كتب فراس الشوفي في صحيفة “الأخبار”:
شبعت عكّار من تفرّد تيار المستقبل بها. لا خدمات ولا إنماء، وفاتورة دائمة من الدم والأزمات تحملها المحافظة المهملة في أقصى الشمال اللبناني. عكار لم تعد في جيب المستقبل وحده، بفضل القانون الجديد.
الطريق من طرابلس إلى عكّار لا تتغيّر. الحفر وأعمدة الإنارة التي لم تصلها الكهرباء بعد، أثبت من ريح جبال الأرز المثلج في الشرق، وكتل الهواء الرّطب الآتي من البحر. محافظة يتيمة أخرى، تئنّ على هامش الكيان المثقل بأزمات الماضي والمستقبل.
غير أن الانتخابات النيابية، التي «حميت» في محافظات أخرى، تظهر خجولة هنا، إلّا من المرشّحين الميسورين، الذي سبقوا غيرهم لحجز إطارات الإعلانات العملاقة، من العبدة إلى الحدود السورية. لا تشبه انتخابات 2018 الاستحقاقين اللذين سبقاها بعد الخروج السوري من لبنان، في 2005 و2009.
قانون النسبيّة «الممسوخة»، على علّاته، لم يعد يسمح لتيار المستقبل بوضع عكّار في جيبه، ولا بتدفيعها ثمن مشاركته في الحرب السورية، فاتورةً تضاهي فاتورة البقاع الشمالي. فـ«الصوت الآخر» في عكّار سيجد طريقه إلى المجلس النيابي هذه المرّة.
لم تكن عكّار خزاناً انتخابيّاً لتيار المستقبل فحسب، تعطيه سبعة نوّاب بلا خدمات ولا إنماء في المقابل، سوى صرر الأموال التي توزّع عشيّة كل انتخابات. من هنا، ملأ المستقبل ساحاته الحاشدة في 14 شباط 2005، وفي 14 آذار، وكل 14 آذار. ومن شباب عكّار الفقراء، بنى المستقبل جيشاً هلاميّاً من مسلّحي «سكيور بلاس»، وتركهم هائمين في شوارع راس بيروت التي لا يعرفونها، عشيّة 7 أيار 2008. وهنا، انفجرت «داعش» الأولى، بمشايخها وفتنوييها وأمنييها… ونوّابها. فحطّمت الجماجم ومثّلت بالجثث في حلبا.
وما إن بدأ اللعب بالدم السوري، حتى أُقحمت عكّار فيه، فارتد عليها كميناً في تلكلخ، وشهداء من الجيش، ونازحين يضيفون فوق الهمّ همّاً.
قرب مفرق كوشا، على بعد 10 دقائق من ساحة حلبا، يرفع تيّار المستقبل صورةً عملاقةً للرئيس سعد الحريري على مبنى منسقيّة عكّار. يشبه البناء الضخم من بعيد سرايا حكومية أو دائرة رسمية من تلك التي تفتقدها المنطقة. لكنّ المنسّق المحامي خالد طه لا يشبه الموظفين الرسميين. «رِجلاه عل الأرض»، ومكتبه هو المكتب الأوّل قرب مدخل المنسقيّة، وبابه مفتوح دائماً، لأي زائر. لا يزال طه يحتفظ بلوحة عليها رسم للرئيس سعد الحريري يطوّقه علم «الثورة السورية»، أو علم الانتداب الفرنسي لسوريا. «هيدي من زمان»، يسارع طه بالإجابة. تصبح «الثورة» بضاعة قديمة عندما يصير احتجاز الحريري في السعودية وإجباره على الاستقالة سبباً لاستعادة رئيس الحكومة شيئاً من الشعبية المفقودة في العامين الأخيرين. بالنسبة إلى طه، المستقبل لا يزال القوّة الأولى في عكّار، وهو كذلك. حوالى 110 آلاف مقترع سنّي متوقّع من أصل نحو 190 ألفاً مسجّلين على لوائح الشطب، أي ما نسبته 60%. يحظى المستقبل منها بأكثر من 60 ألف صوت بحسب ماكينات خصوم المستقبل، و70 ألفاً بالتقدير في ماكينة المستقبل. لم يحسم التيار الأزرق حتى الآن لائحته وأسماء المرشّحين عليها، بـ«انتظار بيروت»، يقول طه. لكنّ الأجواء التي سادت أمس، تؤشر إلى تحالف المستقبل مع التيار الوطني الحرّ ــ الذي خاض في الدورتين الأخيرتين معاركه الانتخابية إلى جانب قوى 8 آذار، وبشعارات لا تصلح لترفع إلّا بوجه المستقبل ــ وترشيح النائب هادي حبيش عن المقعد الماروني على لائحة التحالف المستجدّ. ومع أن أجواء مسؤولي «الوطني الحرّ» في عكار تشير إلى اتجاه قيادتهم للتحالف مع المستقبل وسحب المرشّحين الذين يعيقون هذا التحالف، مثل جيمي جبّور مرشّح الوطني الحرّ الماورني كرمى لعيون هادي حبيش، إلّا أن مصادر رفيعة في تيار المستقبل بقيت حتى ليل أمس تصرّ على أن تحالف التيارين لم يحسم، وهو مرتبطٌ بدوائر أخرى، مثل صيدا والبقاع الغربي. فلا يعقل أن يتحالف التياران في عكّار، ويحالف العونيون في صيدا رئيس التنظيم الشعبي الناصري أسامة سعد، وفي البقاع الغربي الوزير السابق عبد الرحيم مراد. إمّا تحالف كامل أو لا تحالف. هكذا يقولون في بيروت، وردود الفعل في عكّار تؤكّد عكس ذلك. ماذا تتوقّعون؟ يقول طه: «لا نتوقّع، لدينا دراسات. خمسة نوّاب (ثلاثة سنّة، أورثوذكسي، ماروني) محسومون، ولنرَ ماذا يحصل في المقعدين الآخرين (أورثوذكسي وعلوي)».
