بات مشروع قانون موازنة 2018 الذي طُرح امس الاول في جلسة مجلس الوزراء يشكل المادة الجدلية الاولى في الاوساط السياسية والشعبية بعدما تبين ان العجز فيها يتجاوز العجز في موازنة 2017 بحوالي مليار دولار. من اين جاءت هذه الزيادات، وكيف السبيل الى معالجتها؟
أوضح وزير الاقتصاد والتجارة رائد خوري لـ«الجمهورية» ان العجز الاضافي الذي ظهر في مشروع قانون موازنة 2018، مصدره الامور التالية:
اولا- سلسلة الرتب والرواتب التي كانت كلفتها مقدرة بمليار و200 مليون دولار، تبين ان الكلفة ستكون أكبر من ذلك، وستبلغ مليارا و900 مليون دولار. ومن المرجح أن ترتفع اكثر في حال اضفنا اليها المؤسسات التابعة للدولة.
ثانيًا – استمرار التوظيف وزيادة الانفاق في الدولة عكس ما كان مقررا، اذ لم يكن واردا ضمن الموازنة توظيف هذا العدد، سواء في الادارة، او في الاجهزة العسكرية.
ثالثًا – ارتفاع كلفة خدمة الدين العام، بسبب ارتفاع حجم الدين بالاضافة الى ارتفاع اسعار الفائدة.
رابعًا – ارتفاع فاتورة الكهرباء بسبب ارتفاع اسعار النفط.
خامسًا – لم تسجل الايرادات المتوقعة الناتجة عن الضرائب التي فرضت لتمويل السلسلة، المبلغ المتوقع منها.
حول امكانية خفض اسعار الفوائد المصرفية بقرار، بهدف خفض كلفة خدمة الدين، أشار خوري الى ان السوق فرض الارتفاع في الفوائد، ولكن من المفترض أن يكون هناك هندسة مالية بين وزارة المال والمصرف المركزي تساهم في تخفيف الاعباء والفوائد المرتفعة على خزينة الدولة.
ولكن في النهاية السوق هو من يحدد اسعار الفائدة، وما يمكننا القيام به هو خفض كلفة الفوائد على الخزينة، لفترة محددة على أن يتحملها الصرف المركزي. على أمل أن تنخفض اسعار الفوائد لاحقا مع تحسّن الثقة.
عجز الكهرباء
عن فصل عجز الكهرباء عن الموازنة قال خوري هذا الاجراء ليس له معنى، وعلينا ان نواجه الواقع كما هو. عجز الموازنة المقدّر كما هو وارد اليوم يبلغ 9 الاف مليار و500 مليون ليرة لبنانية، وهذا العجز قد يرتفع اكثر في حال لم ننجز الاصلاحات والاجراءات التي يتم طرحها.
وحول خفض 20 في المئة من موازنة جميع الوزارات، أوضح خوري انه لا يمكن لجميع الوزارات خفض 20 في المئة، اذ يمكن للبعض خفض 10 في المئة، وذلك حسب الأجور وميزانية الوزارة. وبتقديري ان خفض موازنات الوزارات لن يوفر اكثر من 300 الى 400 مليون دولار كحد أقصى. وبالتالي، فان العجز سيبقى مرتفعا، ولا بديل من الاصلاحات المطلوبة.
خبير اقتصادي
في السياق نفسه، اعتبر الخبير الاقتصادي مروان اسكندر ان وصول عجز موازنة 2018 الى اكثر من 6 مليارات دولار هو جنون في حد ذاته، مؤكدا انه اذا استمرت الادارة المالية للبلاد على هذا المنحى فلا شك اننا سنشارف على ازمة مالية قوية بسبب عدم الانتظام المالي.
وقال اسكندر لـ«الجمهورية» ان ارتفاع العجز الى ارقام قياسية لا يعود فقط الى كلفة سلسلة الرتب والرواتب انما الى الانفلات بالتعيينات وتضخيم المؤسسات العامة، الى جانب خلو الميزانية من اي تحسينات او انجازات. الى جانب تحمل اعباء ادارات لا فائدة منها مثل مجلس المرئي المسموع، موظفو سكك الحديد….
واعتبر ان المطالبة بخفض الفوائد المصرفية بهدف خفض كلفة الدين العام تظهر وكأن المطالبين بها يعيشون على المريخ ولا علاقة لمطلبهم بالمنطق لأن وضع السوق هو الذي يحدد الفوائد. وأشار الى ان تقرير صندوق النقد الدولي يقول أن عدم ضبط الموازنة هو الذي يؤدي الى ضغوط على المصارف، ولذا ندعو الاطراف السياسية للوقوف عند المصلحة العامة.
ولفت اسكندر الى ان ميزانية 2017 تمخضت في نهايتها ميزانية على القاعدة الاثني عشرية، مع التذكير بأنهم كانوا ينوون تخفيض الانفاق 1080 مليارا، الا انهم خفضوه 150 مليونا، وبالواقع هم لم يوفروا هذه الـ 150 مليون دولار لانهم لم يحتسبوا حينها ان عليهم ان يدفعوا حسب سلسلة الرتب والرواتب لبعض الفئات مع مفعول رجعي، وبالخلاصة تبين ان موازنة 2017 اسوأ من موازنة 2016.
وعن اعتماد فصل عجز الكهرباء عن موازنة 2018، قال: لا يمكن التذاكي بهذه الطريقة على المؤسسات الدولية خصوصا وان المؤسسات الدولية تؤكد ان عجز الكهرباء هو امر اساسي واجب معالجته وهذا ما ورد ايضا في تقرير صندوق النقد الدولي، وان عدم معالجة هذا الملف يهدد الوضع المالي برمته، واعتبر ان هذا الفصل هو كالتمويه كمن يغش نفسه بنفسه. وسأل اسكندر ما دام عجز الكهرباء هو المعضلة الاساسية اليوم لما لا تترك الدولة هذا الملف في عهدة القطاع الخاص؟