to have morals. If you can’t determine right from wrong, then you lack empathy, not religion”.
“لا تحتاج الى ديانة ليكون لديك اخلاقيات. اذا لم يكن باستطاعتك تحديد الصح من الخطأ فهذا يعني انك تفتقر الى الاخلاق وليس إلى الدين”.
أصل المشكل ورأي الأهالي
تضم دوما كنائس عدة، منها للروم والكاثوليك والموارنة. هناك تعاون بين الجميع. ومنذ تسلم الأب اندراوس مهاماته ككاهن لرعية سيدة النجاة انقطع التعاون مع باقي الكهنة، بحسب ما يؤكد الأهالي لموقع IMLebanon.
يقولون: “إنه منذ وصوله لم يجمع الأب أندراوس الأهالي مع بعضهم، لا بل فضل أن يأخذ طرفاً ضد آخر، حيث كان هناك انقسام بين “لجنة الوقف” ومسؤولي المنظمات الأخرى في الكنيسة كالطلائع والفرسان، نتيجة الاختلاف في الآراء ولمن تكون المسؤولية والقرار، لكن الانقسامات كانت مضبوطة وضمن جناح أبونا بولس. وهو الأبونا الذي كان راعياً للبلدة على مدى 40 عاماً.
يعطي بعض الأهالي أمثلة عدة على أداء الكاهن الجديد: “لجنة الوقف في دوما مثلا تجتمع وتطرح مشاريع وهي على سبيل المثال أطلقت منذ سنوات سابقة مشروعاً طلبت من المواطنين والمؤمنين دفع مبلغ رمزي قدره 10 آلاف ليرة فقط من أجل تنفيذ مشاريع تخص البلدة والكنيسة خصوصاً، وبفعل هذا المبلغ الزهيد ومساعدة بعض الخيّرين استطاعت “لجنة الوقف” أن تشتري أرضا في دوما وتشيد عليها صالونا للكنيسة على الرغم من أنها اليوم مديونة بمبلغ يصل إلى 30 مليون ليرة”. وعندما يُطلب من الكاهن مثلا أن يذيع بالكنيسة لحث المواطنين على دفع مبلغ الـ10000، يرفض”.
ويضيف الأهالي: “هناك مجموعة تعترض على كل الطروحات من دون تقديم اي طروحات بديلة، بمعنى ان كل ما تفعله هو لخلق عرقلة لكل عمل وطرح تقوم به اللجنة. وبدل أن يكون الاب أندراوس الحلقة التي تجمع الطرفين، بما يحمله من هيبة كهنوتية وما يمثله كراع للبلدة والكنيسة، فهو اتخذ طرفاً مع المجموعة الأقلية المعارضة للجنة الوقف، الذي لا يتعدى عددهم بحسب مصادر اللجنة الـ25 شخصاً من أصل 250 تقريباً موجودون في الرعية باستمرار”.
أحد أعضاء “لجنة الوقف” الذي فضل عدم ذكر اسمه، يقول: “التقينا نحن والأب أندراوس عند سيّدنا (المطران منير خيرالله) وقلنا له “نريدك ابا للرعية” لكن فعليا كان الأب أندراوس عكس ذلك”.