يبدو مرشّح التيار الوطني الحرّ عن المقعد الأورثوذكسي، أسعد درغام، أكثر شباباً من صوره المعلّقة على «البانويات». ينهمك في تلقّي الاتصالات التي تنبئه بـ«غضب الأهالي» الذي يعبّر عنه مناصرو التيار في القبيات وعندقت بسبب تبّني التيار مرشحاً أورثوذكسياً وليس مارونياً. يغلق هاتفه، ثمّ يشرح سبب ارتياحه للأرقام، وحصيلة الدراسة التي قام بها التيار، وأظهرته أقوى المرشحين الأورثوذكس. وبحسب درغام هذه ليست الدراسة الوحيدة التي تؤكّد تقدّمه، عبدو سعد وربيع الهبر طمأناه أيضاً. ودرغام لا يعير اهتماماً كبيراً لمسألة التحالف مع المستقبل. بالنسبة إليه، «العونيون يصوّتون لمرشّح التيار، أياً يكن، والمعترضون يعترضون لأسباب شخصيّة وينحصرون في القبيات لخلافات شخصيّة مع حبيش». ألا تتراجع نسبة الاقتراع المسيحية في ظلّ التحالف مع المستقبل؟ لا، يجيب درغام، «نحن واثقون من الربح، اللوائح المقابلة يأكل بعضها من بعض. نحن والمستقبل الآن نملك «خمسة حواصل»، إذا زاد عدد اللوائح نحصل على ستّة نوّاب، بيزمط علوي أو أورثوذكسي». ويقول مقرّبون من درغام إن «جمهور المستقبل في عكّار تحرّكه ثلاثة عوامل: السلطة، المال الانتخابي والعصب المذهبي. في غياب التحريض المذهبي، نحن والمستقبل لدينا السلطة، أما المال فلا جهة أخرى ستعوّض المال الذي لن يدفعه المستقبل هذه المرّة». يراهن درغام على التحاق حزب القوات اللبنانية بالركب، «مع القوات، يصبح النواب الستة مضمونين».
دقائق من مفرق برقايل، يدلّ القوس الحجري على يسار الطريق، إلى «فيلا» النائب السابق وجيه البعريني. الرجال في الباحة الوسيعة يتظلّلون صنوبرة ضخمة، وأبو وليد أفاق من نومة بعد الظهر قبل قليل. «نحن بيت وطني دفعنا أثماناً باهظة، ولا نسأل عن الأثمان. مكاننا السياسي معروف، ولا أحد يأخذنا إلى مسارات أخرى»، يقول البعريني، في تعليقٍ أوّلي على الأزمة الواقعة مع ابنه وليد، الذي تقرّب في المرحلة الماضية من «المستقبل». يحمل البعريني «كاسة» الشاي الدافئة في كلتا يديه، ويبدأ بالحديث عن ظلم القانون الأكثري، وحسنات القانون النسبي الجديد. لديه انتقاداته عليه، لكنّه «يسمح للحيثيات بأن تأخذ مكانها، ولا يختصر الناس بأشخاص لا تاريخ لهم». يقتنع البعريني بأن حظوظ لائحته، عندما تكتمل عناصرها، مرتفعة، من نائبين إلى ثلاثة. لكنّه يأسف للبلبلة التي أثارها ابتعاد ابنه عنه، «وليد بعدو شاب، والمستقبل قدامو، ليش مستعجل هلق؟ هيدا الموضوع بينحلّ. الضرر كبير على بيتنا وخطّنا إذا بقي الانقسام. الموضوع بدو حلّ». وفي نفس الوقت، يقول البعريني إن ابنه «نشيط وشغّيل. «المستقبل» حاولوا يلعبوا فيه ليخرّبوا لايحتنا. ما رح تزبط معهم». بالنسبة إلى فريق 8 آذار، البعريني رافعة أساسية للائحة.
