IMLebanon

هل يسعى “حزب الله” إلى أكثرية نيابية أم هناك تهويل متعمد وضجة مفتعلة؟!

لم يسبق أن حازت انتخابات في لبنان، أقله منذ خروج السوريين منذ عام 2005، الاهتمام الدولي والعربي الذي تحظى به انتخابات هذا العام، الى درجة أن السفارات في لبنان تتابع بالتفاصيل المملة كل ما له علاقة بالانتخابات، من تحالفات ولوائح وموازين قوى، وتنشئ فرق عمل أقرب ما تكون الى «خلايا أزمة» لمواكبة هذا الاستحقاق واستكشاف ظروفه واستباق نتائجه.

وأما السبب المباشر لهذا الاهتمام غير العادي، فهو حزب الله الذي بات محط أنظار واهتمام ومتابعة بعدما كرسته الحرب السورية بصفته رأس حربة إيران ومرتكزها الأساسي في المنطقة، وبعدما تأكد في الواقع اللبناني أن حزب الله لم يعد فقط جزءا من العملية السياسية، وإنما صار مع فائض القوة لديه، قوة مهيمنة ومسيطرة على القرار اللبناني ومتحكمة بمفاصل اللعبة ومجرياتها.

وهذه القوة تقف الآن عند عتبة مرحلة جديدة ومتقدمة وأمام فرصة سانحة لحيازة سيطرة مطلقة لا يعود في حاجة بعدها لاستخدام القوة، ويصح معها القول إن زمن «القمصان السود» قد ولّى وجاء زمن «الأصابع الملونة» الممهورة بحبر الانتخابات.

وثمة شعور عارم يصل الى حد القناعة الراسخة بأن حزب الله هو المهندس الأول لقانون الانتخابات الجديدة، وأنه المستفيد الأول من القانون النسبي المرفق بصوت تفضيلي.

هذا القانون «الغريب العجيب» الذي يجمع في ثناياه النسبية والأكثرية «الأرثوذكسية» (المشروع الأرثوذكسي) بعدما ثبت أن أحدا لا يعطي صوته التفضيلي إلا لمرشح من طائفته ومذهبه، وأن ما سيحصل عمليا هو أن كل طائفة ستختار نوابها، هذا القانون جاء ليعطي حزب الله لأول مرة فرصة الحصول مع حلفائه المباشرين، أو بتعبير أوضح فريق 8 آذار ناقص التيار الوطني الحر، على كتلة نيابية عملاقة تتجاوز عتبة الثلث المعطل أو الضامن (43 نائبا)، وتصل الى الخمسين نائبا.

والمؤشرات الأولية تؤكد أن حزب الله هو المستفيد الأول بدليل أنه لا يعيش حالة الارتباك والتخبط التي يعيشها الآخرون، وأنه حسم المعركة والنتائج من الآن، ومن دون الحاجة الى انتظار الانتخابات، و«أقفل» الطائفة الشيعية بالكامل (27 على 27 مقعدا شيعيا).

فإذا كان الحزب لديه الآن مع حلفائه (من دون التيار) 35 مقعدا نيابيا، فإن هذا الرقم مرشح لأن يلامس عتبة الـ 50 مقعدا، وهذه الزيادة (15 مقعدا جديدا) تأتي، وبحساب بسيط من:

– استعادة أربعة مقاعد شيعية من المستقبل (ثلاثة في بيروت وزحلة والبقاع الغربي) ومن التيار الوطني الحر (مقعد جبيل).

– وصول ستة نواب من الحلفاء السنة أو من يسمون «سنة 8 آذار»، وهم: أسامة سعد (صيدا)، عبد الرحيم مراد (البقاع الغربي)، جهاد الصمد (الضنية)، وجيه البعريني (عكار)، فيصل كرامي (طرابلس)، عدنان طرابلسي (بيروت).

– أربعة مرشحين مسيحيين جدد من الحلفاء المباشرين أو غير المباشرين محتمل أو مرجح فوزهم وهم: ابراهيم عازار (جزين)، فريد هيكل الخازن (كسروان)، ميريام سكاف (زحلة)، مروان أبو فاضل (عاليه).

– نائبان علويان (طرابلس وعكار).

– نائب درزي أو أكثر (فيصل الداوود أو وئام وهاب).

المحصلة الانتخابية أن كتلة حزب الله ستكبر وتبلغ أقصى حد ممكن لها، وأن كل الكتل الأخرى ستتحجم وتصغر مقارنة بما هي عليه حاليا. وأما المحصلة السياسية فهي أن الطائفة الشيعية متماسكة ومتراصة تحت قبضته وكل الطوائف الأخرى مشرذمة مفككة ومشتتة.

وأما ميزان القوى الجديد فيكون راجحا بقوة لمصلحة حزب الله، ما يعطيه قدرة التحكم بالاستحقاقات المقبلة التي تندرج في إطار إعادة ترتيب وإنتاج السلطة، من البرلمان الجديد الى الحكومة المنبثقة عنه الى رئيس الجمهورية المنتخب منه، وهناك من يذهب الى أبعد من ذلك للحديث عن الإمساك بورقة التشريع وسن القوانين الجديدة لتغيير وجه لبنان ولإضفاء الشرعية على السلاح. هذه المخاوف والهواجس يعيرها حزب الله أهمية وعناية وشرع في الرد عليها عبر النقاط التالية:

٭ ثمة تهويل مقصود ومفتعل من خلال الحديث عن هيمنة مفترضة لحزب الله على المجلس النيابي المقبل، بعضها يربط باستدراج تدخلات وضغوط خارجية لتأجيل الانتخابات والحؤول دون سقوط المجلس النيابي في يد حزب الله.

٭ الانتخابات لا تغير في السياسات الاستراتيجية، والأكثريات النيابية لا تغير في موازين القوى والمعادلة الفعلية.

والدليل على ذلك أن قوى 14 آذار فازت بالأكثرية في انتخابات 2009 لكنها عجزت عن تشكيل حكومة من لون سياسي واحد.

٭ حزب الله ليس في وارد الانقلاب على التوازنات المحلية الدقيقة رغبة منه في الحفاظ على الاستقرار الداخلي، ولأنه مدرك حساسية وخصوصية التركيبة اللبنانية.

٭ الانتصار الانتخابي الذي يريده حزب الله هو انتصار سياسي معنوي ومن خلاله يوجه رسائل الى الداخل والخارج مفادها أن محاولة عزل الحزب تبقى وهماً بعيدا عن الواقع.

٭ لبنان خاضع لموازين قوى إقليمية ودولية وليس لكتل ومحاور نيابية، ولا يقرر مستقبله ومصيره قانون انتخاب لا يؤدي الى أكثر من توسيع قاعدة المشاركة الشعبية والسياسية ومن تحجيم قوى سياسية مضخمة أو منتفخة.