خلال سيرنا داخل الضيعة، متأملين بجمال بنائها وهواها البارد، والهدوء في بعض الأماكن الذي يكتنز القلب، يسرد بعض الكبار ما سمحت له ذاكرته من رؤية للأحداث، فيقول: “هو (الأب أندراوس) “يقسم” بالكذب. ففي مناسبة يوم عيد “جميع القديسين” الفائت والذي يليه عيد تذكار الموتى في اليوم التالي مباشرة، قرر الأب أندراوس احياء قداس مشترك للمناسبتين، فتقدمت منه سيدة من آل سميا وسألته، لماذا تريد إحياء قداس واحد والمناسبتين مختلفتين، فكان جوابه: “انا حر”. فما كان من مجموعة من الرجال ومن بينهم شقيق هذه السيدة من آل سميا أن قصدوا المطران لاطلاعه على ما يحصل وبحضور الأب اندراوس، ليفاجئوا بقوله: “لو في رجال ما بتتصل فيي بنت لتغسلني من فوق لتحت. فيجيبه شقيقها: “البنت يللي عم تحكي عنها بتكون اختي واذا فعلا بهدلتك حسابها عندي”. إلا أنه لاحقاً، علمت السيدة بما جرى، فما كان منها إلا ان انتظرت الأب أندراوس امام باب الكنيسة وسألته عن سبب اتهامه لها بأنها شتمته، فنكر انه قال هذا الكلام وأنه اتهمها، وبدأ “يحلف” بأنه لم يفعل”.
الاهالي يستغربون تصرفاته التي وصفوها بأنها صبيانية وتنم عن قلة خبرة ومسؤولية، فهو منذ أول لقاء تعارف معه فاجأ الحاضرين بأقوال غريبة عنه واصفاً نفسه “بأنه تيس” و”ما حدا بكسّرلي راسي”، ما أشعرهم وكأن هناك فعلا من حرضه سلفاً قبل مجيئه ووضعه بأجواء مشوهة وغير صحيحة، وبالتالي كلامه كان إصدار أحكام مسبقة على أمور لم يتعرف ولم يعرفها أبدا.
يضيف أحد كبار السن: “في إحدى المرات اتصل المطران بأحد رجال “لجنة الوقف”، فلبّوا دعوته وبحضور كاهن الرعية، وبناء على طلب المطران لحل الأمور وفتح صفحة جديدة بينه وبين “لجنة الوقف”، قام أعضاء اللجنة بتقديم الاعتذار من الأب اندراوس، متوجهين له بالقول: “انك تاج راسنا وبيّنا ولا نريد مشاكل بل نريدك جامعا للضيعة. عندها طلب منه المطران أن يرد بالكلمة ذاتها ويعدهم بأنه سيكون أباً للرعية، فكان ردّه أنه قال ذلك منذ زمن، فطلب منه المطران وأصرّ مرات عدة كي يقولها هذه المرة، لكنه كان يرفض”.
ولدى سؤاله من قبل أعضاء لجنة الوقف بعد تقديم اعتذارهم عما اذا كان يعتبر نفسه أخطأ بحقهم وبحق الضيعة، فرد: “لم أخطئ”. فأصيبوا بخيبة أمل كبيرة. ومعلوم عنه انه عندما تفاتحه بأمر ما ولا يعجبه، يضع اصبعه على رأسه ويقول: “انا تيس”.
قضية الصندوق!
هي حرب على “لجنة الوقف” والكنيسة كما يصفها البعض “لأن ما نفعله غيرة على الكنيسة”. والمشكلة الأساسية هي مشكلة الصندوق، التي حاول ويحاول بعض من يحيطون بالكاهن من مسؤولي الطلائع والفرسان (تجار الهيكل بحسب وصف البعض لهم) أن يكون القرار لهم في كل شيء، وخصوصاً في كل ما يتعلق بالعائدات المالية والمشاريع التي تنتج عنها مسؤوليات مالية. والمخزي أن الأبونا يقف إلى جانبهم في كل اعتراضاتهم ويدعمهم بشكل مستغرب وكبير. فهو لو اتخذ موقفا صارما منذ البداية لما وصلت الأمور إلى هنا.
العودة الى التسجيل الصوتي والشعار على “الفايسبوك”!
احتدام كبير موجود اليوم، وصل بالأهالي على خلفية التسجيل الصوتي الذي ارسله عبر “الواتساب” إلى أطفال الفرسان والطلائع، وما ينشره على حسابه الخاص على “فايسبوك”، للطلب منه لعدم إحياء اي قداس في الكنيسة وإقفالها، فما كان منه ان طلب مؤازرة الدرك والامن العام لفتح الكنيسة. حتى ان ضابط الأمن العام استغرب عندما سمع الرسالة الصوتية فسأله: “انت قلت ذلك، فرد الكاهن نعم انا قلت ذلك وهي مزحة”.