«أبو وليد شخصيّة بارزة في عكّار وله حيثيته الشعبية، ومشكلة وليد ليست مع والده؛ فتيار المستقبل كان يستغلّه ولن يأخذه معه، الهدف من الأمر هو ضعضعة لائحة قوى 8 آذار». ويقول مصدر آخر في تيار المستقبل إن «على لائحتنا أسماءً محتملة كانت في ما مضى مقرّبة من سوريا. لا نحتمل سوريّاً آخر، خصوصاً أن جمهور وليد البعريني مشترك مع جمهورنا، ولن يأتينا بجمهور جديد». العتب الأكبر عند البعريني الأب هو على التيار الوطني الحرّ، «ونحن حوربنا لأننا وقفنا إلى جانب المسيحيين في عكّار يوم كان تيار المستقبل يحرّض مذهبيّاً وطائفيّاً، والآن، ركب التيار مع التيار لأجل المصالح الشخصية. خذلونا، لكن أملنا في فخامة الرئيس ميشال عون، هو يعرف ماذا فعل وجيه البعريني وحلفاؤه في عكّار للحفاظ على المسيحيين هنا».
من منزل البعريني، إلى منزل آل عبّود في منيارة. أمس أعلن الحزب السوري القومي الاجتماعي أسماء مرشّحيه، والمرشّح القومي إميل عبّود عاد لتوّه من بيروت بعد أن حضر إعلان القوميين أسماء مرشّحيهم. يقول عبّود إن «القومي من القوى الأساسية في عكّار، ومن الضروري أن يحمل هموم الناس وآراءها ويدافع عنها، خصوصاً في هذه المنطقة المحرومة، التي عانت من الوعود التي لم تكن نتيجتها سوى العصبيات المذهبية والطائفية وتجرّ منطقتنا لتكون وقوداً لوعودٍ لم يتحقق منها شيء». وبينما تدور مناقيش الزعتر المحمّصة على الضيوف في البيت المليء بالأصدقاء، يؤكّد عبّود أن من «عَلَّم وعمّر وكبّر هو الجيش اللبناني في عكّار، وليس أحد آخر». بالنسبة إلى الحزب القومي، لم يكن اختيار عبّود سوى إصرار على ضرورة تمثيل الحزب في عكّار، إذ إن حيثية العائلة تضيف إلى أصوات القوميين الحزبيين، وتعطي أملاً للائحة 8 آذار، بضمان مرشّحين على الأقل.
ولا يغيب اللواء أشرف ريفي والنائب خالد الضاهر عن البازار الانتخابي. تقدّر الماكينات الانتخابية قوة ريفي ــ ضاهر الانتخابية بنحو 9 آلاف صوت، تدور في فلك السلفيين والإسلاميين. وهؤلاء، في حال تحالفوا مع القوات اللبنانية، تصبح إمكانية حصولهم على مقعد انتخابي واردة، فيما تؤكّد مصادر في المستقبل وفي التيار الوطني الحر أن حظوظ ريفي والضاهر معدومة، لأن أيّ ارتفاع في عدد اللوائح المتنافسة يعني حصول المستقبل ــ العونيين على ستّة مقاعد من أصل سبعة.
لا لوائح محسومة في عكّار حتى الآن. إلّا أنه بالأسماء المتداولة، تصبح اللوائح المتوقّعة على الشكل الآتي:
لائحة تيار المستقبل ــ التيار الوطني الحرّ: هادي حبيش، أسعد درغام، جان موسى (أورثوذكسي)، سنّة: محمد سليمان، خالد زهرمان، مصطفى هاشم أو طلال المرعبي، خضر حبيب (علوي).
لائحة تحالف البعريني ــ القومي ــ المردة: وجيه البعريني، إميل عبود، كريم الراسي (أورثوذكسي)، مصطفى الحسين أو محمد تامر (علوي). لا اسم مارونياً بعد. حسين المصري، محمد يحيى أو خالد البدوي (سنّة).
لائحة ريفي ــ خالد الضاهر: خالد الضاهر، جوزف مخايل، هاني المرعبي، فواز متري.
لائحة أخرى: العميد المتقاعد جورج نادر، علي عمر (سنّي).