كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: مع اقتراب 6 اذار، موعد قفل باب الترشيحات إلى الانتخابات النيابية المقبلة (محدَّدة في 6 ايار) وبعده انتهاء مهلة تسجيل اللوائح في 26 من الشهر نفسه، دخل لبنان في «الزمن الانتخابي» الذي بات معه كل شيء يُحسب «على مقياس» صناديق الاقتراع التي تراوح قراءة النتائج التي ستُفرِزها بين حدّيْ أنها ستضفي «شرعية شعبية» على التسوية التي كانت أنهتْ الفراغ الرئاسي (اكتوبر 2016) وتُكرِّس حال الـ «لا اصطفاف» السياسي التي أعقبتْها تحت عنوان «الاستقرار أولاً»، وبين أنها ستجعل «حزب الله» يستفيد من «المهادنة» الداخلية وتَشتُّت خصومه وانجرارهم وراء «واقعية» التسليم بتفوُّقه لتحقيق أكثر من «نقطة استراتيجية» ولو مع تفادي مشهدية «الانتصار الصريح» الذي يمكن ان يستجلب «متاعب» مع الخارج.
ومَن يدقق في المشهد اللبناني هذه الأيام يجد أن «الربيع الانتخابي» بات متشابكاً مع مجموعة استحقاقاتٍ داخلية ذات امتداداتٍ خارجية مثل النزاع البحري مع اسرائيل ومؤتمرات الدعم الدولية الثلاث التي تقام بين منتصف مارس وأواخر ابريل في كل من روما فباريس ثم بروكسيل والتي ترتسم تباعاً ملامح محاولاتٍ لاستخدامها بمثابة «الجزرة» في سياقات عدة أبرزها:
* حضّ بيروت على مرونةٍ حيال «خريطة الطريق» الأميركية المتعلّقة بالصراع النفطي بين لبنان وإسرائيل ومسْرحُه منطقة الـ 860 كيلومتراً المتنازَع عليها في البحر، فيما «عصا» التهديدات الاسرائيلية رُفعتْ على أكثر من «جبهة»، بمعنى ربْطِ المشاركة الدولية الفاعلة والمثْمِرة في مؤتمرات الدعم ولا سيما «سيدر 1» في باريس بإيجاد إطارٍ ولو «بالأحرف الأولى» لبتّ هذا الصراع الذي دخلت واشنطن بقوة على خطّه بديبلوماسيةٍ مكوكية يضطلع بها ديفيد ساترفيلد.
* الحضّ على تفادي أن تكون الانتخابات النيابية مدْخلاً لجعل البلاد تقع بالكامل في أحضان «حزب الله» والمحور الإيراني والحفاظ على حال «ممانعةٍ» داخلية للحزب تُبقي على «خيْطٍ» بينه وبين لبنان الرسمي بما يجنّب تحويل المؤسسات «خط دفاع» أو «متراساً» في سياق المشروع الكبير للحزب، بوصفه الذراع الأبرز لطهران، التي تواجه ضغوطاً متعددة عربية ودولية تحت عنوان الحدّ من نفوذها في المنطقة ومنْع وجودها في سورية الرامي الى تكريس «هلال النفوذ» الممتدّ إلى لبنان عبر العراق وسورية، كما إلى إيجاد «تماس» مع اسرائيل يمتدّ من جنوب سورية الى جنوب لبنان.
وفي حين تشكّل الولايات المتحدة من خلال مهمة القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد على جبهة النزاع البحري مع اسرائيل عامل الارتباط مع مؤتمرات الدعم، فإن عنوان الارتباط العربي بهذه المؤتمرات يبقى أكثر التصاقاً بأبعاد الصراع مع إيران والتصدي لأدوار «حزب الله» في الخارج ووزنه في الداخل اللبناني، وهو ما عبّرت عنه المعلومات عن عدم حماسة سعودية – إماراتية للمساهمة في المؤتمرات وخصوصاً «سيدر 1» لدعم الاستثمار، وذلك كامتدادٍ لاقتناع لدى الدولتين بأنّ أي انخراطٍ وازن فيها يصبّ بالنتيجة في «جيْب» حزب الله المتحّكم بمفاصل اللعبة في لبنان إما بقوّته وإما بضعف الآخرين.