هناك شك بات ينتاب الأهالي بشأن أداء الأب أندراوس الروحي والكهنوتي والأفكار التي يحملها الى المجتمع الأهلي في دوما.
رئيس دير سيدة طاميش الأب مارون عودة شرح لـIMLebanon عن وجود العذراء في الكنيسة، فقال: “في الكنيسة المارونية، يعتبر ثاني يوم عيد الميلاد عيد تهنئة العذراء. والاثنين الذي يلي عيد الفصح عيد تهنئة العذراء ايضاً لأن السيدة العذراء أساسية في السنة الطقسية. فتكريمها أساسي في السنة الطقسية، من هنا، يقوم الموارنة بتهنئة العذراء في كل عيد. وكشرقيين لم يكن لدينا الا العذراء لنحتمي بها لذلك نرى اليوم في كل ضيعة مزارا او كنيسة للعذراء لأنها كانت الملجأ الوحيد”.
ووضع حديث الأب اندراوس “عم بيقولوا انو إجاها صبي للعدرا… على ذمة الراوي ما بعرف ما مأكد”، في إطار الكلام الشعبي إنما ليس كلاماً لاهوتياً.
أما في ما خصّ الشعار عن عدم الحاجة إلى الأديان، يقول الأب عودة: “هناك الكثير يعتبرون أن الأديان هي أفيون الشعوب، لكن اذا لم يكن للانسان مثال أكبر، أو اذا لم يكن الله موجودا في حياة الانسان فهذا الانسان سينتحر. فوجود الله والعلاقة معه أمر أساسي لحياة الانسان على الأرض. وبهذه العلاقة يستمد القوة والرجاء ومرجعية ثابتة لا تخذله في حياته”.
عودة لفت إلى أن هناك من يحاول أن ينصّب نفسه مرجعاً للشعب. وكي تنجح هذه المحاولة يعمل على القضاء على مرجعية الله بشتى الوسائل. ففي ايام الحرب مثلا، حاولوا خلق هوة بين الكنيسة والمسيحيين كي تنجح محاولات استفرادهم، بينما وجود مرجعية ثابتة قوية فلا أحد يستطيع التغلب عليك.
الأب عودة اعتبر أن نشر الأب أندراوس لشعارات ضد الدين كمن “يكسر مزراب العين”، الذي يناقض تعاليم الكنيسة كي يظهر، انطلاقاً من مبدأ “خالف تُعرف”.
موقف أبرشية البترون
في اتصالنا مع راعي ابرشية البترون المطران منير خيرالله الذي اكد حرصه على متابعة الخلاف الموجود في دوما للوصول إلى حلّ، رفض بشكل قاطع وجازم التحدث إلينا أكثر، ورفض إظهار الخلاف الموجود إلى وسائل الاعلام.
ماذا يقول الأب أندراوس؟
ردة فعل الأب اندراوس خلال اتصالنا به كانت مهذبة جدا وحاسمة لجهة رفضه الدخول وطرح المسألة في الاعلام كونها لا تستأهل هذا الحجم. فبلدة دوما مثلها مثل بقية البلدات اللبنانية، التي تضم في رعاياها وجهات نظر مختلفة بين أهاليها، فمنهم من هو “مع” ومنهم من هو “ضد”، لذلك اذا كان هناك من خلاف في دوما لا يحل بالاعلام.
بالنتيجة، الأب أندراوس غير صالح للرعية، كما يقول بعض الأهالي الذين باتوا يقاطعون الكنيسة والمشاركة في القداس يوم الأحد. والأمور تزداد احتداماً، وهناك من بات يحضّر عريضة تواقيع لتقديمها إلى المطران، للمطالبة بتعيين كاهن جديد لدوما.