كتبت هيام القصيفي في صحيفة “الأخبار”:
حسابات الاجتماعات الانتخابية الحالية تصبّ في خانة تختلف عن الغاية الاساسية منها. سقف التفاوض لا يتعلق بالتحالف السياسي الصرف، بل في كيفية تجميع كل فريق مقاعده، لأنه في القانون النسبي لا هدايا ولا مجانية
أيهما أهم الدخول الى المجلس النيابي أم بناء تحالفات سياسية متجانسة؟
قد يكون أحد رؤساء الاحزاب التقليدية واضحاً حين يقول «الاولوية لبناء تحالفات واضحة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، لكن الأهم هو الوصول الى المجلس النيابي، وعلى هذا الاساس، سنضطر الى التخلي عن تحالفات مبدئية ومنطقية من أجل الوصول الى ساحة النجمة. وبعدها لكل حادث حديث».
لا ينفرد رئيس الحزب بقوله هذا. فالأجواء الانتخابية لدى معظم القوى السياسية الاساسية تبدو مماثلة. وبحسب مصادر نيابية وسياسية تشارك في لقاءات انتخابية مفتوحة للكتل الرئيسية، فإن القوى السياسية لمست، بعدما فهمت قانون الانتخاب جيداً، واستوعبت حيثياته، أن التحالفات اليوم ليست في سلم الاولويات، «فلا أحد يريد تقديم هدايا انتخابية لأي طرف مهما كان مستوى تحالفهما». لذلك تدور الاجتماعات التشاورية، حالياً، بناءً على رغبة كل طرف في تأمين وصوله الى المجلس النيابي بأكبر كتلة نيابية. أما التحالفات السياسية بالمعنى العريض، فمتروكة إلى ما بعد الانتخابات، لا سيما أن السقف المرسوم خلال عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أصبح معروفاً، بعودة رئيس الحكومة سعد الحريري الى تشكيل الحكومة. وعلى هذه القاعدة، باتت النقاشات تقنية بحتة، ولم تعد سياسية…
وبما أنه لا عناوين سياسية للحملات الانتخابية، فإن ثمة عناصر أساسية تتقدم المشهد الانتخابي:
أولاً، لم تخلُ مبادرة حركة «أمل» و»حزب الله» الى تقديم مرشحيهما من ملاحظات بديهية، لا سيما في ما يتعلق بموقف الطرفين من «التيار الوطني الحر»، إعطاء مقعد شيعي في بعبدا لحركة «أمل» في عزّ الخلاف بينها وبين التيار، وسحب مقعد شيعي من «تكتل التغيير والاصلاح» لمصلحة «حزب الله» في كسروان ــ جبيل.
وأي مبادلة بمقاعد أخرى لا تقلل من أهمية هذين المقعدين وحيثيتهما، ولا تلغي كلام سياسيين أن ما حصل قد يكون مؤشراً لتحجيم التيار الوطني من جانب حلفائه، بسبب كثرة الاخطاء التي ارتكبها رئيسه في الفترة الاخيرة وأحرجت حزب الله. وهذا يؤدي تلقائياً الى أن يسعى الحزب الى تجميع حلفاء له في أكثر من دائرة، في شكل يتقدم على تفاهمه مع التيار.
ثانياً، طموح «التيار الحر» اليوم أن يستعيد حصته النيابية الحالية. لكن هناك من يتعامل بواقعية، مدركاً أنه لن يستطيع الوصول الى الرقم الحالي، وأقصى ما قد يحققه تقليص الهوة بينه وبين القوى المسيحية الأخرى التي تنافسه. هناك كلام عن تحصيل 18 مقعداً للتيار الوطني. لكن 18 مقعداً من أصل 64 نائباً مسيحياً، يعني أن التيار سيبقى حزب العهد، لكنه لن يبقى الاول عند المسيحيين. وهذا يضع تحديات كبيرة أمامه، على الاقل للوصول الى هذا الرقم الطموح، مقابل القوى المسيحية الاخرى، إضافة الى أن هذه القوى مجتمعة، اعترفت منذ إقرار القانون بأنها لم تعد قادرة على استعادة المقاعد المسيحية من الكتل النيابية الأخرى. الرئيس سعد الحريري كان واضحاً في خطابه في 14 شباط بأنه سيخوض المعركة بمرشحين عن كل الطوائف. لكنه كان أوضح لاحقاً حين طالب بحصص مسيحية في الشوف وبيروت الاولى وجزين وزحلة والشمال الثانية والثالثة، وبمقاعد مسيحية، لن يوفر جهداً للحصول عليها. وتبعاً لذلك، فإن سقف التفاوض الاساسي، أن لا مصلحة في التحالف مع التيار الوطني بالدرجة الاولى ومع القوات بالدرجة الثانية إلا بمقدار ما يحقق ربحاً صافياً في الحصص المسيحية. فالحريري يدرك سلفاً أنه، وإن تحكم في كتلة سنيّة متينة، فلن يبقى في المستقبل زعيماً متفرداً بالشارع السنّي، إذ ستكرس انتخابات 2018 تقاسم هذا الشارع من صيدا الى الشمال والبقاع، بينه وبين زعامات سنيّة من الصف الاول وقيادات من الصف الثاني.
ثالثاً، يعطي التيار الوطني لنفسه مجالاً واسعاً لإعلان التحالفات والمرشحين، وكذلك تفعل القوات اللبنانية. والأخيرة تتعامل مع الانتخابات على افتراض أنها ستعزز حصتها الحالية وتقترب من حصة التيار الوطني الحر، وثمة رهان على تحقيق رقم يوازي ضعف عدد النواب الحاليين. وهناك من يرى أن القوات تزيد فرصها كونها صبّت ثقلها على مرشح أساسي في كل دائرة انتخابية حساسة ومهمة، بحيث تستطيع تأمين وصوله. أما الباقي، فمتروك للتحالفات الموسعة. حتى الآن، يبدو المشهد الانتخابي موزعاً بين التيار والقوات، لكنه قد يتبدل وينتفي كلياً. فهل يمكن لأي طرف سياسي أن يتخيل المشهد الانتخابي فيما لو نجحت المفاوضات الجارية حالياً بين القوات والكتائب لخوض الانتخابات معاً؟ وهذا يعني أن اللا حصرية في الشارع السنّي ستتحكم أيضاً في الشارع المسيحي.
رابعاً، فرض القانون الانتخابي تحديات حتى على مستوى الاحزاب السياسية نفسها ومرشحيها. لا يمكن إلا التوقف عند أداء المرشحين الذين يتعاملون مع الانتخابات على أنها استحقاق فردي، لأن على كل مرشح، ولا سيما النواب الحاليين منهم، بذل جهود مضاعفة لا تشبه تلك التي سادت زمن النظام الاكثري واللوائح الحزبية الصافية. لكل نائب ومرشح اليوم استحقاقه الخاص، وهذه ليست مهمة سهلة، لا سيما أن عناصر القوة الاساسية تبدو محصورة في كيفية تأمين المال الانتخابي، ووجود متمولين كبار على اللوائح، لتغطية كلفة الحملات الاعلامية والاعلانية المرتفعة الثمن، وباتت مطروحة في التداول، بعدما حجزت قوى سياسية مكاناً لها في هذه الحملات.