ومن هنا تتجه الأنظار الى ما إذا كان سيصّح «الموعد الجديد» الذي ضُرب لزيارة الموفد السعودي المكلّف الملف اللبناني نزار العلولا لبيروت والتي أشارت تقارير أمس الى أنها ستحصل غداً.
وحسب التقارير، فإن العلولا سيلتقي رؤساء الجمهورية العماد ميشال عون والبرلمان نبيه بري والحكومة سعد الحريري على أن يتسلّم الأخير دعوة لزيارة الرياض، الأمر الذي سيعني بحال حصوله رسالة من المملكة بأنها أعادت لبنان إلى «أجنْدتها»، كما سيشكّل إشارة علنية إلى عودة المياه لمجاريها بينها وبين الحريري الذي كان قدّم استقالة ملتبسة منها في 4 تشؤين الثاني وتراجع عنها بعد رجوعه الى بيروت في 22 من الشهر نفسه، مع تَفاهُم «ورقي» داخل الحكومة على نأي كل مكوّناتها عن صراعات المنطقة والتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية.
وإذا تمّتْ زيارة العلولا وتلقى الحريري دعوة إلى السعودية، فإن من شأن ذلك أن يعطي دفعاً للآمال بأن تحقّق المؤتمرات الدولية نتائج إيجابية، من دون أن يتّضح إذا كان بالإمكان تفسير مثل هذه الزيارة على أنها مبارَكةٌ للمسار الذي يسلكه رئيس الحكومة في الانتخابات النيابية أو أنها قد تترك تداعيات على «الأشواط الأخيرة» من الاتصالات التي يُجْريها لحسْم التحالفات.
على أن أوساطاً سياسية في بيروت لم تنظر بعين الارتياح أبداً إلى «رسالةٍ بلا قفازات» وجّهها «حزب الله» لخصومه (قبل بعض الحلفاء) بإدراجه المدير العام السابق للأمن العام اللواء جميل السيّد على لائحته مع «حركة أمل» في بعلبك – الهرمل، هو (اي السيّد) الذي شكّل أحد أبرز أركان ما عُرف بالنظام الأمني اللبناني – السوري الذي طبع مرحلة الوصاية السورية على لبنان (قبل انسحاب نيسان 2005)، والذي اعتُبر ترشيحه في سياق «إعادة الاعتبار» لرموز «المرحلة السورية» التي كانت «انفجرتْ» بوجهها «انتفاضة الاستقلال» في 14 اذار 2005 بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، الذي أوقف السيد ومعه 3 ضباط آخرين احترازياً في ملفه لـ 44 شهراً من قبل لجنة التحقيق الدولية قبل أن يتم إطلاقهم من قبل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.
ولم تحجب هذه التطورات الأنظار عن حدَث أثار «نقزةً» وتمثّل في ضغوط سياسة – أمنية مورست على أحد فنادق بيروت ومنعتْه في «ربع الساعة الأخير» من استضافة مؤتمر إطلاق «المبادرة الوطنية»، وهي الحركة المعارِضة (للتسوية السياسية ولما تعتبره استسلاماً لـ«حزب الله») التي يتقدّمها المنسّق السابق للامانة العامة لقوى 14 آذار الدكتور فارس سعيْد والدكتور رضوان السيد.
وعقد سعيْد والسيّد أمس مؤتمراً صحافياً وضعا فيها المنْع في سياق «سلسلة خطوات قامت بها السلطة منذ بداية عهد الرئيس عون»، معتبريْن ان «الحكومة كما الحكم صدرها ضيّق أمام اي مطلب من طبيعة وطنية يحمله مسلمون ومسيحيون ومدنيون من كل لبنان». وتوجها إلى الرئيسيْن عون والحريري بالقول: «أنتما مؤتمَنان على لبنان لكنكما تسيئان للأمانة عندما تتصرّفان بصبغةٍ أمنية وليس سياسية»، متسائليْن «ما الذي يمنع تالياً الحكم والحكومة من جعْل الاعتبارات الأمنية أيضاً عنواناً لعدم إجراء الانتخابات»؟
في المقابل، نفت رئاستا الجمهورية والحكومة، في بيانين منفصلين، أي تدخل لهما لمنع أحد الفنادق من استضافة مؤتمر «المبادرة الوطنية».